صدور كتاب جديد لأماني جرار

mainThumb
أماني جرار

27-10-2025 11:23 PM

السوسنة

صدر حديثا عن دار الصايل كتاب للأستاذة الدكتورة أماني غازي جرار بعنوان التعليم الدامج والتنمية المستدامة : المنظور الشامل لجودة التعليم.
يأتي الكتاب ليضع أمام القارئ تصوراً متكاملاً عن طبيعة التعليم الدامج، منطلقاته الفكرية، أبعاده التربوية، وتحدياته العملية، رابطاً بين النظرية والتطبيق وبين الفكر الحقوقي وأهداف التنمية المستدامة.
يهدف هذا الكتاب إلى تقديم قراءة شمولية للتعليم الدامج باعتباره أكثر من مجرد سياسة تعليمية أو مبادرة تربوية جزئية، فهو مشروع حضاري وفلسفي يعكس تطور الوعي الإنساني بمفهوم العدالة والمساواة.

لقد تحول التعليم الدامج من فكرة إصلاحية جزئية إلى التزام عالمي، ولم يعد مقتصراً على فئة الطلبة ذوي الإعاقة، بل اتسع ليشمل جميع الفئات المهمشة أو المهددة بالاستبعاد من العملية التعليمية، مثل الفتيات، واللاجئين، والأطفال في مناطق النزاعات، والطلبة من الأسر الفقيرة. وهذا الاتساع يعكس إدراكاً متزايداً بأن التمييز في التعليم يأخذ أشكالاً متعددة، وأن معالجته تتطلب بناء أنظمة تعليمية مرنة وقادرة على استيعاب التنوع البشري.
إن أهمية هذا الكتاب تتجلى في كونه يربط بين التعليم الدامج وأهداف التنمية المستدامة، ولا سيما الهدف الرابع الذي ينص على ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع. فالكتاب يقدم رؤية توضح كيف يمكن للتعليم الدامج أن يكون أداة استراتيجية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال الاستثمار في رأس المال البشري وتوسيع المشاركة المجتمعية وتعزيز قيم المواطنة الفاعلة. كما يبين أن التعليم الدامج لا يقتصر أثره على تحسين فرص التعلم للفئات المهمشة، بل ينعكس إيجاباً على جودة التعليم للجميع، حيث تسهم استراتيجيات الدمج في تطوير المناهج، وتحفيز الابتكار التربوي، وتعزيز مهارات المعلمين في التعامل مع التنوع.
يتميز هذا الكتاب بتركيزه على البعدين النظري والتطبيقي للتعليم الدامج. ففي الجانب النظري، يقدم تحليلاً معمقاً للأسس الفكرية والفلسفية التي يقوم عليها هذا التوجه، مبيناً كيف نشأ وتطور إلى مشروع عالمي شامل. أما في الجانب التطبيقي، فيعرض الكتاب تجارب وطنية وإقليمية ودولية في تطبيق التعليم الدامج، مع التركيز على التجربة الأردنية التي تمثل نموذجاً إقليمياً في السعي لملاءمة السياسات التربوية مع التوجهات العالمية. فقد شهد الأردن خلال العقدين الأخيرين خطوات مهمة نحو ترسيخ التعليم الدامج، من خلال الإطار الوطني للتعليم الدامج الذي أطلق عام 2021، والدور المحوري الذي قام به المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في صياغة السياسات ومتابعة تنفيذها.
كما يسلط الكتاب الضوء على دور التعليم الدامج في تعزيز التماسك المجتمعي. فالمدرسة الدامجة ليست فقط مكاناً لتعليم المعارف والمهارات، بل فضاء إنسانياً جامعاً يغرس في الطلبة قيم التعاون والتسامح وقبول الآخر.
ولا يغفل الكتاب التحديات التي تواجه تطبيق التعليم الدامج، سواء على المستوى العالمي أو المحلي. ومع ذلك، يؤكد الكتاب أن هذه التحديات هي حافز لمزيد من الإصلاح والتطوير، خاصة في ظل الفرص التي يوفرها التقدم التكنولوجي والتحول الرقمي في التعليم، والذي يفتح آفاقاً جديدة لتصميم محتوى تعليمي مرن يلائم احتياجات جميع المتعلمين.
ويأتي الكتاب في خمسة فصول ، يناقش الفصل الأول (مفهوم التعليم الدامج)، حيث يعد التعليم الدامج أحد أبرز التحولات التربوية والفكرية التي شهدها العالم في العقود الأخيرة، حيث تجاوز المفهوم التقليدي للتعليم القائم على التمييز بين الطلبة وفق قدراتهم أو ظروفهم الاجتماعية والصحية، ليتبنى رؤية شمولية تقوم على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص. إن الجذور الفكرية للتعليم الدامج تعود إلى حركة حقوق الإنسان، وإلى الجهود الأممية التي عززت من اعتبار التعليم حقاً أساسياً غير قابل للتجزئة.
ثم الفصل الثاني (جودة التعليم وأهداف التنمية المستدامة )، حيث يُعَدُّ تعزيز جودة التعليم من أبرز المداخل الفاعلة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث يُنظر إلى المدارس ليس فقط كمؤسسات لتقديم المعرفة بل فضاءات لبناء القدرات وتحقيق المساواة والكرامة. وفي هذا السياق، يبرز مفهوم (الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة) باعتباره حجر الزاوية في الجهود العالمية الرامية إلى ضمان تعليم شامل وعادل للجميع، بما في ذلك الفئات الأكثر هشاشة مثل ذوي الإعاقة والفئات المهمشة نفسياً أو اجتماعياً. وقد ساعد هذا الطرح في ربط رؤية التعليم الدامج بـ جودة التعليم المستدامة.
أما الفصل الثالث ،فيتناول (التحليل المقارن للوثائق السياسية الخمس الرئيسية التي تشكل النظام التعليمي في الأردن) ، وهي الاستراتيجية العشرية للتعليم الدامج (2020-2030)، والإطار الوطني للدمج والتنوع في التعليم، ورؤية التحديث الاقتصادي ، والبرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، ثم تقرير المتابعة والتقييم السنوي للخطة الاستراتيجية لوزارة التربية والتعليم (2022-2023).
ويتناول الفصل الرابع (التجربة الأردنية في التعليم الدامج بالتعاون مع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ووزارة التربية والتعليم) ، حيث يشكل التعليم الدامج في الأردن تجربة فريدة ضمن مسار إصلاح التعليم والتحديث التربوي الذي تبنته الدولة منذ مطلع الألفية الثالثة، إذ ارتبط بشكل مباشر بالرؤية الوطنية للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.
ثم يقدم يلقي الفصل الخامس (إضاءات على مفهوم التعليم الدامج في الأردن) ، حيث يقدم نماذج رائدة في تحويل الفلسفة الشمولية إلى واقع تطبيقي ملموس داخل البيئة المدرسية الأردنية. كما يقدم إضاءات على وجهة نظر اليونسكو-عمان. ويتضمن الكتاب نماذج عملية ،وأدلة لأسئلة المقابلات الميدانية ذات العلاقة .
إن القارئ لهذا الكتاب سيجد نفسه أمام دراسة متكاملة لا تكتفي بعرض المفاهيم والسياسات، بل تنطلق إلى استكشاف الروابط العميقة بين التعليم الدامج وجودة التعليم والتنمية المستدامة. فهو يقدم منظوراً شمولياً يجعل من التعليم الدامج مدخلاً لفهم أوسع لعلاقة التعليم بالمجتمع وبالتحولات العالمية. كما أنه يبين أن التعليم الدامج ليس مجرد حق من حقوق الإنسان، بل هو أيضاً أداة للتنمية، وجسر يربط بين العدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي.
وتبرز القيمة العلمية للكتاب في كونه يربط بين النظرية والممارسة، بين الفلسفة والإدارة العامة في السياسة، وبين القيم الإنسانية والآليات التربوية. فهو يقدم رؤية متكاملة تجعل من التعليم الدامج أكثر من مجرد قضية تربوية، بل مشروعاً مجتمعياً يعكس طموح الإنسانية في بناء عالم أكثر عدلاً وشمولاً. كما أن الكتاب يضيف بعداً جديداً للنقاش حول جودة التعليم في العالم العربي، من خلال تسليط الضوء على التجربة الأردنية وتجارب عربية أخرى في مواجهة تحديات الدمج وتحقيق الإنصاف.
إن هذا الكتاب موجَّه إلى جمهور واسع يشمل الأكاديميين والباحثين وصناع السياسات والمعلمين وأساتذة الجامعات والمهتمين بقضايا التربية والتنمية.
في النهاية، يمثل هذا الكتاب دعوة مفتوحة إلى إعادة التفكير في وظيفة التعليم ودوره في المجتمع. فهو يوضح أن التعليم الجيد لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان شاملاً وعادلاً، وأن التنمية المستدامة لا يمكن أن تُبنى إلا على أساس من العدالة والمساواة. ومن هنا، فإن التعليم الدامج ليس مجرد خيار تربوي، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان استقرار المجتمعات وتقدمها. والكتاب، بهذا المعنى، يشكل إضافة نوعية إلى الأدبيات التربوية العربية والعالمية، ويضع لبنة جديدة في مشروع بناء تعليم إنساني عادل ومستدام.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد