حين تنحرف الحقائق عن أوزانها
نَحْنُ فِي زَمَنٍ انْحَرَفَتْ فِيهِ حَقَائِقُ الْأَشْيَاءِ ، حَتَّى الْكَلِمَاتُ أَصْبَحَتْ بِلَا مَعْنًى ، وَ لَمْ تَعُدْ الْقَوَامِيسُ تَسَعُ مَعَانِيَ الْكَلِمَاتِ لِأَنَّ الْقَوْمَ حَرَّفُوا مَدْلُولَ الْكَلِمَاتِ ، وَ بَاتَتْ الْكَلِمَاتُ جَوْفَاءَ بِلَا رُوحٍ ، بَلْ أَصْبَحَتْ مَعَانِيهَا مَهْضُومَةً ، حِينَ يُصْبِحُ الْحَيَاءُ جُبْنًا ، وَ بَاتَتْ الشَّجَاعَةُ تَهَوُّرًا ، وَ الزُّهْدُ دَرُوَشَةً ، وَأَصْبَحَتْ الْخَدِيعَةُ وَالْمَكْرُ ذَكَاءً وَشَطَارَةً ، وَأَصْبَحَ التَّوَسُّطُ وَ الِاعْتِدَالُ انْحِلَالًا وَ مُيُوعَةً ، حَقًّا أَصْبَحْنَا نَعِيشُ عَالَمًا مَقْلُوبًا ، كُلُّ الْحَقَائِقِ فِيهِ مُزَوَّرَةٌ ، فَمِنْ السَّهْلِ أَنْ نَعِيشَ الْخِدَاعَ وَ النِّفَاقَ ، لِتَكُونَ بَيْنَ الْقَوْمِ سَوَاءً ، إِنَّ عَالَمًا بِمِثْلِ هَذِهِ الصُّوَرِ عَالَمٌ غَرِيبٌ ، لَا يَسْتَقِيمُ حَالُهُ ، وَ يَسْتَوِي أَمْرُهُ .
إِنَّ وَاقِعًا تَرْسُمُهُ الدِّعَايَةُ الْكَاذِبَةُ وَيَرْسُمُهُ الْإِشْهَارُ وَ فُنُونُ الْإِخْرَاجِ الْمُرَكَّبِ ، عَالَمٌ تَبْنِيهِ الْفَبْرَكَةُ وَ تَرْكِيبُ الصُّوَرِ ، عَالَمُ النَّجَاحُ فِيهِ سَهْلٌ يُبْنَى بِعَمَلِيَّاتِ النَّسْخِ وَ اللَّصْقِ ، عَالَمٌ يَبْرَعُ فِيهِ النَّكِرَةُ فَيُصْبِحُ مَعْلُومًا ، وَيُضْحَى الْمَعْلُومُ مَجْهُولًا ، فِي عَالَمٍ يُصْبِحُ فِيهِ الْمُعْرَبُ مُبَينًا ، وَ الصَّحِيحُ مُعْتَلًّا ، وَ الْمِثَالُ خَوْفًا ، وَ يُصْبِحُ الْمُتَصَرِّفُ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّرْفِ ، فِي عَالَمٍ يَعْجِزُ بْنُ مَالِكٍ وَسِيبَوِيْهِ وَالْخَلِيلُ حَلَّ عُقْدَةِ مَعَانِي اللُّغَةِ الْمُزَوَّرَةِ ، عَالَمُ اللُّغَةِ بَاتَتْ يَشْغَلُهَا الْغُرَبَاءُ وَ الدُّخَلَاءُ ، وَ كَذَا الْحَالُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ ، عَالَمٌ يَصْدُقُ فِيهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ .
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( سَتَكُونُ ، أَوْ قَالَ : سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ ، أَوْ قَالَ : قَبْلَ السَّاعَةِ ، أَوْ إنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ . . سَنَوَاتٍ خِدَاعَاتٍ ، يُصْدُقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيَكْذِبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيَخُونُ فِيهَا الْأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ " . . قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : " الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ ) . وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ أَحْمَدَ " الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ " . وَفِي رِوَايَةٍ : " الرَّجُلُ السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ " .وَ مِنْ صُوَرِ التَّلَاعُبِ بِالْعُقُولِ الِاحْتِيَالُ فِي وَصْفِ النُّعُوتِ بِحَقَائِقَ لَا تَتَطَابَقُ مَعَ حَقَائِقَ هُمَا الْوَاقِعِيَّةُ فِي تَطْبِيلٍ مُسْتَغْرَبٍ مِثْلُهُ مِثْلُ الْمَدْحِ الْكَاذِبِ ، فَمَدْحُ النَّاسِ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ نَقِيصَةٌ ، وَ بَلْ يُعَدُّ ضَعْفًا فِي شَخْصِيَّةِ الْمُدَّاحِ ، فَالْمَدْحُ الصَّادِقُ يَتَّجِهُ صَوْبَ تَحْبِيبِ وَ الْخِصَالِ الطَّيِّبَةِ فِي النُّفُوسِ قَصْدَ تَحْصِيلِ الِاقْتِدَاءِ وَالتَّأَسِّي ؛ لِهَذَا يُوَجِّهُ الْإِسْلَامُ أَتْبَاعَهُ التَّحَلِّيَ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ ، بَلْ هِيَ مِيزَانُ الْمُنَافَسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بَيْنَ النَّاسِ ، لِتَكُنْ أَخْلَاقُنَا عِبَادَةً لِلَّهِ تَعَالَى نُؤْجَرُ عَلَيْهَا ، وَمَجَالَ التَّنَافُسِ بَيْنَ الْعِبَادِ ، فَقَدْ خَصَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَاسَ الْخَيْرِيَّةِ وَالتَّفَاضُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَقَالَ :
"إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبُكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَجْلِسًا أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ أَسْوَؤُكُمْ أَخْلَاقًا ؛ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ "
لِهَذَا كَانَ ثَنَاءُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ لِسَيِّدِنَا بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمِيزَانَ الْحَقِيقِيَّ فِي الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ : { أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا ، وَأَعْتَقُ سَيِّدَنَا ، يَعْنِي بِلَالًا } . اُنْظُرُوا رَوْعَةَ الْمَدْحِ ، فَمِنْ مِثْلِ تَحْرِيرِ الرِّقَابِ مِنْ أَسْرِ الْعُبُودِيَّةِ فِي الْأَجْرِ وَ الْمَنْزِلَةِ .
وَهَذَا رَسُولُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يُبَيِّنُ حُدُودَ الْأَمْرِ ، بَيَانًا شَافِيًا كَافِيًا ، بَيَانًا لَيْسَ بَعْدَهُ حُجَّةٌ فِي التَّوْضِيحِ .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَاجَعَهُ فِي بَعْضِ الْكَلَامِ فَقَالَ : مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَجْعَلْتَنِي مَعَ اللَّهِ عَدْلًا ( وَفِي لَفْظٍ : نِدًّا ) لَا ، بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( أَنَّ نَاسًا قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا خَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا ، وَسَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا بِقَوْلِكُمْ وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ ، أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَا تَطْرُونِي ( لَا تَتَجَاوَزُوا فِي مَدْحِي ) كَمَا أَطَرَّتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ، إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
لَيْتَ الْحَقَائِقِ تَسْتَقِرُّ مَعَانِيهَا ، فَيَصْدُقُ الْوَصْفُ ، وَ تَصْدُقُ الْعَوَاطِفُ ، وَ يَحْتَلُّ الْعَدْلُ وَ الْإِنْصَافُ مَوَازِينَ التَّعَامُلِ ، فَنُصِفُ الْوَاقِعِ بِأَلْوَانِهِ الْحَقِيقِيِّ ، فَلَا تُغَالِي وَ لَا نَبْخَسُ ، نَقُولُ الصِّدْقَ ، فَحَبْلُ الْكَذِبِ مَقْطُوعٌ ، وَ لَا تَسْتَقِرُّ الْأُمُورُ وَالْأَوْضَاعُ إِلَّا بِالطُّهْرِ وَالنَّقَاءِ .
وَ فِي خِتَامِ مَقَالِي أَسَرَتْنِي كَلِمَاتٌ فِي غَايَةِ الرَّوْعَةِ وَجَدْتُهَا تَتَنَاغَمُ مَعَ رُوحِ الْمَقَالِ ، فَأَحْبَبْتُ نَقْلَهَا لِقُرَّائِي الْأَعِزَّاءِ قَالَ الْأَدِيبُ وَ الْمُفَكِّرُ الْأُسْتَاذُ سَيِّدُ قُطْبٍ فِي كِتَابِهِ أَفْرَاحُ الرُّوحِ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الْمُشِعَّةُ وَالذَّوْقِيَّاتُ الرَّاقِيَةُ .
يَقُولُ :
( عِنْدَمَا تَنْمُو فِي نُفُوسِنَا بُذُورُ الْحُبِّ وَالْعَطْفِ وَالْخَيْرِ نُعْفِي أَنْفُسَنَا مِنْ أَعْبَاءٍ وَمَشَقَّاتٍ كَثِيرَةٍ . إِنَّنَا لَنْ نَكُونَ فِي حَاجَةٍ إِلَى أَنْ تَتَمَلَّقَ الْآخَرِينَ لِأَنَّنَا سَنَكُونُ يَوْمَئِذٍ صَادِقِينَ مُخْلِصِينَ إِذْ نُزْجِي إِلَيْهِمْ الثَّنَاءَ . إِنَّنَا سَنَكْشِفُ فِي نُفُوسِهِمْ عَنْ كُنُوزٍ مِنْ الْخَيْرِ وَسَنَجِدُ لَهُمْ مَزَايَا طَيِّبَةً نُثْنِي عَلَيْهَا حِينَ نُثْنِي وَنَحْنُ صَادِقُونَ ، وَلَنْ يَعْدَمَ إِنْسَانٌ نَاحِيَةً خَيِّرَةً أَوْ مَزِيَّةً حَسَنَةً تُؤَهِّلُهُ لِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ . . وَلَكِنَّنَا لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهَا وَلَا نَرَاهَا إِلَّا حِينَ تَنْمُو فِي نُفُوسِنَا بَذْرَةُ الْحُبِّ " . جَمِيلٌ أَنْ تَقُولَ لِأَخِيكَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَخْطَاءٌ : " أُحِبُّ فِيكَ تَبَسُّمَكَ " ، " تَرْتَفِعُ مَعْنَوِيَّاتِي حِينَ أَرَاكِ " ، " يُعْجِبُنِي فِيكَ إِرْهَافُ حِسِّكَ ، تَوَاضُعُكَ ، اسْتِغْلَالُكَ لِوَقْتِكَ . . . وَهَكَذَا )
نَسْأَلُ اللَّهُ وَرَاءَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ النَّفْعَ وَ الْإِفَادَةَ وَ التَّوَّابَ .
الأردني أبزاخ يفوز بالضربة القاضية في الفنون القتالية
الحرائق تلتهم غابات اللاذقية والألغام تعرقل الإطفاء
هل ستقبض فرنسا على بشار الأسد .. تفاصيل القرار
البرلمان العربي: العالم اليوم يواجه مرحلة خطيرة
فرق تفتيش على مركز تحفيظ القرآن بالكورة
تواصل فعاليات مهرجان صيف الأردن
تطور لافت بالصفقة .. مهم من مسؤولي حماس
ترامب يستعد للتوقيع على مشروع قانون ضخم
الأسهم الأوروبية تغلق على تراجع
الملك ينعم على الرائد تامر المعايطة بوسام الاستحقاق العسكري
توجه للإعلان عن صفقة غزة خلال لقاء نتنياهو وترامب الاثنين
منتخب كرة السلة للشباب يخسر أمام مالي
مدعوون للامتحان التنافسي في مؤسسات حكومية .. أسماء
مهم للأردنيين الراغبين بالسفر براً عبر السعودية
مطالبون بتسديد أموال مترتبة عليهم لخزينة الدولة .. أسماء
مرشحون للتقدم للإختبار التنافسي لإشغال وظيفة معلم
تعيين أول سيدة برتبة متصرف في الداخلية .. من هي
حبس وغرامة تصل لـ 500 دينار لمرتكب هذه المخالفة
محاميان: منع الطلبة من الامتحانات تجاوز أكاديمي خطير
توجه حكومي لخفض جمارك السيارات المستوردة
الحكومة ترفع أسعار المحروقات بنوعيه البنزين والديزل .. تفاصيل
انخفاض جديد على أسعار الذهب محلياً السبت
استئناف النقل البري بين أوروبا والأردن بعد انقطاع دام 14 عامًا
انسحاب منتخب الأردن يثير غضب الإعلام العبري .. تفاصيل
المفرق: بوابة الأردن الشرقية ومطار المستقبل