مسلسل إنمي بتكنولوجيا إبداعية

mainThumb

25-05-2023 01:54 PM

السوسنة - تربع مسلسل الأنمي الشهير Fullmetal Alchemist: Brotherhood الصادر عام 2009 على القمة لسنوات طويلة، حسب تقييم موقع الأنمي My Anime List. كانت باقي المسلسلات تتنافس في كل موسم على المركز الثاني. في موسم الربيع لهذه السنة، صعد مسلسلٌ جديد وتربع على القمة، رغم وجود مسلسلات مهمّة صدرت في نفس الموسم، لها جماهير عريضة بسيكولوجيتها العنيفة، وخلفها تقف استوديوهات مكونة من جيوش من الفنيين والتقنيين، كمسلسل "قاتل الشياطين" أو "هجوم على العمالقة".
احتل مسلسل Oshi no Ko الصدارة بعد أن حصل على مشاهدات لم يحصل عليها مسلسل آخر في التاريخ. اعتقد بعضهم، في البداية، أن المسلسل سيعود ليقع في أسفل قوائم التصنيف مع مرور الوقت، كما حدث مع أنمي Spy x family، أي أن نجاحه "ترند" لحظي لا أكثر. لكن الكاتب الماكر كانت له وجهة نظر أخرى، كاتب المانغا آكا آكاساكا لم يحقق نجاحاً باهراً في عمله السابق، Love is War، رغم جودته العالية، لكن مسلسله الجديد يحمل في تفاصيله أسباب النجاح جميعها.
تبنى استوديو Doga Kobo مانغا آكا الجديدة. يصعب وصف جانرا Oshi no Ko؛ فهو يتنقل بين العديد من الأنواع المختلفة والعناصر الموضوعية غير المتصلة بعضها ببعض بشكل عضوي، ومع قصة غريبة تأتي لنا من كواليس عالم الترفيه التي تشبه الكابوس في بعض الأحيان، نستطيع وضع المسلسل تحت نوع "التجريبي"، ما يدفعنا للتمحيص والتدقيق بتروٍّ، على خلاف المسلسلات الأخرى التي تروي قصتها بقالبٍ معماريته واضحة.
للكاتب أسلوب غير مألوف، قادر على ضبط إيقاعين شاذين؛ الأول يسير بوطأة ثقيلة مع تفاصيل الحكاية ورسالتها العامة، كنقد ثقافة المشاهير، والاستغلال الجنسي للقاصرين في صناعة الترفيه والفنون، تحديداً في اليابان، وثقافة الـ"كاواي"؛ أي اللطافة، التي مررت عبرها اليابان ثقافتها للعالم، والثاني يتناغم بخفة مع ميول الكاتب الترفيهية للحصول على جمهور عريض وربح أكبر، عبر السخرية والتهكم والدعابة، من دون أن يطغى إيقاع على الآخر.
امتدت الحلقة الأولى لساعة وثلث، مراهنة برأس مال المسلسل كاملاً، كانت افتتاحية مناسبة لعمل يحوي هذا القدر من التنوع والتنافر، الحلقة الأولى، التي تعادل أربع حلقات أنمي تقليدية، وضحت تماماً رسالة المسلسل، وخلفيات الشخصيات، واللغة البصرية التي سيتواصل بها الكاتب والاستديو مع الجمهور، وقدمت أيضاً للمتفرج رؤية عامة على مدى حجم المشروع الذي أقدم عليه الكاتب، ومدى التفاصيل التي تنطوي عليها صناعة الترفيه في اليابان.
ذروات وأحداث كثيرة ممزوجة بكوميديا ولغة بصرية ساحرة، استطاعت هذه الخلطة السحرية شد انتباه المشاهد إلى الحلقة الأولى كاملة بطولها المبالغ فيه، ومررت ما تريد تمريره من معلومات وتفاصيل حول الشخصيات وخلفياتها، وكيف لا يحقق المسلسل المركز الأول وكاتبه يملك كافة التفاصيل عن عالم الشهرة والعروض.


يبدأ المسلسل بالآيدول الشهيرة آي هوشينو، آيدول تعني النجمة ما دون الـ18 عاماً، وهو أقل المصطلحات إثارة للجدل في العرض. هي ليست مغنية وليست ممثلة، قد تكون مؤدية عروض ترفيهية بمعنى ما. وبعد انتهاء العرض، تختلط مع الجمهور، تبيع لهم منتجات للشركات الراعية الحفل، ويلتقطون الصور مع الأوتاكو (مدمنو الأنمي وألعاب الفيديو).
يظهر الطبيب غورو وهو يشاهد أحد عروض آي هوشينو وفرقتها على التلفاز. يُغرد على تويتر عبر هاتفه بشكل جنوني لدعم الفرقة. يتضح لنا أنه طبيب مقيم في مشفى بعيد في الريف الياباني، وتعرف إلى آي هوشينو من خلال مريضة تدعى سارينا تيندوجي، توفيت في عمر صغير وكانت عاجزة عن الحركة ومهووسة بآي.
تصل الآيدول آي هوشينو إلى ذات المشفى وهي حامل بتوأم. يشرف الطبيب غورو عليها. يقع في اضطراب أخلاقي ما بين شرف مهنته كطبيب، وبين إعجابه وهوسه بالفتاة. قبل الولادة بساعات، يتعرض الطبيب للقتل على يد متربص يلاحق آي هوشينو، ويحاول معرفة تفاصيلها الشخصية.
للحفاظ على انتباه المشاهد بعد انتقال الحدث من المسرح إلى المشفى، تأتي الصدمة/الحبكة الأولى على عجل، تنتقل روح الطبيب إلى ابن آي هوشينو، وإلى الابنة تنتقل روح المريضة سارينا تيندوجي. تناسخ الأرواح الذي حدث كان نافراً في النص، ولن تطول المدة حتى نعتاد عليه، لكنه يبقي انطباعاً سلبياً حول اهتمام الكاتب بسرد تفاصيل هذه الصناعة ومتطلباتها ومدى معرفته بتفاصيلها وكواليسها على حساب حكائية المسلسل. في المقلب الآخر، هناك أطفال بوعي وذاكرة أشخاص ناضجين لأم بعمر الـ16 وهي آيدول.
تنتقل القصة لاحقاً لمتابعة حياة آي هوشينو المراهقة وتعقيداتها. تأتي الوكالة أولاً، التي تتكفل بأعمالها وتتقاسم الربح معها وتحافظ على صورتها كآيدول تبتسم ببراءة، عذراء بالتأكيد، وساذجة بعض الشيء وباردة المشاعر، وتستطيع الكذب بأفضل طريقة ممكنة، والأهم كيفية الحفاظ على المسافة من الجمهور الذي تحتاجه للنجاح.
يدخل العرض ضمن جانرا Slice of life، إذ نخوض مع أسرة مكونة من طفلين؛ الأب غير معروف لأحد والتفاصيل اليومية كوميدية ومعقدة، ما بين حياة الأم العزباء والعمل، وضرورة الحفاظ على سرية الأسرة كي لا يكتشف الجمهور
العذرية واللطافة التي سرقت من آي هوشينو وينتهي مشروعها.

تحدث ذروة المسلسل حين تتعرض آي هوشينو للطعن على يد المتربص الذي قتل الطبيب في السابق، بحجة أنها كذبت على معجبيها بخصوص أسرتها. يرى ابنها أكوامارين جثة الأم ولم يستطع فعل شيء لإنقاذها، تنتهي الحلقة الأولى بتبني طفلي آي من قبل زوجة مدير الوكالة، ويختفي خبر موت آي هوشينو من مواقع التواصل الاجتماعي بعد ثلاثة أيام فقط بسبب الخوارزميات المتحكمة.

تتفرع خطوط الشخصيات بعد تلك الذروة، وتبدأ الابنة روبي طريقها داخل عالم الترفيه، وتعمل على حضورها وضحكتها وردود أفعالها كي تناسب هذا العالم، وينطلق أكوامارين في كواليس هذه الصناعة متنقلاً بين وظيفة وأخرى، كالمونتاج والكتابة والتمثيل في بعض أدوار برامج العروض الواقعية، ويحضر في الخفاء لرحلة بحث وانتقام من أبيه، الذي سرب مكان إقامة آي هوشينو للقاتل.
حتى صدور الحلقة السادسة أخيراً، افتقرت القصة إلى اتجاه واضح، بإيقاع متذبذب، النص لا يتسع لكل هذه المعلومات عن هذا العالم. في بعض الأحيان، تظهر شخصيات وتختفي لتقديم معلومة لا أكثر. من الناحية الفنية، حافظ المسلسل على جودته العالية كلقطات Hyper close-up المستخدمة بعناية مع خلفية موسيقية مناسبة، وفريمات ضيقة للعيون عند الموت، تلك العيون الملونة نفسها خلال العروض الفنية، من المبكر الحكم على المسلسل وتشريحه بإنصاف، لكن من المؤكد أنه لن يمر مرور الكرام.

 

اقرأ أيضا:



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد