قراءة في كتاب ملك وشعب (29)

قراءة في كتاب ملك وشعب (29)

31-12-2025 11:57 AM

يعد كتاب


"ملك وشعب" الذي أصدره الديوان الملكي الهاشمي العامر منجزا وطنيا هاما يوثّق المبادرات الملكية السامية الزاخرة بالخير والعطاء والإنسانية ضمن رحلة خيّرة لا ينضب عطاؤها بين ملك إنسان وأبناء شعبه. إن هذا الملف الإنساني والتنموي الذي يوليه جلالة سيدنا كل إهتمام حيث أسند أمر متابعته وتنفيذه إلى لجنة برئاسة معالي الأستاذ يوسف حسن العيسوي رئيس الديوان الملكي الهاشمي ضمن فريق عمل مخلص وجاد ليعكس صورة إرتباط ملك رحيم تجلّت صفات الإنسانية بأجل صورها مع أبناء شعبه الأردني بروح تنم عن إنتماء ومحبة قائد لوطنه ولشعبه، وولاء ومبايعة شعب لقائده بصدق وإخلاص.

وسأتناول هنا في المقال التاسع والعشرين (29) ضمن سلسلة مقالات قراءة كتاب ملك وشعب "المبادرات الملكية : “وثيقة الأردن أولا " التي أعلنها جلالة سيدنا في عام 2002 وتوضيح المفهوم الذي تتضمنه هذه الرسالة العميقة في مضمونها ذات الرؤية الإستشرافية في إهدافها، وذلك لترسيخ أسس الدولة الديمقراطية العصرية ضمن خطة عمل تهدف إلى تعزيز روح الإنتماء بين المواطنين وليساهم الجميع في بناء نهضة الأردن وتطويره، وإعتبار مصلحة الأردن فوق كل إعتبار ونشر ثقافة الاحترام والتسامح وترسيخ مفاهيم الديمقراطية وسيادة القانون والحرية العامة والمحاسبة والعدالة والمساواة.

إن وثيقة الأردن أولا نداء هاشمي بنّاء، ونهج يبني على ما تم إنجازه ضمن رؤية تسعى إلى فتح الأبواب لسياسات وبرامج في التنمية والتربية والثقافة والإعلام لجيل من الشباب الأردني، يكون معتزّا بوطنه فخورا بعرش ملكه مزهوا بديمقراطيته وبمشاركته بفعالية ومسؤولية، لنكون جميعا في خندق الوطن. كما أنها وثيقة حملت في مضمونها آليات وسياسات قابلة للتطبيق ضمن ممارسة فعلية هي الأجدى في تحقيق مضمون رسالة الأردن أولا وترجمته إلى أسلوب حياة وفق منظور رؤية جلالة سيدنا، ليكون الأردن أولا مشروع نهضة يحرك مكامن القوة عند الفرد والمجتمع، ويؤسّس لمرحلة جديدة من التنمية الشاملة بأبعادها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية والتربوية والإدارية، وتطلق طاقات الشباب الأردني وتحفّز عملهم المبدع إنطلاقا من صدق إنتمائهم للأردن وطنا يستحق كل الإخلاص والتضحية والتفاني والسير بعجلته تقدما ونهضة.

والأردن أولا تحد لمعالجة الضعف في العلاقة بين الافراد والمؤسسات وتكريس مبادىء الشفافية وتكافؤ الفرص، وإعتبار هذه المبادىء مرشدا دائما للدولة الأردنية ترتّب على المؤسسات الرسمية العناية بها وشحذ الهمم والتمسك بروح الوطن الأردني القائم على التسامح والحيلولة دون طغيان النزعات المخلة بالنسيج الوطني، الأمر الذي يدعو إلى تعزيز مفهوم المواطنة وتعميق الهوية الوطنية ونبذ مظاهر الغلو والاستقطاب السلبي والنزعات المسيئة للوحدة الوطنية والضارة بالنسيج الاجتماعي وإشاعة ثقافة التسامح وقبول الآخر، إضافة إلى ضرورة تطوير مفهوم الخدمة المدنية كأساس لعلاقة الموظف بالمواطن في إطار من المساءلة والوضوح، والعمل على تعميق النهج الديمقراطي ورفع سقف الحريات العامة التي كفلها الدستور الأردني، واللإسهام في تحديث التشريعات لمواكبة المستجدات في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والتكنولوجية والعلمية والبيئية.

ورسالة الأردن أولا، تتضمن تقديم مصالح الأردن العليا فوق كل المصالح والإعتبارات، والذود عن بلدنا بكل إخلاص وتفان وإتقان، والحفاظ على هيبة الدولة الأردنية وحماية إستقرارارها وأمنها الوطني، كما تدعو إلى تمتين النسيج الوطني ليندمج الجميع وطنيا ومجتمعيا، ولتكون التعددية مصدر قوة لمجتمع مدني حديث ومتماسك يزدهر في مناخات الحرية والديمقراطية وسيادة القانون والعدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص، ضمن مظلة الدستور الذي كرّس مفهوم المواطنة كحق أساسي، الأمر الذي يركّز على الإستثمار بالإنسان الأردني تعليما وتدريبا وتأهيلا وصحة ليكون أساسا لمستقبل أردني واعد بالعلم والمعرفة والإنجاز.

ورسالة الأردن أولا تدعو إلى ترتيب أولويات البيت الأردني من خلال مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام ومؤسسات التوجيه الوطني، لتتبنى كافة قضايا الوطن والمواطنين بمهنية عالية وإستقلالية وحرية مسوؤلة تحترم الحقيقة وعقل المواطن وحقوقه، ولتسهم كذلك في مشروع نهضة بناء الأردن الحديث.

والأردن أولا تحمل في مضمونها فلسفة حكم ونهج قيادة ينهض على ضرورة وضع المصلحة الوطنية الأردنية في صدارة إهتمامات الدولة، وأن الأردن القوي والمنيع هو مصدر قوة لأمته وتبني قضايا الأمة، مستندا في ذلك إلى إرث موصول من الإلتزام بالمصالح القومية وعلى رأسها تعزيز صمود الأهل والأشقاء في فلسطين لينالوا حقهم المشروع في إقامة الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني، كما أن الأردن أولا هو قريب وفي قلب الدائرة الاسلامية الأوسع التي ظل الأردن الهاشمي الاكثر إلتصاقا بها وبقضاياها حيث أن الشعب الأردني وفقا للدستور هو جزء من الأمة العربية والإسلام دين الدولة.

كما أن للنقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني والصحافة دورا كبيرا في تعميق الوعي بمفهوم الأردن أولا ونشر رسالته، والعمل على تطبيقها وإلتزامها بالقوانين والحفاظ على مهنيتها ضمن تنظيم علاقتها بالدولة والمجتمع بصورة تعمّق إنتماء المواطن عن طريق رفع سوية إحتياجاته، وكذلك تطوير نموذج إعلامي جديد يستلهم روح العصر ويعبّر عن ضمير الوطن الذي يضع المصلحة الوطنية الأردنية في مقدمة الأولويات، وينهض برسالة تنموية وتربوية هامة للأجيال يكون إعلام دولة ووطن يمارس دوره الرقابي بحرية مسؤولة.

ومن هنا، فإن ترسيخ مفهوم الأردن أولا في عقول الشباب وضمائرهم الذين يشكلون أكثر من ثلثي سكان المملكة أولوية مهمة للنهضة، وذلك من خلال غرس قيم الإنتماء والمشاركة الفاعلة والمواطنة الصالحة والعمل والإنتاج والإنجاز في البيت والمدرسة والجامعة والمؤسسات، إضافة إلى توجيه الشباب لصقل مهاراتهم في الإتجاه الذي يلبي متطلبات التنمية والمعرفة والمستقبل، ولنمضي مع الشباب في تقديم برامج تكافح البطالة والفقر وتحقّق التنمية المتوازنة. ولتحقيق ذلك يجب إعداد برامج مدرسية وجامعية منهجية وأخرى لا منهجية تعلّم الشباب مباديء الدستور وتاريخ الدولة الأردنية ومرجعيتها الفكرية ونظامها الملكي الدستوري وقيم الديمقراطية والعدالة ومفهوم المواطنة وحقوق المواطن وواجباته والوحدة الوطنية، وإيلاء البحث العلمي التطبيقي والدراسات العلمية المتخصصة في الجامعات الإهتمام الكافي وربطه في إحتياجات القطاعات الوطنية التي تدفع إلى تسارع مفهوم التنمية الشمولي وخصوصا في القضايا الإقتصادية والإجتماعية والتربوية والقيمية التي تواجه بلدنا.

نعم، إنه التوجيه الملكي الهاشمي لوضع مصلحة الأردن فوق كل إعتبار، وهذا ما دعت إليه رسالة الأردن أولا التي أطلقها جلالة سيدنا لنسير ببلدنا تقدما ونهضة، ضمن منظومة عمل جادة تعمل بضمير مؤسسي مسؤول الذي أنجزه الديوان الملكي الهاشمي العامر بيت جلالة سيدنا وبيت الأردنيين جميعا، يرافق ذلك جهود تقوم على الإخلاص والتفاني في العمل في ظل مجتمع متكافل واحد موحّد ومتماسك يزرع بذور الخير والعطاء والإنسانية، برعاية وإهتمام جلالة سيدنا الملك الإنسان عبد الله الثاني بن الحسين أعز الله ملكه القدوة لنا جميعا في الإنجاز والعمل وللحديث بقية.

أستاذ جامعي وكاتب/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية حاليا
عضو مجلس أمناء حاليا
عضو مجلس كلية الدراسات العليا في جامعة اليرموك حاليا
عميد كلية الصيدلة / جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية وجامعة اليرموك سابقا
رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد