صحيفة السوسنة الأردنية

كتب نادر خطاطبة
الرئيس التنفيذي لمركز مؤشر الأداء "كفاءة"، ( منظمة غير حكومية) المهندس معاذ مبيضين، قال في تصريحات حول الاحداث المؤسفة لمدافيء الغاز" الشموسة"، أن المواصفة الفنية المعتمدة لصوبات الغاز والمنشورة على موقع مؤسسة المواصفات والمقاييس مستمدة من المواصفة الأوروبية EN 1196، وانها هي المرجعية الالزامية لعمليات الاستيراد والتصنيع والتداول، وهي مواصفة لا تترك مجالا للتأويل، فهي تجيز وجود أسطوانة الغاز في حالتين فقط،
الاولى أن تكون مدمجة داخل جسم المدفأة ضمن حجرة آمنة، او تكون منفصلة خارج المبنى في مكان محمي، ومتصلة بتمديدات غاز مطابقة لشروط السلامة.
لكن الاشكالية وفق مبيضين حسب تصريحاته لـصحيفة، #اخبار_الاردن_الالكترونية، هي ان الخيار الثاني غير عملي اقتصاديا، إذ يتطلب تمديدات كلفتها تفوق سعر المدفأة نفسها، ما يجعله خيارا غير واقعي للمواطن الاردني الباحث عن حلول تدفئة منخفضة الكلفة..

نحن إذن أمام فجوة بين النصوص، وما هو منفذ على الواقع، بمعنى ما هو آمن على الورق الرسمي، وبين ما هو متداول في السوق؟!

والربط بين ما طرحه مبيضين، وتصريحات اخرى اعلنها النائب وسام ربيحات، تكشف مشهدا اكثر خطورة، فالاخير ابرز وثائق رسمية، تبين ان هذه الصوبات نفسها، كانت قد فشلت في فحوصات مؤسسة المواصفات والمقاييس عام 2020، ومنع استخدامها آنذاك، لكن المنع لم يصمد، وجرى التراجع عنه "تحت ضغوط"، ودخلت الصوبات السوق ضمن ما سُمّي "مهلة للتجار"، وهي مهلة يبدو أنها مُددت وتحولت من إجراء استثنائي مؤقت إلى واقع دائم.

بالمحصلة، غياب الرقابة الفعالة، بالضرورة افضى للنتائج التي نعانيها اليوم، وابرزها تراكم المخالفات، والتوسع في تداول منتجات لا تنسجم مع روح المواصفة، ولا مع شروط السلامة، وعندما وقعت الحوادث، بدأ الجميع يتراشق الاتهامات، التاجر والمصنع يلوم المستهلك، وجهات تشير إلى سوء الاستخدام، والرسمي يزعم سلامة اجراءاته، رغم وقوعه بفخ تضارب التصريحات، فيما يغيب السؤال الجوهري، من سمح أصلا بوجود هذا المنتج في السوق؟ ومن مدد المهلة او المهل لتداوله؟ ومن راقب؟ ومن قصر في الرقابة والمتابعة؟

ما يثير القلق كثيرا، أن المسار المعتاد في مثل هذه القضايا، ينتهي غالبا عند المواطن، بوصفه الحلقة الأضعف، ليقال إنه أساء الاستخدام، أو لم يلتزم بالتعليمات، ولا يستبعد أن نشهد قريبا توصيات ودورات وإرشادات، وربما، مصفوفة استخدام جديدة للصوبات، على غرار "مصفوفة البحر الميت" عقب حادثة الرحلة المدرسية الماساوي، قبل سنوات، بحيث تتضمن المصفوفة محاور وتوصيات متشعبة، وربما يطلق عليها "مصفوفة الشموسة"، وكأن المشكلة كانت دوما في السلوك الفردي، لا في القرار ولا في الرقابة.

ان قضية مدافيء الغاز ليست تقنية فقط، بل هي ادارية بامتياز، فالمواصفة إما أن تكون ملزمة أو لا تكون، والمنع إما أن يُحترم أو يتحول إلى إجراء شكلي، لان السلامة العامة لا تحتمل الحلول الوسط ولا صفقات المُهل، ولا ترحيل المسؤولية من مؤسسة إلى مواطن.

السؤال الذي يجب أن يُطرح بوضوح، من يتحمل مسؤولية إدخال منتج غير آمن إلى بيوت الناس؟ لان الإجابة عليه أهم بكثير من أي مصفوفة، وأجدى من أي حملة توعوية متأخرة، فالاصل في القضايا التي تمس سلامة الناس، ان لا نتعامل مع القرارات الإدارية باعتبارها تفصيلًا ثانويا أو هامشا قابلا للاجتهاد، بدلالة ان الشموسة، تحولت من وسيلة تدفئة، إلى عنوان لإخفاق مراكز القرار والرقابة والمساءلة..