الأردن يحقق تراجعًا ملحوظًا في عمالة الأطفال

mainThumb

12-06-2025 07:30 PM

عمان - السوسنة     

في مشهد يعكس تحسنًا ملموسًا في أوضاع الطفولة، سجّل الأردن تراجعًا ملحوظًا في ظاهرة عمالة الأطفال، تزامنًا مع تعزيز حملات التفتيش وتغليظ العقوبات على المخالفين، ووسط جهود حكومية مستمرة في سن التشريعات وتطبيق الإجراءات الرادعة.

وفي اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، الذي يصادف 12 حزيران، ويُحتفل به هذا العام تحت شعار "طفل يتعلم .. أردن يتقدم"، رصدت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) واقع عمل الأطفال في المناطق الصناعية، خصوصًا في ماركا والزرقاء والبيادر، حيث لوحظ تراجع لافت في أعدادهم، بحسب شهادات ميدانية من الحرفيين والمسؤولين.

قصص من الميدان

في المنطقة الصناعية بماركا، أوضح المهندس محمد المومني، الذي يدير ورشة لصيانة المركبات، أن جميع العاملين دون السن القانونية هم طلاب في المدارس الصناعية، يخضعون لتدريب رسمي تحت إشراف وزارة التربية، مؤكدًا أنهم غير مصنفين كـ"أطفال عاملين".

وأضاف أن تراجع الظاهرة يعود إلى الرقابة المشددة والعقوبات الصارمة بحق المخالفين، إلى جانب ارتفاع الوعي بخطورة تشغيل الأطفال. وقال: "لم يعد لأصحاب العمل مصلحة في تشغيل الأطفال، فالقانون صارم والمخاطر كبيرة".

أرقام رسمية: تراجع مستمر في المخالفات

وبحسب وزارة العمل، بلغ عدد حالات عمل الأطفال المكتشفة منذ عام 2021 وحتى أيار 2025 نحو 2505 حالات. وسُجل تراجع تدريجي من 1087 حالة في عام 2021 إلى 97 حالة فقط خلال أول خمسة أشهر من عام 2025.

كما حررت الوزارة خلال هذه الفترة 736 مخالفة بحق أرباب عمل لتشغيلهم أطفالًا، فيما وجهت 1051 إنذارًا، في دلالة واضحة على التحول من التهاون إلى الردع القانوني.

وخلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025، نفذت فرق التفتيش 2481 زيارة على منشآت مختلفة، تم خلالها اكتشاف 97 حالة عمالة أطفال، واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق أصحاب العمل المخالفين، شملت توجيه 16 إنذارًا و49 مخالفة.

بلاغات وشكاوى المواطنين

تلقت الوزارة أيضًا 40 شكوى رسمية و15 بلاغًا من المواطنين عن وجود أطفال عاملين، ما يعكس تنامي الوعي المجتمعي بخطورة الظاهرة وأهمية مكافحتها، فيما شملت حملات التفتيش الميدانية قطاعات اقتصادية حيوية يُحتمل تشغيل الأطفال فيها.

إطار قانوني صارم لحماية الطفولة

مفوضة الحماية في المركز الوطني لحقوق الإنسان، د. نهلا المومني، أوضحت أن الأردن يعتمد منظومة قانونية متكاملة للحد من عمالة الأطفال، انسجامًا مع اتفاقية حقوق الطفل والاتفاقية رقم 182 لعام 1999، التي تحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال.

وأشارت إلى أن الدستور الأردني يكرّس حماية الطفولة، فيما يشدد قانون حقوق الطفل لعام 2022 على حظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال، ويلزم جميع مقدمي الخدمات بالإبلاغ عن أي حالات استغلال.

كما ينص قانون التنمية الاجتماعية لعام 2024 على تقديم الحماية والرعاية للأطفال المتسولين، ويمنع قانون العمل تشغيل من هم دون 16 عامًا أو تشغيل من هم دون 18 عامًا في الأعمال الخطرة.

ولفتت إلى أن قانون مكافحة الإتجار بالبشر صنّف التسول المنظم ضمن جرائم الاتجار، بينما تحظر الأنظمة المعمول بها تشغيل الأطفال في الزراعة أو الحرف الخطرة.

توصيات لحماية أكبر

د. المومني أكدت أهمية الاستمرار في تطبيق "الإطار الوطني للحد من عمل الأطفال"، وتشديد الرقابة على أماكن العمل، وتجريم التسول المقنّع، وتعزيز الدعم الاجتماعي والاقتصادي للأسر، إلى جانب مكافحة التسرب المدرسي، الذي يُعدّ أحد أبرز أسباب انخراط الأطفال في سوق العمل.

الإعلام.. صوت الأطفال المهمّشين

بدورها، شددت مدربة التربية الإعلامية، رناد عيسى، على أهمية الدور الإعلامي في تسليط الضوء على عمالة الأطفال، مشيرة إلى أن معالجة هذه القضية في الإعلام يجب أن تكون عميقة وإنسانية، لا تكتفي بالمظاهر، بل تعالج الأسباب وتدفع نحو الحلول.

وأشادت عيسى بجهود الأردن في هذا المجال، مؤكدة أن الأرقام والبرامج والسياسات تُظهر التزامًا واضحًا في الحد من الظاهرة، لكنها دعت الصحفيين إلى نقل قصص الأطفال العاملين بحساسية واحترام، وبناء محتوى يدعم الحلول لا الإثارة.

خلاصة: جهود مستمرة وثمرة ملموسة

رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، يواصل الأردن إحراز تقدم في مكافحة عمالة الأطفال، مستندًا إلى إرادة سياسية واضحة، وتكامل تشريعي ومجتمعي، ما جعله نموذجًا إقليميًا في حماية حقوق الطفل، وتحقيق شعار "طفل يتعلم .. أردن يتقدم" .  



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد