الوحدة الوطنية والردع العسكري

mainThumb

18-08-2025 01:25 PM

لم تكن تهديدات بنيامين نتنياهو باحتلال الأردن وضمّه لمشروع “إسرائيل الكبرى” سوى حلقة جديدة من مسلسل الغطرسة الصهيونية التي لا تعترف بمعاهدة، ولا تحترم اتفاقية، ولا تلتزم بعهد. منذ عهد النبي ﷺ، والتاريخ يسجل لنا أن اليهود أهل غدر، ينقضون المواثيق بلا تردد، ولا يراعون في أحد إلاًّ ولا ذمة. اتفاقية وادي عربة التي وقعها الأردن مع إسرائيل قبل ثلاثة عقود لم تمنع هذا العدو من التآمر، ولم توقف أطماعه، بل تحولت في نظره إلى ورقة مؤقتة يتجاوزها حين يشاء.
تأتي هذه التهديدات في ظل واقع عربي بائس، ممزق بين مشاريع متناقضة، غائب عنه أي مشروع قومي أو إسلامي يجمع الصفوف. التاريخ وحده يذكرنا أن العرب لم يستعيدوا قوتهم ومكانتهم إلا تحت راية الإسلام، حين كان الدين هو المشروع الجامع والحضاري للأمة. اليوم، أمتنا في حالة ضياع وهوان، كالغنم الشاردة بين أمم متوحشة، بينما يستفرد بنا أعداؤنا واحداً تلو الآخر.
غزة شاهدة حيّة على أن النداءات والبيانات العربية لا ترد عدواً ولا تحمي أرضاً. لهذا، على الأردن أن يضع في حساباته حقيقة مرّة: لا عون يُرتجى من عرب مشتتين" نحن نعرف جيداً أن من يتخلى عن غزة اليوم سيتخلى عن عمّان غداً، لذلك خيارنا واضح: نعتمد على أنفسنا، ونبني قوتنا بعرقنا ودمنا، لا بوعود الآخرين "، لكل دولة أجندتها الضيقة، ولا من دول كبرى تُمسك العصا من الوسط بينما تدعم إسرائيل في الخفاء والعلن. قوتنا يجب أن تنبع من داخلنا، من قدرتنا على بناء" منظومة دفاع ""سياسية عسكريه اقتصاديه واجتماعيه صلبة"، محصلتها" جيش قادر على الردع".
"جبهتنا الداخلية" هي الحصن الأول للدولة فقبل أن نرفع السلاح في وجه عدونا، علينا أن نرص الصفوف في الداخل. الوحدة الوطنية بين كل مكونات المجتمع الأردني خط أحمر، ولا مكان لخطاب التفرقة بين مكونات الوطن.
قطع الطريق على كل قلم مأجور أو صوت فتنة يحاول تمزيق وحدتنا أمر ضروري. الحريات المنضبطة حق للشعب، والكرامة خط أحمر، والمشاركة السياسية الصادقة هي الضمانة لاستقرار الدولة. ومن يعتقد أن القبضة الأمنية وحدها تحمي الوطن فهو واهم؛ الذي يحمي الوطن هو الشعب حين يشعر أن الدولة تحترمه وتثق به.
التحرك الدبلوماسي الأردني يجب أن يتجاوز الإطار التقليدي العربي، بالبحث عن تحالفات سياسية وعسكرية واقتصادية مع قوى دولية موازنة للنفوذ الأمريكي. إسرائيل تستفيد من صمت المجتمع الدولي، وعلى الأردن أن يفضح جرائمها في كل محفل، وأن يوظف القانون الدولي لصالحه. المعركة الإعلامية والدبلوماسية لا تقل شراسة عن المعركة العسكرية.
الأردن يمتلك أوراق ضغط يمكن أن تغيّر قواعد اللعبة مع إسرائيل، لكن لم يُستخدم منها أخطرها: التلويح بالمقاربة مع قوى المقاومة ووضع الاتفاقيات على الطاوله ، وهو ما تدرك إسرائيل أنه أكبر تهديد لأمنها. فلا شيء يربك الكيان الصهيوني مثل مقاومة منظمة تمتلك الإرادة والسلاح ... واتفاقيات تذروها الرياح.
جيشنا العربي الشجاع يزيد من قوته التسليح الحديث، ويحترف بالتدريب النوعي، وعقيدته القتالية الواضحة المشحوذة , التي تضع حماية الأرض والمقدسات في المقدمة. تنويع مصادر السلاح ضرورة، فاعتمادنا على الولايات المتحدة وحدها يعني تسليم قرارنا العسكري ليد تدعم عدونا. إعادة تفعيل قانون خدمة العلم، وإنشاء جيش شعبي رديف، سيشكلان خط الدفاع الثاني إلى جانب الجيش النظامي.
أن "غياب التفكير" في إنشاء قوى مقاومة محلية، تستفيد من تجربة الأنفاق وحرب العصابات، يحرم الأردن من سلاح فعّال في مواجهة التفوق الجوي والإلكتروني للعدو. إعادة النظر في الخطط العسكرية لتضمين تكتيكات حرب غير تقليدية قد تكون الردع الحقيقي لأي عدوان محتمل.
لا يُعقل أن نأخذ الماء والغاز والكهرباء من العدو الذي يهدد باحتلالنا؟ هذا جنون وخيانة للعقل والضمير ... لا ماء، ولا غاز، ولا كهرباء من إسرائيل. هذه تبعية خطيرة تمس حياة الناس وأمنهم القومي. لابد أن نتحرر من هذه التبعية، ونبني بدائلنا مهما كانت التكلفة، فالأمن المائي والطاقوي هو الأمن القومي للبلد...
الهبات الشعبية والعشائرية للدفاع عن الوطن أمر نبيل، لكنها وحدها لا تردع جيشاً منظماً مدججاً بالسلاح. يجب أن تتحول هذه الطاقات إلى قوة منظمة ومدربة توجهها وتتولاها الدوله، عقيدتها القتال لا الخطابة، والعمل لا الشعارات. لقد شبعنا من التغني بالماضي ,والهوسات, وأمجاد الأجداد، وحان وقت الإعداد الجاد ليوم المواجهة.
ليعلم نتنياهو ومن يقف خلفه أن الأردن ليس ساحة فارغة ولا أرضاً سائبة. أي محاولة للمساس بأرضه أو سيادته ستكون شرارة مواجهة شاملة، يختلط فيها صوت الدبلوماسية بصوت المدفع، وتتحرك فيها الدولة والشعب معاً للدفاع عن الكرامة والسيادة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد