مأساة سوبو .. ظلم مُركّب في أميركا

مأساة سوبو ..  ظلم مُركّب في أميركا

28-10-2025 11:56 PM

سوبو؛ رجلٌ هندي يبلغ من العمر 64 عاماً، أُدين بجريمة قتل عام 1983، وحكم عليه بالسجن المؤبّد لتظهر براءته، بعد أن قضى ما يقارب 43 عاماً في الحبس استثمرها في التعليم الأكاديمي، واعتُبر من المتميّزين في السجون الأميركية.
سوبو الذي وصل إلى أميركا قادماً من الهند رضيعاً، ضاعت حياته خلف القضبان ظلماً بسبب جريمة لم يقترفها، وبدل أن يعوض عمّا لحقه من ضرر بالغ، يعاقب بموجب أمر ترحيل صادر بحقه عام 1988، استند إلى إدانات جنائيّة أبطلتها المحاكم، وهو ما اعتبره أصدقاؤه وعائلته ظلماً مركباً ومضاعفاً، وما زال إلى اليوم ينتظر قرار ترحيله إلى الهند .
قصة سوبو لم تقع في بلد أفريقي أو من بلاد العالم الثالث، خاصّة ذات الأنظمة الديكتاتورية، وإنما في أميركا بلد الحرية والديمقراطية وحامي حقوق الإنسان والمدافع عن مصالح الفرد وحريته، والبلد الذي صان تلك الحقوق والحريّات بنصوص دستورية وقرارات قضائية راسخة .
نتفاجأ مما وصلت إليه اليوم مسطرة العدالة في الولايات المتحدة، وما اعتراها في التعامل مع كثير من الأفراد الذين ينتمون إلى قوميات مختلفة، فالإجراءات المتبعة اليوم في دوائر الهجرة الأميركية لم تعد مرنة ولا تصبّ في صالح المقيمين، بل أصبحت شبحاً يهدّد مستقبلهم، ويعكر صفو حياتهم اليومية .
وكثير من الحوادث التي لم تخلُ من القسوة، طاولت الأجانب المقيمين وظلمتهم بسبب مخالفة سير أو مخالفات بسيطة، وهناك قصص حية لطلبة ما زالوا على مقاعد الدراسة جرى إبعادهم إلى بلدانهم بسبب مخالفات بسيطة، وفقدوا حقهم في التعليم الجامعي بالولايات المتحدة .
وهناك حالات لأفراد أردنيين اُبعدوا من الولايات المتحدة، رغم حصولهم على الإقامة الدائمة «جرين كارد»، بسبب مخالفات قديمة عوقبوا عليها في وقتها، وجرى احتجازهم من المطارات الأميركية لدى سجون دوائر الهجرة الأميركية، ورُحِّلوا بعد شهر أو شهرين من حبسهم .
بلاد الحرية والأحلام أصبحت اليوم طاردة لكلّ الأحلام والأمنيات، رغم أنها أساساً بنيت من خليط من قوميات متعدّدة انصهرت تحت مظلة الدستور والقانون، فليس من المعقول اليوم أن تنقلب على عقيدتها السكانية، فكل مواطن سواء كان مسؤولاً أو رئيساً له جذور تعود إلى بلد ما على هذا الكوكب.
وما يميّز الولايات المتحدة عن غيرها من بلدان العالم تمتّعها بالتنوع السكاني الثري الذي منحها قوةً، وجعلها نموذجاً للتعايش العام، وما تقوم به اليوم من إجراءات حادّة يهدّد هذا المكون الاجتماعي، وقد لا نستبعد في المستقبل القريب أن تتنادى بعض الولايات إلى الانفصال وإعلان الاستقلال مثل تكساس وكاليفورنيا .
وختاماً، أستحضر هذه القصة من عام 2010، إذ قمنا بزيارة إلى مدرسة متخصّصة بتعليم فنون الصحافة فقط للطلبة «الملوَّنين» من الأفارقة والعرب واللاتينيين، وهو مصطلح أسمعه للمرّة الأولى في تلك الفترة، في مدينة سان فرانسيسكو، وكانت المفاجأة بالنسبة لي أنه رغم أننا في القرن الواحد والعشرين، إلّا أنه ما زال هناك في  أميركا بلاد الحرية وحقوق الإنسان مدارسُ تُشيَّد على أساس «اللون»!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد