الأردن يعزز نزاهته المالية

mainThumb

28-05-2025 12:08 AM

يشهد الأردن تحولًا إيجابيًا ملموسًا في ملف مكافحة غسل الأموال، مدفوعًا بإصلاحات مؤسسية وتشريعية عززت من قدرته على التصدي للجرائم المالية، ورفعت من تصنيفه على مؤشرات المخاطر الدولية، هذا التقدم لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج جهد وطني منسق بين مختلف مؤسسات الدولة، نابع من التزام راسخ بأهمية الشفافية وحماية الاقتصاد الوطني.

أحد أبرز شواهد هذا التقدم يتمثل في خروج الأردن من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) في عام 2024، بعد تنفيذ سلسلة من الإجراءات النوعية، شملت تعزيز الإشراف القائم على المخاطر، وتطوير التعاون المؤسسي، ورفع فعالية العقوبات على المؤسسات المخالفة، ويُعد هذا الإنجاز محطة فارقة في مسار الأردن نحو ترسيخ بيئة مالية أكثر انضباطًا وامتثالًا للمعايير الدولية.

كما أحرز الأردن تقدمًا ملحوظًا في مؤشر بازل لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث واصل تسجيل نتائج إيجابية على مدى خمس سنوات متتالية، ففي عام 2020 بلغ المؤشر 5.96 (الترتيب 35)، وتراجع تدريجيًا إلى 5.60 في 2021 (الترتيب 41)، ثم إلى 5.07 في 2022 (الترتيب 67)، و4.90 في 2023 (الترتيب 89)، وصولًا إلى 4.81 في عام 2024 (الترتيب 100 من أصل 152 دولة)، هذا الانخفاض المستمر في النقاط، إلى جانب تحسن الترتيب، يعكس انخفاضًا في مستوى المخاطر وتحسنًا واضحًا في البيئة الرقابية والتشريعية.

وبهذا الأداء في عام 2024، فقد تفوّق الأردن على عدد من الدول العربية من حيث انخفاض المخاطر، مثل الجزائر (6.92)، والكويت (6.27)، والإمارات (6.18)، ولبنان (5.81)، ومصر (5.08)، مما يضعه في نطاق الدول ذات المخاطر المتوسطة، ويؤكد تقدمه الملحوظ رغم التحديات.

مع ذلك، يبقى غسل الأموال القائم على التجارة (Trade-Based Money Laundering – TBML) من التحديات المتقدمة التي تتطلب استجابة أكثر تعقيدًا، نظرًا لاعتماد هذا النوع على التلاعب في الفواتير وكميات وقيم البضائع، إلى جانب استخدام شركات وهمية أو وسطاء من دول ذات رقابة ضعيفة لإخفاء مصادر الأموال غير المشروعة.

ونظرًا لموقع الأردن الجغرافي الاستراتيجي ووجود مناطق تجارة حرة نشطة، فإن احتمالية استغلال التجارة الدولية كوسيلة لتمرير الأموال غير المشروعة تبقى قائمة. لذلك، توصي مجموعة العمل المالي ومجموعة إمجموعة إيجمونت لوحدات الاستخبارات المالية (FIUs) بضرورة تطوير أنظمة دقيقة لرصد الأنماط غير الاعتيادية في التجارة، من خلال الربط المؤسسي بين الجهات الجمركية، والمصرفية، والضريبية.

وتشدد التوصيات الدولية على أهمية إنشاء نظام وطني متكامل لتحليل المخاطر التجارية، يستند إلى أدوات التكنولوجيا وتحليل البيانات الضخمة، ويركز على التدريب المستمر للكوادر المختصة، من أجل رفع الجاهزية وتعزيز فعالية الاستجابة.

إن تحسّن مؤشرات الأردن لا يعكس فقط التزامه بمعايير الشفافية الدولية، بل يسهم أيضًا في رفع جاذبيته الاستثمارية، ويعزز من سمعته كدولة تسير بثبات نحو الحوكمة الرشيدة في بيئة إقليمية تتفاوت فيها معايير الالتزام.

خلاصة القول، إن الأردن بدأ يحقق تغييرًا حقيقيًا في تعزيز نزاهته المالية، ويؤسس لمرحلة جديدة من بناء اقتصاد أكثر شفافية وأمنا، ما يتطلب الاستمرار في جهود التطوير والتكامل بين المؤسسات، لمواجهة التحديات المالية المعقدة بثقة وكفاءة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد