النيوليبرالية في الأردن: البرنامج التنفيذي واستمرار الإخفاق

النيوليبرالية في الأردن: البرنامج التنفيذي واستمرار الإخفاق

24-11-2025 04:14 PM

قبل أيام، وأنا أعبر وسط البلد، توقفت عند بائع خضار كنت أعرفه منذ سنوات. قال لي بمرارة: " كل سنة يطلعوا بقرارات جديدة، ونحن نفس الحال!".

هذه الجملة البسيطة لخصت ما تعجز عنه مئات الصفحات من التقارير الرسمية.

بينما كانت الأصوات الناقدة تحذر منذ ثلاثين عاماً من سياسات نيوليبرالية جعلت الأغنياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقراً، تأتي اليوم دراسة المنتدى الاقتصادي الأردني لتكشف لنا أننا ما زلنا ندور في الحلقة ذاتها. فالبرنامج التنفيذي المزعوم (2023-2025) لم يأتِ بجديد، بل هو نفس الوصفة القديمة في علبة جديدة.



- البرنامج التنفيذي: وهم الإصلاح

أذكر كيف ابتهجنا عندما أُطلق البرنامج التنفيذي, ظننا أن الأردن سيشهد نقلة حقيقية, لكن الأرقام التي يقدمها المنتدى الاقتصادي تكشف قصة أخرى.

بينما تتفاخر الحكومة بتحقيق 36.4% من الأهداف( رغم ان هذه النسبة فيها تناقض كبير بحيث قفزت بشكل مفاجيء من 28% الى 36% ولا نعلم كيف ) ، فإن الدخل الفعلي للفرد لم يرتفع سوى 16 ديناراً خلال عام كامل!

لنكن صريحين: ماذا يعني 16 ديناراً في زمن يرتفع فيه سعر الخبز والوقود والأدوية؟! إنها إهانة للعقل قبل أن تكون إحصائية, بشكل بسيط تعني أن المواطن يعمل عاماً كاملاً ليحصل على ما يكفي لدفع فاتورة المياه لشهرين من خلال هذه الزيادة !



-وهم فرص العمل: أرقام بلا روح

تعلن الوزارات عن 96,421 فرصة عمل، لكن أي فرص هذه؟ !

خريج هندسة حاسوب ، يعمل اليوم في توصيل الطلبات. وهو واحد من آلاف الشباب الذين تحولوا من طموحات كبيرة إلى مجرد "أرقام" في إحصاءات البطالة.


وفقاً لدراسة المنتدى الاقتصادي الأردني، فإن هذه الفرص "تركزت في قطاعات منخفضة الإنتاجية والأجور، أو في وظائف مؤقتة أو موسمية", يفسر المنتدى هذا التناقض الصارخ بأن "فرص العمل السنوية المستحدثة خلال المرحلة الأولى تراوحت بين 95–100 ألف فرصة سنويًا، وهي جهود مقدّرة، لكنها لم تحقق الأثر المرجو في تخفيض البطالة".


زرت قبل أسابيع مناطق تجمّع عمال وشاهدت العمال وهم ينتظرون في طوابير للحصول على عمل يومي, لا ضمانات، لا تأمينات، لا مستقبل.

هذه ليست "فرص عمل" بالمعنى الحقيقي، بل هي إحصاءات تزين التقارير بينما الشباب يغرقون في اليأس.




-الاستثمار الأجنبي: وهم التنمية

نسمع عن 1,122 مليون دينار استثمار أجنبي، لكن أين تأثيرها على الأرض؟ يشير تحليل المنتدى إلى أن "نصيب الفرد من الناتج المحلي بالأسعار الجارية بلغ 3,228 ديناراً في عام 2024، مقارنة بمستهدف يقارب 3,779 ديناراً"، لكن هذا النمو لم ينعكس على الدخل الحقيقي للفرد.


في مدينة الحسن الصناعية، رأيت مصانع أجنبية تأتي بعمالتها ومعداتها، بينما يقتصر دورنا على توفير الأرض والبنية التحتية, استثمارات لا تخلق خبرات محلية، ولا تبني صناعة وطنية، ولا تنقل تكنولوجيا حقيقية, إنه النموذج النيوليبرالي ذاته: استثمارات تخدم رأس المال ولا تخدم العمل.



-الرؤية والواقع: فجوة تتسع

لا أنكر أن رؤية التحديث الاقتصادي تحمل أهدافاً نبيلة, لكن الفجوة بين الطموح والواقع أصبحت كالقارعة, فبدلاً من بناء اقتصاد إنتاجي، نستمر في اقتصاد الريع, بدلاً من دعم الصناعات الصغيرة، نكرس الاحتكارات, بدلاً من تمكين المواطن، نمكن رأس المال.


يكشف تحليل المنتدى الاقتصادي الأردني الغياب الصارخ للبعد الاجتماعي في التخطيط الاقتصادي، حيث أن "البرنامج التنفيذي للمرحلة الأولى تضمن مستهدفات لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه لم يتضمن مستهدفات واضحة للدخل الحقيقي".



-النظام الضريبي: الظلم المُؤَسَس


أتعجب كلما رأيت موظفاً يخصم من راتبه الضريبة عند المصدر، بينما كبار المستثمرين يحصلون على إعفاءات, صديقي المحاسب يحكي لي كيف أن بعض الشركات تدفع ضرائب أقل من موظف بسيط!


وفقاً لتحليل المنتدى، تستمر هذه السياسات في "توسيع الفجوة الاجتماعية وتعميق الإحباط بين المواطنين". فأين العدالة في نظام يملك فيه 930 فرداً حوالي 20 مليار دولار، بينما يتحمل الفقراء العبء الأكبر من الضرائب غير المباشرة؟


-من مرحلة إلى أخرى ولكن نفس الفريق النيو ليبرالي

ها هي المرحلة الأولى من البرنامج التنفيذي تثبت ما عرفناه منذ زمن
: النيوليبرالية وصفة فاشلة< فبعد ثلاثين عاماً من التجارب المريرة، وثلاث سنوات من "التحديث"، مازلنا نعاني من البطالة نفسها، والفقر نفسه، والظلم نفسه.


يخلص المنتدى الاقتصادي الأردني إلى أن "المرحلة المقبلة تتطلب تطوير أدوات التنفيذ والمتابعة، وتوضيح الأثر الفعلي للمشاريع على التشغيل والدخل".


لكنني أقول: لقد حان الوقت لمراجعة جذرية, نحتاج إلى اقتصاد يبدأ من احتياجات الناس، لا من شروط صندوق النقد, إلى اقتصاد يبني صناعة حقيقية، لا اقتصاد خدمات هش, إلى اقتصاد يضع الإنسان في المركز، لا الأرقام.

فذكريات ذلك البائع في وسط البلد، وشبابنا المتعطل، وعمالنا اليوميين، تذكرنا بأن الهدف ليس تحقيق نسب مئوية، بل بناء كرامة إنسان.

الخيار واضح: إما أن نستمر في وهم النيوليبرالية، أو نبدأ طريقاً جديداً يضع الإنسان أولاً، ويستلهم قيمنا في العدالة والتكافل، ويعيد الاعتبار للبعد الاجتماعي في التخطيط الاقتصادي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد