لهذه الأسباب، لم أكن و لن أكون أبدًا ”لوبيست“ لحركة النهضة في أمريكا

لهذه الأسباب، لم أكن و لن أكون أبدًا ”لوبيست“ لحركة النهضة في أمريكا

20-11-2022 04:43 PM

منذ اليوم الأوّل للانقلاب على الدستور، على القانون و على مؤسّسات الدولة القانونيّة و الدستوريّة و المنتخبة، يوم 25 جويلية 2021 الأسود، أعلنت معارضتي الشديدة و المبدئيّة لهذا الانقلاب الغاشم الغير قانوني و الغير دستوري. و منذ ذلك اليوم، شنّ نظام الانقلاب و أبواقه الإعلاميّة (خاصّة سفيان بن فرحات و رياض جراد) حملة إعلاميّة شعواء ضدّي متّهمًا إيّاي بالخيانة و العمالة و التحريض ضدّ الوطن، بل وصلت بهم الدناءة و الكذب إلى إتّهامي أنّني ”أمثّل“ حركة النهضة في أمريكا و أنّني دعوت الولايات المتّحدة إلى عدم إرسال التلاقيح إلى تونس، وهي طبعًا أكاذيب و سخافات لا يصدّقها إلاّ مجنون…

و في هذه الأسطر القصيرة و القليلة، أريد أن أوضّح للشعب التونسي و للرأي العام التونسي و العربي و الإسلامي و العالمي الحقيقة بالأدلّة و البراهين الكافية لإقناع أيّ إنسان ذو عقل و بصيرة.

لم أدع أبدًا إلى عدم إرسال التلاقيح إلى تونس، بل بالعكس تمامًا دعوت إلى تكثيف المساعدات الصحّية و إرسال عشرة ملايين جرعة تلقيح على الأقلّ لمساعدة الشعب التونسي على تجاوز الإزمة، و عندى كلّ الإثباتات على ذلك. أمّا ما تمّ نشره في بعض وسائل الإعلام فهو كلام لمحلّلة أمريكيّة سارة يركس في مؤسّسة كارنقي، و هي تراجعت عن كلامها بعد يوم أو يومين و إعتذرت للشعب التونسي، و تمّ التلاعب بما كتبته و نسبه إليّ زورًا و بهتانًا.

لم أتلقّى لا أنا شخصيّا و لا مركز دراسة الإسلام و الديمقراطيّة الذي أسّسته منذ سنة 1999أيّ تمويل من حركة النهضة خلال العشرين سنة الماضية، و تقاريرنا المالية المفصّلة منشورة لدى السلطات الأمريكيّة و التونسيّة و منشورة على مواقعنا الإلكترونيّة، و أتحدّى أيّ كان أن يثبت عكس ذلك.

لم أتحدّث أبدًا بإسم حركة النهضة في الولايات المتّحدة و لم أمثّلها في أيّ إجتماع كان سوى مفتوح أو مغلق، و القانون الأمريكي واضح جدًّا في هذه النقطة و هو يفرض على الجميع التسجيل مع وزارة العدل لأيّ شخص أو مجموعة تريد تمثيل أشخاص أو أحزاب أو دول أجنبيّة. و القانون الأمريكي صارم في هذه النقطة و أنا لست غبي لكي أخالفه، و من يخالفه يعرّض نفسه لعقوبات سجنيّة و ماليّة كبيرة جدًّا.
حتّى لو كان القانون الأمريكي يسمح بذلك (و هو طبعًا لا يسمح إلاّ بعد التسجيل مع وزارة العدل)، فأنا أرفض رفضًا باتًا و قاطعًا أن تتدخّل أمريكا أو أيّ دولة أجنبيّة في الشأن السياسي الداخلي و في الصراعات و الخلافات السياسيّة الداخليّة لتونس، أو لأيّ بلد أخر. من حقّ بل من واجب أمريكا و المنظومة الدوليّة و كلّ الدول الديمقراطيّة أن تدعم المسار الديمقراطي و أن تدعم حقوق الإنسان و الحرّيات و الديمقراطيّة في تونس و في العالم، و لكن ليس من حقّها أن تدعم حزبًا معيّنًا أو مرشّحاً معيّناً للإنتخابات أو للحكم في تونس أو في أيّ بلد آخر، فهذا طبعًا منافي للمبادئ و القيم الديمقراطيّة و أيضًا للقانون و الأعراف الدوليّة و لحقّ الشعوب وحدها في تقرير مصيرها و إختيار و إنتخاب و محاسبة من يحكمها، بدون أي تدخّل أجنبي من أيّ دولة كانت.

بعد أسبوعين فقط من الانقلاب الأسود و المشؤوم في وطني الحبيب، أعلنت خروجي و استقالتي من المكتب السياسي لحزب حركة النهضة (يوم 10 أوت) و بقائي في أمريكا للدفاع عن الديمقراطيّة و الحرّيات في تونس، و إسقاط هذا الانقلاب الغاشم و الفاسد و الظالم و المدعوم من قوى أجنبيّة (مصر و السعوديّة و الإمارات)، بعيدًا عن أيّ تجاذبات سياسيّة أو حزبيّة.

دوري و دور المركز في أمريكا كان و لا يزال و سيظلّ الدفاع عن الحرّيات و الحقوق و الديمقراطيّة و المساهمة في إنجاح الانتقال الديمقراطي في تونس و في العالم العربي المنكوب بالإنظمة المستبدّة، و دعم التقارب و الحوار و التعايش بين كلّ الأحزاب و كلّ التونسيّين، و دعوت و سأظلّ أدعو أمريكا و كلّ الدول الديمقراطيّة في العالم إلى دعم الديمقراطيّة و الوقوف إلى جانب الشعب التونسي في هذه المحنة و الإختبار الصعب الذي تمرّ به بلادنا الحبيبة و تجربتنا الديمقراطيّة الناشئة، و لكن بدون التدّخل في الشأن الداخلي و بدون دعم أي حزب أو مرشّح أو مناهضة أيّ حزب أو مرشّح. فهذا التدخّل مرفوض و ممنوع قانونيّا و أخلاقيّا.

نعم، أنا انتميت لحزب حركة النهضة (كعضو عادي) منذ سنة 2017، لأنّي وجدته الحزب الأقرب إلى مبادئي و قناعاتي الشخصيّة، و أيضًا لأنّي أقتنعت أنّ نقطة الضعف في البناء الديمقراطي في تونس هي أساسًا عدم وجود أحزاب قويّة و فاعلة و قادرة على التأطير و التوجيه و صياغة البرامج السياسيّة و الإجتماعيّة و خاصّة الإقتصاديّة و أيضًا تمتلك القدرة على تسيير شؤون البلاد و تنفيذ هذه البرامج إذا فازت في الإنتخابات. هذا كلّه غير موجود، و المجتمع المدني ليس بديلاً عن الأحزاب، لذلك قرّرت أن أنضمّ إلى حزب من الأحزاب و دعوت كلّ التونسيّين و التونسيّات الديمقراطيّين و الديمقراطيّات إلى الإنضمام إلى حزب من الأحزاب الكبيرة و القويّة لأنّ وجود أحزاب قويّة و فاعلة هو شرط أساسي لإنجاح التجربة الديمقراطيّة في أيّ بلد. و لكن هذه الحياة السياسيّة و الصراعات و التجاذبات السياسيّة و الحزبيّة تخصّ التونسيّين و التونسيّات فقط، و تخصّني أنا عندما أكون في تونس، و لا تخصّ أيّ طرف أجنبي بما في ذلك أمريكا التي يجب أن تبقى محايدة و تدعم المسار الديمقراطي و الآقتصاد التونسي و إحترام القانون و الدستور بدون أن تنحاز إلى أيّ طرف كان.

أخيرًا، و ليس آخرًا، أطلب من كلّ التونسيّين و التونسيّات المؤمنين بقيم الحرّية و الديمقراطيّة كما أطلب من كلّ مؤسّسات الدولة المنتخبة و المعيّنة (خاصّة جيشنا الوطني و أمننا الجمهوري) أن تحترم القانون و الدستور الذي توافق عليه كلّ التونسيّين و التونسيّات (و هو دستور 2014) و بالتأكيد ليس دستور 2022 الذي صاغه قيس سعيّد بمفرده في أربعة أيّام، و أطلب من الجميع و خاصّة الأحزاب المعارضة لهذا الإنقلاب التوحّد و توحيد الجهود و نبذ الصراعات و الخلافات الهامشيّة لوضع حدّ لهذا الانقلاب المدمّر و التدهور الخطير قبل أن يحصل الانهيار الكامل للدولة و للإقتصاد و للشعب الذي يعاني الويلات، و أن تكون تونس لكلّ التونسيّين بدون أستثناء و أن نحلّ خلافاتنا في إطار القانون و الدستور، كما يحصل في كلّ الدول المتقدّمة و الديمقراطيّة، و أخيراً في أمريكا نفسها حيث يفوز المرشّحون بصفر فاصل أو واحد فاصل، و يلتزم الجميع بإحترام القانون و الإنضباط لنتائج الإنتخابات، عندما تكون نزيهة وشفّافة تحت سيطرة جهات مستقلّة و محايدة. هذا هو سرّ نجاح أمريكا و الدول المتقدّمة و الديمقراطيّة، فماذا ينقصنا لنلتحق بركب الحضارة، و قد أثبتنا قدرتنا على فعل ذلك خلال العشريّة الماضية.

الديمقراطيّة التونسيّة لم تكتمل بعد و يراد إجهاضها، و لكنّها تبقى الأمل الوحيد لتحقيق الحرّية و السيادة و التنمية و الكرامة المواطنيّة و الوطنيّة.

نعم، نحن قادرون، و تونس أفضل من هذا بكثير إذا توحّدت جهود أبناءها و بناتها المخلصين و الوطنيّين.

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

رضوان المصمودي
تونسي أمريكي مقيم حاليًّا في واشنطن
و مناضل حقوقي و ديمقراطي طوال حياتي
و إلى أن ألقى ربّي و خالقي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد