مراجل جحا على ابن عمه

mainThumb

15-01-2023 11:47 AM

في العقد الاخير من عهد دولة رجل أوروبا المريض أي قبل حلول العقد الثاني من القرن العشرين بثلاث سينين ، عاش الناس في ظلال ذاك المريض ظروفا اجتماعية غير إنسانية : القانون السائد فيها البقاء للأقوى ، فانتشر السلب والنهب مع اشتداد وقع القحط وانتشار الجراد الذي كان يأتي على الأخضر فيدمر المحاصيل الزراعية مما أدى الى تدهور الوضع الاقتصادي ، فانتشرت ممارسات كالغزو والنهب والسلب في ظل دولة تلفظ أنفاسها الأخيرة : في ذلك الجو ساد البلاد عبارات الغزو والنهب والسلب ، النفيلة فيه اما قتل او سلب او نهب .
لم تكن خربة ام العقارب مستثناة من ذاك الواقع ، فقد مارس الذكورفيها السلب والنهب : فكانوا ينصبون الكمائن لمن يغامر بحياته ويمر في تلك الديار ذات الأشجار الكثيفة ، والكهوف والصخور الضخمة المحاذية للطرقات ، كان المسافرون يقعون في كمائن منصوبة وراء تلك الصخور.إذ كان ينقض قطاع الطرق على المسافرين فيسلبوهم ما لديهم من قطع نقدية- مجيديات- قليلة واحيانا كانوا يجردون المرء من ملابسه ان راقت لهم ويتركوه شبه عار !
وساد عرف بين قطاع الطرق ان من يسرق او يسلب لوحده فانه يرتكب حراما واما ان كان السلب جماعيا فالأسلاب حلال .
ويحكى ان احد زعماء العصابات تلك كان يمتطي حصانه فشاهد شخصا يسير في سهل بعيد، فانطلق يسابق الريح نحوه وعندما وصله صاح به بعد ان شاهد ان ملابسه جديدة وبشته كذلك ! فاشهر عليه سلاحه صائحا ( بارودة ام حديدين)ا : يا ولد اخلع هدومك ، عمتك عريانة- فانصاع المسافر وخلع ملابسه ومضى في سبيله ليس عليه الا الملابس الداخلية .... كان العرف السائد ان الشخص اذا رفض طلب المغير فإنه حلال الدم واذا انصاع للأمر فينجوا بنفسه!
عاد قاطع الطريق الى القرية يحمل الغنيمة من الملابس فاستقبلته امه بالزغاريد هي وخالاته وعماته فقد كانت تلك الواقعة اول نفيلة لذاك المغوار .... وفرح به الربع فقد أصبح لديهم فارسا مغوارا يحصّل رزقه من فم السبع وطيور الفلا.
أقام والده وليمة للجيران وكبار السن في الخربة الذين اجتمعوا يحتفون بميلاد فارس جديد لديهم ..و كان من بين الحاضرين لصين محليين – أي انهما لا يسرقان الا اهل الخربة تحديدا العجائز. لقد بهرتهما الحفاوة والتمجيد للفارس الجديد فخرجا متحمسين .. انطلق سلبود وعبود الى كهف يخزن فيه التبن اشعلا مشعلا فشاهدا خيوط غزل الحاجة عمره فاخرجا الغزل ثم عادا فاشعلا التبن نارا ولما عادا وجدا العجوز تهم بحمل الغزل فدفعاها فسقطت ارضا وخطفا العزل وهربا في الظلام.
هرعت العجوز مولولة تصرخ يا ناس ...يا ناس ... نهبني عبود وسلبود لقد اخذا غزلاتي يا مختار اعد لي حقي . طلب المختار من الشباب الحاضرين ان يحضروا سلبودا وعبودا. خرج الشباب مسرعين في طلب اللصين واحضروهما الى المجلس... قالت العجوز عمرة انا متأكدة انهما هما اللصين !
فانكرا ، قال المختار ... انا عندي حل : البينة على من ادعى واليمين على من انكر...
قالت العجوز: انا أدميت بأظافري وجه احد منهما فإن كان هناك خدوش في وجه احدهما فهما السارقان. احضر قنديل ... كان هناك خدوش خفيفة في وجه سلبود لكنه انكر ان تكون العجوز قد خدشت وجهه.
فطلب منهما المختار ان يقسما : تقدم سلبود ووضع يده فوق القران واقسم انه لم يسرق الغزل !
لكن العجوز علّقت: "قالوا للحرامي احلف قال جاني الفرج"
طلب المختار من عبود ان يقسم ، فنظر عبود الى العجوز نظرة شزرى قائلا: انا سأقسم اليمين لكن ياعجوز السوء ديري بالك على بقراتك!"
فهمت العجوز القصد فقالت : "يا مختار انا قد سامحتهما، الغزلات ولا البقرات!
وفي تلك اللحظة طرقت البوابة الرئيسة طرقا شديدا وسمع صوت شخص : اماه... اماه أنا قد عدت انا قد عدت ... هرع الناس الى خارج المجلس فشاهدوا رجلا بالملابس الداخلية وربة المنزل تضمه وتقبله صارخة :" الحمدلله على سلامتك يا بني.... الحمد لله على سلامتك يابني" واخذت الام تبكي فرحا لعودة ابنها محمد من السفر برلك ..... وعندما دخل المجلس شاهد شخصا يرتدي عباءته التي سلبها قاطع الطريق فسألوه عما جرى له فاخبرهم الحكاية
قال محمد :
عندما اخذنا الاتراك الحقت بالقوات التركية المرابطة عند قناة السويس دون تدريب ولا تجهيز وعندما قام اللمبي بهجومه الكاسح على الاتراك انسحبت القوات التركية سريعا في داخل سيناء واثناء انسحاب وحدتنا العسكرية صادفنا فتاة وغلاما من بدو سيناء يرعيان الغنم فنهب الجنود الاتراك الخراف والغنم السمراء والغلام والفتاة . بعد مسافة طويلة أوكلت انا وجندي تركي بحراسة الفتاة والغلام والغنم ... وابتعدت عنا السرية لكني لاحظت ان هناك غدرا في عيني التركي الذي تقدم من الفتاة شاهرا سلاحه عليها طالبا منها ان تترك الغنم وتذهب معه الى منخفض... ادركت انه قد عزم على اغتصابها فعاجلته بطلقة في الراس فخر صريعا مدرجا بدمائه، طلبت من الفتى والفتاة الا يخافا وطلبت منهما ان يقوداني الى المضارب ... وامضينا الليل كله عائدين الى منزل عرب الفتاة واخيها ... لقد كانت الأغنام
بفطرتها تهتدي الى الطريق الصحيح ومع الصباح اشرفنا على النزل فهرع الينا فرسان واحاطوا بالغنم وكادوا ان يقتلوني عندما شاهدوا لباسي العسكري لكن الفتاة واخاها حالا دون ذلك واخبرا الفرسان بما جرى فاقتادونا الى بيت الفتاة حيث استقبلنا استقبالا مهيبا وسألني أبو الفتاة عني اسمي فحكيت له قصة السفر برلك وكيف تصرفت عند ما حاول الغادر ان يغدر فقال الأب:" الدم ما يصير ميه". ....
مكثت حوالي أسبوعين ضيفا في بيت ابي شجاع ،وعندما تأكدنا ان الاتراك قد هزموا هزيمة نكراء و لم تبق منهم باقية زودني الرجل بذلول وارسل معي رجلين من اقاربه الى ان اوصلاني ديار السبع ومن هناك واصلت سيري مرتديا لباسا عربيا الى ان وصلت مشارف الخربة حيث كنت في السهل الشرقي عندما هاجمني قاطع طريق طالبا مني ان اتجرد من ملابسي كي يلبسها لزوجته إذ قال لي :" يا ولد اخلع ملابسك عمتك عريانة!" واني لأتساءل الان "ان كانت زوجته عريانة فلم لا يسترها بملابسه!"
فصاح ابوه أهذه نفيلتك ياهامل : تنهب اخاك ياهامل ... هذا اخوك الذي نهبته ... فقال قاطع الطريق .... لم اكن اعرف انه اخي! وصدق “ من قال" مراجل جحا على ابن عمه!





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد