حظر الإخوان .. حين قال الوطن كلمته

mainThumb

23-04-2025 11:38 PM

اليوم، قررت الدولة الأردنية أن تقطع حبل الصمت، وتكتب بمداد السيادة سطرًا لا يحتمل التأويل: هنا ينتهي زمن المواربة، ويبدأ زمن الوضوح. كان قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن صاعقًا للبعض، متوقعًا لآخرين، لكنه في المحصلة جاء كتتويج لمسار طويل من المراجعة، والمكاشفة، والانكشاف. لم يكن قرارًا إداريًا يُمرر عبر روتين البيروقراطية، بل لحظة سيادية ذات حمولة رمزية عميقة، تهز وجدان الوطن وتخاطب ضميره الجمعي.
منذ عقود، وجدت الجماعة طريقها إلى تفاصيل الحياة العامة، ليست من باب السياسة فقط، بل من بوابات العمل الخيري والدعوي والتعليم. لبست قناع الصلاح، وتحدثت بلسان الإصلاح، لكنها كانت في العمق تبني منظومة موازية، لا تعترف بشرعية الدولة، ولا تهادن في ولائها العابر للحدود. كانت تلك المهادنة الطويلة من الدولة مع الجماعة قائمة على أمل قديم: أن يغلب صوت العقل على صدى الأجندات، وأن تحتكم الحركة إلى قواعد العمل الوطني لا شعارات التنظيم الدولي. لكن الأمل، مهما كان نبيلاً، لا يمكنه أن يظل قائمًا عندما تصبح الشواهد ضدّه دامغة.
كان المشهد يتكشف ببطء، كما لو أن الدولة منحت كل الفرص الممكنة، حتى تلك التي لا تمنح. لكن الوقائع الأخيرة بدّدت ما تبقى من رصيد الصبر. لم تعد الشكوك محض افتراضات، بل تقاطعت الأدلة لتكشف عن مخططات تتجاوز إطار النشاط السياسي إلى مساحات العمل التخريبي: تصنيع متفجرات، استهداف مباشر لمؤسسات أمنية، تهريب وثائق حساسة، والتنسيق مع جهات خارجية. لم تعد الحكاية قصة جماعة سياسية اختلفت مع الدولة على أولويات الإصلاح، بل خلايا تسللت لتزرع في قلب البلد قنابل موقوتة.
وحين خرج وزير الداخلية، مازن الفراية، ليتلو بيان الحظر، لم يكن مجرد مسؤول يؤدي وظيفة إعلامية، بل بدا كأنه يحمل رسالة باسم الدولة كلها: لا مكان بعد اليوم لتنظيمات السر، ولا مكان لمن يتخذ من الدين وسيلة لاختراق الدولة. لم تكن الكلمات حادة فقط، بل صادقة حتى النخاع. فالدولة، التي طالما اتُّهمت بالتساهل، كانت قد وصلت إلى الحافة التي لا يمكن معها التراجع دون سقوط.
لكن الحكاية لا تنتهي عند حدود المؤسسات ولا قرارات الحظر. في عمق المشهد، هناك جرح مجتمعي لا يندمل بسهولة. عشرات الآلاف من الأردنيين، وربما أكثر، انخرطوا في مشروع الجماعة، بعضهم ببراءة، وآخرون بقناعة، وكثيرون بدافع الحاجة. ظنوا أنهم يسيرون في طريق الله، فإذا بهم يُدفعون في مسارات التنظيم، يُعاد تشكيل وعيهم، ويُلقنون أن الولاء للجماعة مقدم على كل ولاء. وحين انكشف المستور، كان الألم مضاعفًا: ليس فقط لأنهم خُدعوا، بل لأنهم أُجبروا على خيانة وطنهم دون أن يشعروا.
وهنا، لا تنتهي مهمة الدولة عند حدود الحظر، بل تبدأ مهمة أعمق: ترميم الثقة، وإعادة بناء الوعي، وتطهير الفضاء العام من الفكر المراوغ. وحين قررت الدولة تحويل مقار الجماعة إلى مراكز للشرطة والدفاع المدني، لم يكن ذلك فعلاً إجرائيًا فقط، بل بيانًا صامتًا يصرخ بالمعنى: من بين هذه الجدران التي كانت تؤوي الفكر المغلق، سيخرج الآن النور الذي يخدم الناس، ويحرس الوطن.
ما حدث لم يكن فقط نهاية جماعة، بل نهاية مرحلة من الصمت والارتباك. إنه إعلان انتصار لوطن اختار أن ينهض، أن ينفض عن كاهله غبار الخداع، ويعيد رسم ملامحه من جديد، بوطنية صلبة، وعينين مفتوحتين على المستقبل. إنه انتصار لكل أردني آمن بأن القانون فوق الجميع، وأن الدولة ليست مساحة للتجريب، بل كيان سيادي لا يُساوم عليه.
وفي النهاية، حين يرتفع صوت الوطن، لا يبقى لصدى الشعارات المضللة أثر. تتساقط الأقنعة، ويظهر وجه الحقيقة. وهكذا، سيذكر الأردنيون أن في لحظة فارقة، اختار وطنهم أن يكون صادقًا مع نفسه، حاسمًا في قراره، وأبًا لا يفرّط في أبنائه مهما جار بهم الطريق. قالها الأردن، وسُمع صوته بوضوح: هنا وطن لا يُخترق.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد