غرائبية الأشخاص والحكاية
السؤال ليس جديدا بالطبع، وأعني سؤال الغرابة والغرائبية، وكتابة الشخصيات غير السوية، أو التي فيها زوائد غير موجودة في الحياة العادية، ليس بدعة جديدة، لكن هو أولا أسلوب لدى بعض الكتاب، أعتقد أنهم ولدوا به، بمعنى أن الكتابة عندهم لا تحدث النشوة الكاملة لديهم، إلا بجعلها كتابة موازية للواقع، وليس كتابة واقعية صرفة، وفي أثناء قراءتك لرواية من روايات هؤلاء، تجد شيئا غير عادي حدث في منتصف الحكاية، مثلا، أحدهم يتمشى مع حبيبته في شارع هادئ، وفجأة يكتشف الحبيب أنه يمسك بيد نعجة، يفلتها ويحاول الهرب، وتلحق به وتسأله عن السبب في هروبه، وتكون هي الحبيبة نفسها التي رآها نعجة.
مثل هذه الكتابة لا يضع لها الكاتب تفسيرا، وإنما يتركها هكذا في سياق الحكاية الواقعية، ويعرف أنها ستحدث صدمة للقارئ، ما يلبث أن يفوق منها ليتابع الحكاية في مستواها الواقعي، أيضا حين تجد امرأة ريفية بعد هطول المطر، ملاكا يرتجف في فناء بيتها، كما في إحدى قصص ماركيز، فالقارئ سيندهش طبعا من هذه الواقعة، لكنه يتابعها كما يتابع قصة عادية، وتفقد إدهاشها بعد عدة سطور. وفي رواية مثل «بدرو برامو» لخوان رولفو، إحدى أوائل الكتابات في الواقعية السحرية، تجد الموتى يعيشون بطريقة عادية، ويتحركون في الفضاءات، من دون أن يترك لك الكاتب تفسيرا لشيء، هو يتركك متعثرا داخل حكايته، فإما أن تحبها وإما أن تعتبرها مجرد تخاريف. أيضا حين تقرأ لكاتب مثل نيل جايمان، فلا تتوقع أنك ستنجو بقصة عادية تدور أحداثها في البيوت العادية، والشوارع العادية، ويحركها البشر العاديون، هناك شيء خارق دائما، ربما تجده في بداية الحكاية، أو وسطها، أو تنتهي به الحكاية. وبالطبع قراءة مثل هذه التجارب تحتاج إلى قارئ يحبها، لا قارئا يبحث عن ملامح شارع عادي مليء بالبشر والصخب والحياة المتوازنة، أو شخوص يأكلون ويشربون ويثرثرون في أحوال الطقس، والوضع الاقتصادي، وهيمنة الديكتاتوريات، وأطفال يولدون ويكبرون ويشيخون من دون بهار مختلف يرش على طبخات حياتهم. وفي تجربتي الطويلة في كتابة الواقعية الغرائبية، لا أجد نفسي غريبا، ولا أعرف كيف أكتب واقعا صرفا صراحة، إنما هي طريقة ولدت بها، أن أتذوق العالم بطريقة موازية، وبالتالي الكتابة بطريقة موازية. لكن صراحة، الشخصيات الغريبة في كثير من الأحيان، ليست اختراعا صرفا من اختراعات الكاتب، إنما هي موجودة وسط المجتمع، وربما تعود الناس عليها جعلها عادية، وتتبع السياق العادي للحياة، ولا ينتبه لها إلا أشخاص قليلون، ومنهم بالطبع كتاب الرواية والشعراء، لأن هؤلاء لديهم إحساس مختلف، وينتبهون لكل التفاصيل التي تصادفهم.
وخلال عملي الطبي، صادفت هذه الشخصيات الغريبة بالفعل، واستوحيت بعضها في الكتابة، وأذكر هنا شخصية مراد الآسيوي، الذي كان عجوزا ربما في الثمانين، ويعمل صبيا، يقدم القهوة في أحد المجالس العربية، ولا يبدو غريبا أبدا لرواد ذلك المجلس، ولا لزملائه العاملين معه، والمقيمين معه في السكن، على الرغم من أنه يعمل وبيده مسجل كاسيت مكسور وبلا بطاريات، وعلى كتفه حقيبة من الجلد البني المقشر، كانت فارغة، ويضع على رأسه طاقية من الخرز الملون نسجها وحده، أيضا غالبا يرتدي فردة حذاء واحدة، مرة في الرجل اليمين، ومرة في الرجل اليسار، أنا التقطت تلك الغرابة الكبيرة، منذ المرة الأولى التي شاهدت فيها الرجل، وسألت أحد العاملين معه، فقال لي ببساطة، إن الرجل طبيعي جدا في أكله وشربه وجلوسه مع الناس، وهذا» استايل» خاص به.
أنا لن أعتبر ذلك مجرد» استايل»، ولكن يدعم كلامي في وجود الشخصيات الغريبة داخل المجتمع، من دون أن يفكر الناس في غرابتها. شخصية الرجل الذي يحمل كيسا مليئا بالحجارة على كتفه، التي تساءل عنها القارئ، لم أخترعها، وهو رجل صادفته حين كنت أعمل في السودان، رجل عادي، عامل في إحدى الشركات، وكان عضه كلب مرة، وعانى من مضاعفات العضة، والحقن تحت الجلد أيام المصل القديم، الذي كان أكثر من عشرين حقنة، فعبأ كيسا بالحجارة، وأصبح يحمله متنقلا به هكذا، هذا الرجل متزوج ولديه أبناء، وأهل يعيشون معه بعادية مطلقة، من دون إحساس بغرابته.
هناك شخصيات قد لا نعرفها كثيرا في مجتمعاتنا، على الرغم من أنني عرفت واحدا من قبل، وهي شخصيات القتلة المتسلسلين، أي الذين ينفذون عددا من جرائم القتل بنمط معين، مثل الذي يقتل النساء الشقراوات فقط، والذي يقتل العميان فقط، هؤلاء قد تكون لديهم عقد أو مبررات ما، لكن بعيدا عن نشاطهم الإجرامي هذا، ستجدهم عاديين جدا وسط مجتمع لا ينتبه لعيوب فيهم على الإطلاق، ولكن حين يكتبون في الروايات، سيبحث القارئ عن مبرر لسلوكهم، وهذا قد يمنحه الكاتب أو لا يمنحه.
في النهاية، كتابة الغرائبية، مشروعة، والذي لا يتذوقها غير مجبر على متابعتها طبعا، إنما قراءة غيرها وسط أساليب أخرى عديدة.
كاتب سوداني
التربية تعلن عن بدء تسجيل طلاب الصف الأول .. رابط
مجلس محافظة جرش يؤكد أهمية تعزيز الواقع التعليمي
تطورات جديدة في قضية تسمم الميثانول .. تفاصيل
مايا دياب تتألق في مرسين .. فيديو
إدارية الأعيان تزور مركز الخدمات الحكومية في المقابلين
العراق يفقد نحو 4000 ميغاواط جراء انخفاض كميات الغاز الإيراني المورد
تدريب مهني الطفيلة ينفذ دورة متخصصة لتمكين الشباب
القوات المسلحة تحتفل بذكرى الهجرة النبوية ورأس السنة الهجرية
بورصة عمان تغلق تداولاتها على انخفاض
وثيقة نادرة حول مقررات المؤتمر الاقتصادي الأردني الأول عام 1933
اليابان تسجل أعلى درجات حرارة في يونيو منذ 1898
إعلام عبري يطالب بوقف تصدير الغاز إلى مصر
تحذير .. هذه المشروبات ملوثة بالميثانول .. أسماء
مقطع مضحك من مسلسل أردني يُثير التفاعل .. فيديو
فضيحة طبية تهز جرش .. فيديو وصور
ضبط سائق شاحنة تسبب بتلف 15 كم من الطريق الصحراوي
مدعوون للامتحان التنافسي في مؤسسات حكومية .. أسماء
حرارة تلامس 50 مئوية بسبب قبة حرارية لاهبة .. تفاصيل
وظائف ومدعوون لإجراء المقابلات .. أسماء وتفاصيل
توجه حكومي لخفض جمارك السيارات المستوردة
انخفاض جديد على أسعار الذهب محلياً السبت
بلدية إربد تدعو لتسديد المسقفات قبل نهاية الشهر الحالي
استئناف النقل البري بين أوروبا والأردن بعد انقطاع دام 14 عامًا
أستاذ مخضرم ينتقد امتحان الرياضيات: لم يراعِ الفروق الفردية .. فيديو
محاميان: منع الطلبة من الامتحانات تجاوز أكاديمي خطير
أسعار الذهب ترتفع محلياً الأربعاء