الجريمة الأم التي تدمّر الدول من الداخل

الجريمة الأم التي تدمّر الدول من الداخل

16-12-2025 03:59 PM

لم يعد الفساد الإداري والمالي مجرد انحرافات فردية أو تجاوزات عابرة، بل أصبح في كثير من الدول الجريمة الأم التي تتفرع عنها أخطر الجرائم والاختلالات، وعلى رأسها غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعطّل التنمية، وتآكل الحوكمة، وتفكك الثقة بين المواطن والدولة.
فالفساد لا يسرق المال العام فقط، بل يسرق فرص النمو، ويشوّه بيئة الأعمال، ويقضي على مبدأ تكافؤ الفرص. وعندما تُمنح العقود لا للأكفأ بل للأقرب، وتُدار المؤسسات بالمحسوبية لا بالكفاءة، يصبح الاقتصاد ضعيفًا، والاستثمار خجولًا، والوظائف نادرة.
ومع مرور الوقت، تتجلى النتائج بشكل واضح:
ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، اتساع الفجوة الاجتماعية، وإحباط متزايد لدى الشباب. شباب متعلم، طموح، لكنه يصطدم بسقف غير مرئي من الفساد، فيتحول الإبداع إلى إحباط، والانتماء إلى رغبة بالهجرة.
الأخطر من ذلك أن الفساد يخلق بيئة مثالية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ إذ تصبح الأنظمة الرقابية شكلية، والمؤسسات الرقابية ضعيفة أو مُعطّلة، وتتحول الدولة من كيان منظم إلى ساحة مفتوحة تستفيد منها الشبكات الإجرامية والمنظمات المتطرفة.
ولا يمكن الحديث بجدية عن مكافحة غسل الأموال أو تمويل الإرهاب أو تحسين الحوكمة دون الاعتراف بحقيقة جوهرية:
مكافحة الفساد ليست ملفًا ثانويًا، بل هي الأساس.
فكل تشريع بلا تطبيق، وكل جهة رقابية بلا استقلال، وكل استراتيجية بلا إرادة سياسية، هي مجرد شعارات لا تصمد أمام واقع الفساد.
إن بناء دولة قوية لا يبدأ من زيادة القوانين، بل من تطبيقها بعدالة، ولا من إنشاء هيئات جديدة، بل من تمكينها وحمايتها، ولا من خطابات مطمئنة، بل من قرارات شجاعة تُعيد الثقة، وتمنح الشباب أملًا حقيقيًا بأن المستقبل يُبنى في الوطن لا خارجه.
فالفساد، حين يُترك دون مواجهة حقيقية، لا يدمّر الحاضر فقط، بل يصادر المستقبل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد