اختطاف القرار المؤسسي

mainThumb

01-11-2022 12:21 PM

كان أبو علي يقف أمام بيته المكوّن من غرفتين، وهو بكامل أناقته معتمراً اللباس العربي التقليدي، ويصدر تعليماته لأم علي: لا تنسي اللبن المخيض، حطي خبز الشراك بكيس ورق، الخروف جاهز، وأبو محمد وصل بالسيارة، "ودنا نصل الباشا قبل ما يروح عالدوام" بلكي مشّى الولد بالجامعة..
ردت أم علي وهي تحمل المطلوب اليه، متأكد أنه يمون..؟!!
ما إلنا غيره.. الولد معدله كويس، بس المعدل لحاله ما يكفي، الواسطة فوق كل شي، والباشا واصل، "وإذا الطباخ زبط المنسف، اللي ماخذين مكوناته الأصلية معانا، وأعجبه اعتبري ابنك مقبول.. توكلي على الله.."


دَأبَ الناس منذ أن اصطدموا بالحكومة، إذا أرادوا منها شيئاً أن يشفعوا طلبهم ب"واسطة" يقدمون لها القرابين، كشاة غداءً للمسؤول أو زق لبن، فإذا قُبلت القرابين حصل المواطن البسيط على طلبه المستحق له بلا قرابين، لكن غياب المؤسسية، وتلاعب المتنفذين بالقرار المؤسسي ألجأه إلى التماشي مع الجو السائد مضطراً، خوفاً من فقدان حقه لصالح من ليس له حق.
كان التلاعب في القرار المؤسسي في ذلك الوقت خجولاً لقلة الفاسدين، أو لأن المواطن لم يكن يتتبع أخبارهم أو لا يتصور أن ينحط الرجل المهندم صاحب العز والجاه الى هذا الدرك من الصفاقة، وكان المواطن راضياً بعيشه المستقل، لأن نمط عيشه جعله يعتمد على نفسه وليس على الدولة..
ثم مع تطور الزمن وازدياد وسائل الترفيه، وتنامي حاجات أهل الفساد، وازدياد اعتماد الناس على الدولة في تأمين متطلباتهم بشكل كبير، ازدادت أعداد الأفاقين وقناصي الفرص، وتطور الفساد بدعم من السلطة لأسباب لا مجال لذكرها، فصار التدخل في قرار مؤسسات الدولة كبيراً، ولم يقف التدخل عند طلب وظيفة لمواطن، أو تأمين مقعد في الجامعة لمواطن أو سرير في مستشفى، بل صار يعطل قراراً يمس الشعب بكامله، ويكلف الحكومة ومؤسساتها الملايين، تنفذه أجهزة الدولة بناء على مهاتفة من فاسد، حتى أصبحت بعض المؤسسات لا تستطيع أن تنفذ مشاريعها التي تخدم الشعب لأن فاسداً سطا على ميزانيتها، وحرم الشعب من حقوقه، في غياب غريب لمؤسسات الرقابة..
‏القضاء يتعطل إذا أحدهم أوقف حُكماً عادلاً في مجرم، أو جرّم بريئاً، والمؤسسات الأمنية تفقد دورها إذا حمت الفاسد وعاقبت من ينتقده، بمهاتفة بسيطة من معبد الفساد، ورأس المؤسسة المستهدفة من الفساد ينفذ دون أن يدافع عن قرار مؤسسته... خوفاً وطمعاً.!!
قرارات خطيرة تتخذ تؤثر على الدولة وعلى الناس ولا يؤخذ رأي الناس فيها، بل يحصل برغبة من متنفذ فاسد ينتزع القرار الذي يجعله يسيطر على مؤسسة و يأخذ أموالها، ولا تجد موقفاً شجاعاً من مسؤول، يحاول به حماية مؤسسته وقرارها المنسجم مع القانون، ولكن المسؤول الضعيف الذي وصل لموقعه بطرق ملتوية، يفَضّل أن يكون كالحمامة التي أتاها الثعلب يهددها لتلقي له فراخها كي يأكلهم، دون أن تفكر يوماً أنها محصنة في أعلى نخلة والثعلب لا يستطيع تسلقها، كذلك هو المسؤول الشجاع يتحصن بالقانون ولا يضحي بقرار مؤسسته الذي يخدم فاسداً واحداً ويحرم مجموع الشعب من خدمات مؤسساتهم، ويُلقي بالوطن والمواطن بين أنياب الفساد



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد