الشارع المغاربي بين العود الأبدي والهدوء المريب

mainThumb

15-10-2025 10:19 AM

تتصدر المستجدات حول «وقف الحرب» في غزة الأخبار، وتقدم كصفقة يتبارى فيها، وحولها المتبارون تحت رعاية فخمة من رائد الأعمال الذي لم تعق خسارته جائزة نوبل الأسبوع الماضي حسه «المسالم» (رغم تهديداته بست حروب مباشرة على الأقل)، تماما كما لم تكبح قناعات من يؤكدون كل سنة أحقية الكاتب العربي «أدونيس» بنوبل للآداب، وإن لم يقرأوه، ولم يطالعوا مواقفه الأبعد زمنا حول قضايا جوهرية تجعله موضوعيا خارج سباقها، بعيدا عن مكانته وعمق طروحاته التي لا يختلف عليها عاقلان. إصرار وتكرار يؤكدان ربما تفاسيره للثقافة التي أنتجت الفرد العربي وعلاقته بالزمن والتراث، في «ميكروزمن»، سيكون أسعد وهو يؤكدها من سعادته بتحصيل نوبل.

عود على بدء؟

على وزن التاريخ العربي الذي يراوح مكانه، ويحدث أن يسافر في الزمن رجوعا، يرتسم الواقع المغاربي اليوم. إذا كانت سنة 2011 مفصلية في التاريخ المعاصر للمنطقة المغاربية والعربية بمجموعها، فلا يبدو الوعي الجمعي في المنطقة قد تجاوزه، أو حتى قادرا على الإتيان بما يمكن تجاوزه على مستوى الانتظارات والأدوات على الأقل. قرابة الخمس عشرة سنة بعدها، ما زال الملاحظ غير قادر على تفسير طبيعة تلك اللحظة كطفرة تاريخية، في أحسن الأحوال، أو مبرمجة مخبريا، حسب نظريات المؤامرة، يتكرر اليوم بـ»تزويقات» ذات أبعاد كونية، أو على الأقل هكذا تقدم، وجوهر ما زال ذاته، وإن اتفق المجاهرون على غمه، خوفا ربما أو تحينا للحظة الأنسب.
لم يهدأ الشارع التونسي منذ قرابة الأسبوع، مضبوطا على وقع الأحداث في مدينة «قابس» جنوب العاصمة. صور اختناقات وسط أطفال مدارس، ثم صور استعجالات في مستشفى المدينة قيل إنها بسبب انبعاثات من مصنع المدينة المتخصص في إحدى الصناعات الكيميائية، أفلت مزيجا من غازات ثاني أوكسيد الكبريت والأمونيا، تسببت في موجة غضب عارمة، نزل على إثرها سكان المدينة للشوارع مطالبين بتفكيك وحدات المصنع الذي يعود لثمانينات القرن الماضي. لا تطمينات الرئيس السعيد، ولا حتى نزول عربات الجيش (حسب فيديوهات تم نشرها على نطاق واسع) لإعادة الأمن، أفلحت في إعادة سكان المدينة إلى منازلهم، بل ما زال تريند تونس الأول على مواقع التواصل الاجتماعي، عاكسا تصورات الشارع التونسي وهواجسه على ما يبدو، وقد غطى على أخبار مهمة كتلك المتعلقة بقضاء بعض ديون البلاد، كانت قد سبقته توقيتا.
«علينا نقل الاحتجاجات إلى العاصمة»، «ما يحدث في قابس انعكاس لفشل سياسات الحكومات المتعاقبة»، «وقفة رجل واحد هو الحل لغلق المصنع»، «لا توجد عائلة واحدة في قابس لا يوجد بها مريض تنفس على الأقل من جراء هذا المصنع». «لا فرق بين قابس وغزة أولئك يقصفون بالصواريخ ونحن بغازات سامة»، أمكن قراءة تعليقات على الـ»سوشيال ميديا» التونسية. على الجانب الآخر وقف مشككون: «ملتحون يتقدمون المظاهرات، فهمنا كل شيء الآن»، «على ما يبدو ليست المرة الأولى التي يختنقون فيها، لما كل هذا التهويل الآن»، «الغاز يمر على المدارس ولا يمر على الشوارع على ما يبدو»، «العتب على الرياح، لا على الغازات المنبعثة» كانت شيئا من تبريرات ومحاولات لإعادة الأحداث إلى حجمها.
المتابع لتطور حركة الاحتجاجات هي الأبعاد البيئية التي تتخذها – موضوعيا – خصوصا وأن قابس مدينة ساحلية في بلد ما زال يصنف نفسه كسياحي، ثم فالاحتجاجات سرعان ما قرئت كشرارة لموجة ثانية من موجات «الربيع العربي» في قراءة جيو- استراتيجية، أكثر منها موضوعية، امتدادا لما يحدث في المغرب الأقصى منذ أسابيع، أو على الأقل هكذا قدمتها كبرى وسائل الإعلام العربية على الأقل، فيما لم يحسم الشارع التونسي أمره بعد.

هدوء مريب!

عكس غليان شارع مدينة «قابس» وخلفه تونس، يستدعي هدوء الشارع الجزائري انتباها، هدوء مثير يقابله غليان محموم على مواقع التواصل الاجتماعي تحديدا، فورة رقمية قد تفسر نسبيا هدوء الشوارع، وإلا ما الذي يمكن أن يمنع الجزائريين عن الاحتفال بالتأهل لكأس العالم في نسخته المقبلة، إذ يكاد ينتفي تبرير آخر لغياب الجزائريين عن الشوارع مباشرة بعد انتهاء المباراة المؤهلة ضد الصومال، معجزة في بلد يحق فيه لكرة القدم ما لا يحق لغيرها.
المباراة التي لعبت في مدينة وهران غرب البلاد، لم يعكس الحضور الكثيف للمشجعين فيها اهتمامات الشارع رغم أهميتها، لا قبل ولا بعد المواجهة، لا شباب يرقص في الشوارع، لا أغاني تبثها مكبرات صوت عند زوايا الأحياء، عدا قلة قليلة من المحتفلين. ظاهرة تكررت على ما يبدو في الشارع المصري، الذي تأهل منتخبه قبل نظيره الجزائري بيوم، ذكاء المصري الشعبي فسرها بـ»تعويم التأهل» على وزن تعويم الجنيه، ومعه الفرح، كناية عن ارتفاع عدد الدول المتأهلة، أما الجزائريون – على مواقع التواصل الاجتماعي – فلم يخرجوها من عباءة «التساؤل التريند»: «أين اختفى الجزائريون؟».
المحتويات الكثيرة والتعليقات الكثيفة بررت الأمر بما يحدث في غزة، «كيف لنا أن نفرح وأخوة لنا يقتلون؟» لكنهم يقتلون منذ سنتين ولم تتوقف الحياة، البعض أشار إلى المنع الرسمي للجماهير – بحسبهم – عن الشوارع، لكنهم جماهير كرة قدم، ولو اجتمعت جيوش العالم لما أوقفوهم. البعض تحجج بغياب التحديات التي أضعفت تركيز الجزائري: «نحن لا نفرح سوى تحت الضغط»، «أين أيام غاساما (الحكم الذي بحسبهم منع تفوقهم) وإفريقيا ومشاكل الرطوبة وأرضية الميدان المهترئة» تساءل كثر. «السبب هو غياب ماتشات ضد مصر، كوت ديفوار، الكاميرون، مباريات ترفع الضغط وتثير الحواس»، «تريدوننا أن نفرح بعد مباراة ضد فريق الصومال!»، سخر البعض.
لا جمهور يمكن حشده بسهولة حشد جمهور كرة قدم، تعويض الفرحة التي أفلتت في لحظة «توهان» اقترح البعض جعل إقصاء فريق «الكاميرون»، الفريق الذي ترى جماهير الكرة الجزائرية أنه تسبب في كسر الفريق الجزائري ومنعه عن كأس العالم وكأس إفريقيا في نسخها الماضية، لحظة رمزية لاستعادتها.

٭ كاتبة من الجزائر



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد