عراق تشرين

mainThumb

05-10-2022 04:49 PM

شهر أكتوبر (تشرين الأول)، يمر على العراق هذا العام حاملاً معه ذكريات لطموحات تلاشت وتساؤلات حول المستقبل. ففي هذا الشهر، الذي يناديه غالبية العراقيين بـ«تشرين»، ذكرى انضمام العراق إلى عصبة الأمم عام 1932؛ ليصبح من بين الدول الحديثة الأساسية التي وضعت أساساً للإدارة الدولية وسعت لرسم مستقبل المنطقة والعالم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. كان الطموح أن يفتح العراق مع العالم صفحة جديدة معاصرة مع تقدم القرن العشرين. وتحقق بعض ذلك لسنوات عدة، قبل أن تأتي الحرب العالمية الثانية وفترة الاستعمار والانقلابات العسكرية لتقف في طريق الكثير من تلك الأحلام والطموحات.
وفي عصرنا هذا، «تشرين» لديه دلالات أخرى ذات وقع لدى العراقيين؛ إذ يحيون فيه ذكرى احتجاجات أكتوبر 2019 عندما سعت حركة إصلاحية شعبية إلى تغيير الواقع من حولهم ورسم مستقبل مختلف لبلد عانى ما عاناه من التدخلات الخارجية والفساد المالي والإداري. وعلى الرغم من أن 87 عاماً تفصل بين أحداث هذا الشهر في عامي 1932 و2019، فإن هناك أوجه تشابه فيما يخص قضايا جوهرية متعلقة بالسيادة العراقية وطموحات أجيال من الشباب ما زالت عالقة.
قبل 90 عاماً، أصبح العراق البلد العربي الأول الذي انضم إلى عصبة الأمم، المنظمة التي سبقت الأمم المتحدة وسعت لتثبيت سيادة الدول المعاصرة ولمنع الحروب بينها. لهذا السبب كانت هناك أصوات عديدة تنادي لسنوات باعتبار 3 أكتوبر العيد الوطني الرسمي للعراق؛ إذ لا يعدّ هذا التاريخ مسيّساً ولا يرجح كفة طرف سياسي على آخر. وقررت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تبني هذا اليوم رسمياً عيداً وطنياً، بعد مراوغة من أطراف سياسية عدة عطلت تمرير القرار عبر البرلمان، ضمن جهودها لإضعاف السيادة العراقية وروح المواطنة فيه. وعشية العيد الوطني هذا العام، نشرت وزارة الخارجية العراقية بيانات حول هذه المناسبة، بما فيها وثيقة توثق اجتماعاً لعصبة الأمم في جنيف، وسردت «وافقت الجمعيّة العامّة لعصبة الأمم يوم 3 تشرين الأول 1932، على قبول العراق عضواً في عصبة الأمم بناءً على طلب الانضمام المُقدم من المملكة العراقيَة آنذاك بتوقيع رئيس الوزراء الأسبق نوري باشا السعيد، بتاريخ 12 يوليو (تموز) 1932، ليصبح العراق أول دولة عربية تنضم إلى هذه المنظمة الدولية». وبذلك أصبح العراق مؤهلاً للخروج من الانتداب البريطاني وكان من الدول العربية المتقدمة، إلا أن مساعي البلد للاستقرار والتطور تلاشت مع انقلاب 1958 والقضاء على الملكية الدستورية في العراق ودخول البلد حقبة الانقلابات السياسية والانشقاقات الداخلية وأدت إلى الديكتاتورية ثم الفوضى السياسية.
مثل غالبية الرموز المتعلقة بالسيادة العراقية، بما فيها العَلم الرسمي والنشيد الوطني، كانت هناك خلافات على تحديد اليوم الوطني بعد حرب 2003 وسقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وبينما أرادت بعض الأطراف السياسية أن تجعل يوم 9 أبريل (نيسان) اليوم الوطني للعراق - أي مع ذكرى سقوط نظام صدام حسين - كان هناك رفض شعبي لذلك؛ إذ يرمز ذلك اليوم لانتهاك السيادة العراقية أيضاً. كان من المستغرب أن سنوات طويلة مرت من دون احتفال العراقيين بعيدهم الوطني، بما في ذلك إحراج للسفارات العراقية في الخارج بعدم إقامة حفلات استقبال تحيي ذكرى يوم بلدهم الوطني أو تحديده لدى الدول المضيفة لهم، خلافاً لباقي دول العالم.
شهد هذا الأسبوع الاحتفال الرسمي بالعيد الوطني العراقي يوم 3 أكتوبر للمرة الثانية، بعد أن تبنت حكومة الكاظمي هذا التاريخ رسمياً. إلا أن الاحتفال بالعيد الوطني يأتي في وقت يشهد فيه العراق أزمات عدة، على رأسها الانسداد السياسي في البلاد. ويوم 10 أكتوبر الحالي يصادف مرور عام كامل على الانتخابات التشريعية التي جرت في عام 2021 والتي لم تتمخض عنها لليوم حكومة جديدة.
ويحسب لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي حرصه على تبني يوم 3 أكتوبر عيداً وطنياً للعراق سعياً لترسيخ الهوية الوطنية والمطالبة بالوحدة من أجل نهوض البلاد. الآن تشرين له رمزية أخرى لدى الشباب العراقي منذ 3 سنوات، فهو يرمز لمظاهرات أكتوبر 2019 وطموحات السيادة والاستقلال التي يحلم بها العراقيون. وبينما أعلنت الحكومة العراقية أن 3 أكتوبر اليوم الوطني العراقي عطلة رسمية في العراق، أحيت الحركة الاحتجاجية ذكرى اندلاع الاحتجاجات يوم 1 أكتوبر.
لقد مرت 3 سنوات على انطلاق تلك المظاهرات التي هزت النظام السياسي وأدت إلى وصول شخصية لا تنتمي لأحد الأحزاب السياسية التي تسلمت الحكم بعد حرب 2003 لتولي رئاسة الحكومة - مصطفى الكاظمي. كما أدت تلك المظاهرات لتغيير قانون الانتخابات وفتح المجال للمستقلين بالحصول على أصوات كافية ليدخلوا البرلمان، رغم تعطيل أعماله لاحقاً.
اليوم العراق يعيش حالة انقسام على الصعيد السياسي ويواجه تحديات من أطراف تحاول أن تقوض سيادته. فمن القصف المتتالي داخل أراضيه - آخر نموذج القصف الإيراني إلى إقليم كردستان الشهر الماضي الذي أودى بحياة 9 على الأقل وجرح العشرات - إلى انعدام الاتفاق على آلية لتشكيل حكومة لإدارة الدولة، هناك انتقاص للسيادة تعرقل من تطور البلد. ماذا يجب أن يحدث كي يستطيع العراق الاحتفال بمائة عام على الانضمام إلى عصبة الأمم؟ هل بحلول 2032 سيكون العراق قد تعافى من جروح الحروب والفساد والانقسامات السياسية؟ من الصعب الرد على هذه التساؤلات بإيجابية مع المعطيات الحالية. الأساس في حماية السيادة العراقية، التي ينبثق عنها حماية المواطن العراقي، والتي يتم انتهاكها داخلياً وخارجياً.
عراق تشرين، إذا كان بالانضمام لعصبة الأمم أو إجراء انتخابات برلمانية أو إقامة مظاهرات للمطالبة بحياة كريمة، هو عراق طموح يذكّر العالم بقدراته رغم كل الصعاب.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد