الهيئة المستقلة للإنتخابات وافساد البرلمان القادم !

mainThumb

11-08-2020 06:09 PM

(1- 2)
في تصريحٍ أبسط ُما يقالُ عنه أنه مُستفز، ويتناقض مع أهداف ِورؤية ورسالة الهيئة المستقلة للإنتخابات، إضافة ًإلى عدمِ الإتساق بين النظام البرلماني، ومتطلبات الحياة الديمقراطية السليمة. أعلن مؤخراَ الناطق ُالإعلامي للهيئة المستقلة للإنتخابات في لقاءٍ بثَه التلفزيون الأردني: أنّ الإنتخابات تجري ولو بنسبة 2% وأن نسبة المشاركة لا تُقلِق الهيئة !


لا نعرف ُما هي الغاية من إجراءِ إنتخاباتٍ يُشاركُ فيها فقط 2% من الناخبين! فالإنتخاباتُ إحدى أهم آليات المشاركة السياسية ، ومُمارسة الشّعب لِحَقه، وهي الوسيلة التي تُمَكّن المواطنينَ من المشاركة السياسية في عملية اتخاذ القرارات، وَمن خلالِها أيضًا يُمكن قُبول أو رفض الخيارات السياسية، والنُخبَ التّي تطرح تلك الخيارات.


الإنتخابات ليست هدفًا بحد ذاتها في إطار الديمقراطية ؛ و إنما هي أداة ٌتعتمدها الأنظمةُ الديمقراطية ُللتعبيرِ عن مُشاركة الشّعب في مُمارسة السلطة عبرَ مُمثليه ِالشرعيين . فَأنّى لِهذا المبدأ الديمقراطي أن يَتحققَ في ظلِ عُزوف أو عَدم مُشاركة 98% من الناخبين ؟


لا نعلَمُ مدى سلامة التفكير وِفقَ منطق مشاركة 2% من الناخبين، ومِن المُتَوقع أن يُؤدي مثلُ هذا المنطق إلى تشجيع عُزوف الكثير من الناخبين عن المُشاركة في الإنتخابات النيابية القادمة ، والمُزمع إجراءها في العاشر من شهر تشرين الثاني القادم!


وبِما أن ّ الهيئةَ المستقلةَ للإنتخابات هي المسؤول الأول عن الإنتخابات، فإن المسؤوليةَ الأولى لأيّ خطأٍ أو تقصيرٍ يُلقى على عاتقِها دونَ سِواها ؛ فكيف تقبل إذًا الهيئة المستقلة بإنتخاباتٍ لا يُشارك فيها الغالبية الساحقة من أبناء الوطن؟


رغم َالصورة السيّئة للبرلمان في أذهان الغالبية الساحقة من أبناء المجتمع الأردني لأسبابٍ لا يتسِع المجالُ لذكرها في هذه المقالة، ورغم تصريح رئيسٍ سابق للبرلمان الأردني أن البرلمانَ مُجرد ديكور! وبهذا الوصف يصبح البرلمان مجرد وسيلة لإضفاءِ مسحة من الديمقراطية على النظام السياسي ؛ إلاّ أن البرلمانَ يبقى ركنٌ أساسيٌ من أركان النظام السياسي الأردني، ولا بديل عنه ، لذا تُعد الإنتخاباتُ النيابية الإنتخاباتَ الأهمَ في البلاد مقارنةً بغيرها من الإنتخابات الأُخرى سواء بلدية أو مجالس محافظات أو نقابية و غيرها، وإنخفاض نسبة المشاركة فيها هو إنعكاسٌ لِضعف المشاركة السياسية ، أو ما يُمكن تَسميته بالسلبيّة السياسيّة .هذا الضعف يرتبط ُبضعف المؤسسات وينعكس عليها؛ فالسلبيّةُ تعني عدمَ قُدرة المؤسسات وهي (البرلمان) في هذا السياق على أداء عملها بكفاءةٍ، وعدمَ جاذبيّتها بالنسبة للأفراد فينصرفونَ عنها مُفضلينَ المقاطعة َ، أو العزلة وعدم المشاركة.


وعندما تَصل ُالأمور إلى هذه الدرجة وتتناقص قيمة المشاركة، ويفقد الناس الشعورَ بالمسؤولية العامة وتَحِلُ محلها قيمة السلبية كقيمة مميزة للثقافة السياسيّة، يُصبحُ المواطنُ غريبًا في وطنهِ ، عاجزًا عن مُمارسة أيّ دورٍ أو وظيفةٍ سياسيةٍ، لَحظتها نستطيع القَولَ دون مواربة أنّ المواطنَ لا يستطيعُ أن يُمارسَ الرقابة على البرلمان أو الحكومة أو المؤسسات السياسية، مما يُشجِع على فساد واستبداد هذه المؤسسات.


ولا تقتصرُ الآثار السلبيّة لِضعف أو غياب المشاركة السياسيّة على التشجيع لظهور الفساد بأشكالهِ المختلفة في تلكَ المؤسسات فَحسب ؛ وإنّما يتجاوز ذلك إلى حرمان المؤسسات السياسيّة من أفضل العناصر القياديّة ذات الكفاءة التي يمكنها المشاركة َ بفاعليّة ،ومُمارسةَ الدَور المنوط بها بتجرُدٍ تامٍ عن نَزعاتِ الأنانيّة ،والمصالح الشخصيّة الخاصة .


فعلى سبيل المثال كانَ هناك مقترح في مسوّدة قانون الإنتخاب يَسمح لأساتذة الجامعات بالعودة إلى عملهم في حال الإستقالة والترشح للبرلمان وعدم النجاح في الإنتخابات، إلاّ أن هذا المقترح لم يتم قبوله ؛ والمُفارقة أنّ جُلّ الأعضاء الّذين صوّتوا ضِد المقترح السابق لا يحملون شهادة الثانوية العامة، و مما لا شك فيهِ أن لديهم تخوُفات و هواجِسَ من وُصول أساتذة الجامعات إلى قبة البرلمان، والمثقفين بشكل عام. واقِعٌ يستحضِرُ لأذهاننا ما قالهُ " جوزيف جوبلز" وزير الإعلام والدعاية النازي : (كُلمّا سَمِعتُ كلمةَ ثقافة ؛ تَحسَستُ مُسدسي ) !


ويُؤكد تلكَ الهواجس حقيقةَ الأشخاص الذينَ يصلونَ إلى كثير من المؤسسات السياسيّة إذ لا يَصِلُ إلاّ الأسوأ منهم ، (....) مع طفرات قِلّة لِسواهم تكادُ لا تُرى (إلا مَنْ رحمَ ربي ) ! الأمر الذي يُضاعِف من ضَعف البرلمان وربما افساده، حيثُ يسعى القائمونَ على هذه المؤسسات الضعيفة إلى استغلال مواقعهم فيها بِهدفِ تحقيق مكاسب شخصية كالرشاوي‘ والعمولات والعطاءات وغيرها .إذ أنَ هناك َعلاقة طردية بين مَيلِ هذه العناصر السيئة التي تقوم باستغلال المنصب والنفوذ السياسيّ لغاياتٍ خاصةٍ ، وبينَ درجة انتشار الفساد بأشكالهِ وأنماطهِ المُختلفة داخلَ النظام . ولعلّ فِئةَ رجالِ الأعمال داخِلَ البرلمان، والتي قامت باستغلالِ نُفوذها لِتكوينِ ثروات طائلة ؛ نموذجٌ واضح على ذلك ؛ والمُحصلة كانت إزدهارٌ وتغلغلٌ واضح للفساد .


إنَ عضو البرلمان الّذي فازَ بأصوات 2% من الناخبين في دائرته الإنتخابيّة هو بلا شك أكثر ميلًا إلى الفسادِ واستغلال النفوذ ؛ لأنّهُ يأمن المحاسبة أو المسؤولية أمام دائرته الإنتخابيّة ، أو المجتمع بشكل عام . فهو لم يصل إلى موقعه ِبأصوات الغالبية من الناخبين في تلك الدائرة الإنتخابيّة وهم الذين يراقبوا ادائه وربما محاسبته وخصوصا عندما يعيد ترشيح نفسه مرة ثانية للبرلمان .


وبالمجمل فان برلمان غارق في الفساد التسريعي والمالي وحتى الاخلاقي ، يعمل لصالح المصالح الخاصة والشخصية لقلة وليس للمصلحة العامة للامة ، ولا يكون اعضائه في الخطوط الامامية في الدفاع عن المصالح العليا للشعب هو عبئ على الدولة المجتمع ، وينفق عليه من المال العام هدرا دون الاستفادة منه .


ولما كان الاردن الذي نحب ونحرص على سلامته وامنه ومصالحه هو اليوم في عين العاصفة ، وتحدق به مخاطر كثيرة تهدد كيانه ووجوده ، فهو بحاجة لبرلمان قوي يمثل الشعب الاردني تمثيلا صادقا ، وهذا يستوجب اجراء اصلاحيات جذرية للبرلمان شكلا ومضمونا من اجل استعادة الثقة في الركن البرلماني ، وتحسين ادائه ، وتعزيز شرعيته , وللحديث تكملة ان شاء الله

 


كاتب واكاديمي اردني



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد