الاتصال بين أوباما وروحاني لن يمنع العقوبات عن إيران

mainThumb

10-10-2013 12:28 PM

عندما عاد حسن روحاني، الرئيس الإيراني، من رحلته «المظفرة» إلى نيويورك، كتبت صحيفة «كيهان» (لسان حال المرشد الأعلى) معبرة عن شكوكها العميقة حول ما أنجزته تلك الرحلة.. قالت: «في نهاية الأيام الخمسة، أعطينا نقدا كمقدمة وتلقينا وعودا في الائتمان». وبالنسبة للاتصال الهاتفي بين روحاني والرئيس الأميركي باراك أوباما الذي قال كل طرف إن الطرف الآخر اقترحه، كتبت «كيهان»: «إذا كان ذلك الاتصال عملا لائقا، فلماذا يرفض كل طرف تحمل مسؤوليته؟».

إنها بداية «مذاق» الرحلة التي تجد الولايات المتحدة نفسها في حالة حماس للقيام بها وكأنها في حالة تسليم مسؤوليات وليس تسلم.

يوم السبت الماضي تبادل الرئيس باراك أوباما والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الشكوك، كل لأسبابه الخاصة؛ أوباما لطمأنة إسرائيل وإقناعها حتى ولو بأن الخيار العسكري ضد إيران لا يزال على الطاولة، إنما الأفضل إعطاء الوقت، والمزيد من الوقت للرئيس روحاني. أما خامنئي فقد أطلق شكوكه لطمأنة الحرس الثوري وفي الوقت نفسه إعطاء حكومة روحاني مجالا للمناورة في المساومة مع الغرب مع تذكيرها بأنه يسمح لها بالتحرك إلى الأمام إنما ليس في كل شيء.

مخاطبا خريجي الكليات العسكرية، قال خامنئي إنه يؤيد التحركات الدبلوماسية للحكومة، لكن «في رأينا أن بعض ما حدث في رحلة نيويورك لم يكن لائقا». وما تجنب روحاني النطق به في نيويورك، أصر على إبرازه خامنئي بقوله إن الحكومة الأميركية استولت عليها الشبكة الدولية «الصهيونية».

قبل أسبوعين فقط، وصف خامنئي سياسة روحاني بـ«المرونة البطولية»، وعندما تحدث السبت الماضي كان يحيط به القادة العسكريون، ومع هذا بدا كمن يمشي على حبل مشدود. العقوبات تخنق إيران، والحرس الثوري يعد عدو روحاني في محاولاته الوصول إلى الغرب. منذ انتخابه في يونيو (حزيران) الماضي، والحرس يحاول الحد من سلطته.. يقنصه من خلال وسائل الإعلام، ويعلن أن كفاح الجمهورية الإسلامية مكرس ضد العدو الأميركي. وكان قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري قال: «إذا رأينا أخطاء يرتكبها المسؤولون، فإن القوى الثورية ستصدر التحذيرات اللازمة».

ما يكون قد أثار خامنئي هو ترحيب الغرب اللامعقول باتصال أوباما وروحاني إلى درجة أن بعض التعليقات شبهت الاتصال التليفوني بالمصافحة التاريخية بين الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون والزعيم الصيني ماو تسي تونغ، وفي هذه الحالة، فإن خامنئي هو ماو تسي تونغ الذي يغير التاريخ وليس روحاني.

من جهته، بدا أوباما كأنه يعترف بهذا الواقع؛ إذ قال يوم السبت الماضي في حديثه إلى «أسوشييتد برس» إن الأسلوب الذي يعمل به النظام الإيراني يفيد بأن روحاني ليس بصانع القرار الوحيد.. «إنه ليس حتى صانع القرار في نهاية المطاف».

هذا الوصف ينطبق إلى حد ما على الرئيس نفسه؛ إذ قد لا يكون هو صاحب القرار الأخير بالنسبة لـ«اللهفة» على الانفتاح على إيران، وربما توقف الحكومة الفيدرالية في هذه الفترة أبقى رجال الكونغرس صامتين عن التعبير عن رد فعلهم تجاه الانفتاح الأوبامي على روحاني وكل ما هو إيراني، لكن بعض الجمهوريين في الكونغرس انتقد أوباما لأنه بدا أكثر استعدادا لإجراء محادثات مع روحاني من استعداده للتفاوض معهم.

إن المشرعين الأميركيين يمضون قدما في التشريع لفرض عقوبات جديدة على إيران مع خطط لوضعها أمام الرئيس أوباما بحيث يمكنه استخدام العقوبات المعززة جزءا من قوة تفاوضية مع إيران.

وإذا كان خامنئي والحرس الثوري هما من يقرر في إيران، فإن الكونغرس هو الذي يقرر في الولايات المتحدة.

في يوليو (تموز) الماضي، أي بعد شهر من فوز روحاني في الانتخابات الرئاسية، وافق مجلس النواب الأميركي على عقوبات جديدة صارمة شملت قطاع النفط الإيراني وصناعات أخرى. القانون وضع على اللائحة السوداء كل عمل متعلق بقطاعي التعدين والبناء في إيران، ويلزم الولايات المتحدة بالعمل على أن تنهي جميع مبيعات النفط الإيراني في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2015. وافق مجلس النواب على هذا القانون بأغلبية 400 صوت مقابل 20 صوتا وأضيف على المقاطعة التي بدأ تفعيلها العام الماضي، وخفضت صادرات إيران النفطية إلى النصف، وتركت اقتصادها في حالة يرثى لها.

لن يجري الانتهاء من وضع قانون العقوبات الجديد قبل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، مما يعطي الإدارة أسابيع عدة للتأكد مما إذا كانت إيران روحاني مقبلة على أي تغيير.

النقاش في الكونغرس حول سوريا أثر على ديناميكية العلاقات بين واشنطن وطهران، وقد يكون هذا عزز موقف إيران، لكن مصادر أميركية مطلعة أكدت أن الرئيس الأميركي إذا ما وصل الأمر إلى القيام بضربة عسكرية ضد إيران، فلن يلجأ إلى الكونغرس، وسوف يستعمل حقه الدستوري، وقد أكد ذلك لإسرائيل.

ويبدو أن المشرعين الأميركيين لم يعد بمقدورهم فصل البرنامج النووي الإيراني عن ترسانة الصواريخ الباليستية الإيرانية، ويرى بعضهم أنه ما دامت إيران تواصل السعي إلى تحقيق القدرة لإنتاج أسلحة نووية، وبناء صواريخ باليستية بعيدة المدى، وترعى الإرهاب وتنتهك حقوق الإنسان، فيجب على مجلس الشيوخ «فرض أقصى الضغوط الاقتصادية لإعطاء الدبلوماسية فرصة للنجاح».

إذا كان الرئيس أوباما يعتمد على أن خامنئي أصدر فتوى بتحريم امتلاك إيران السلاح النووي (حتى الآن لم يستطع أحد إبراز هذه الفتوى، وقد نشرت مؤخرا على موقع خامنئي 430 فتوى قديمة وجديدة له لم تكن بينها فتوى التحريم النووي)، وإذا كان أوباما أحب أن يصدق ما قاله روحاني بأن كل أهداف إيران سلمية، فإن العمل في مجلسي الشيوخ والنواب يختلف عن طريقة تفكير الرئيس الأميركي.

بعض المتخصصين الإيرانيين في واشنطن مثل رئيس المجلس الوطني الإيراني تريتا بارسي يعتقد بأن تمرير عقوبات جديدة ضد إيران في هذه المرحلة سيدمر كل الاحتمالات الدبلوماسية.

وعلى هذا رد مصدر أميركي بأن إدارة أوباما لن تعترض على تمرير الكونغرس عقوبات جديدة على إيران ما دامت ليست في وقت قريب، أي إنه إذا كانت هذه العقوبات غدا على مكتب الرئيس، فإن الكونغرس سيواجه على الأرجح قدرا كبيرا من المقاومة في البيت الأبيض بسبب التوقيت والأجواء، لكن في الوقت نفسه، فإن البيت الأبيض سيرى أنه من المفيد أن يحرك الكونغرس قرار العقوبات الجديدة في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة إشراك إيران دبلوماسيا.

يريد أوباما أن يثبت روحاني أنه قادر على تقليص نشاط تخصيب اليورانيوم في بلاده، والذي يعتقد كثيرون أنه بهدف إنتاج السلاح النووي، لكن روحاني قال يوم الأربعاء قبل الماضي إن بلاده مستعدة لمناقشة «التفاصيل» في أنشطتها النووية للتوصل إلى اتفاق مع المجموعة العالمية، لكن حقها في تخصيب اليورانيوم «غير قابل للتفاوض».

التقارير تقول إن خامنئي أعطى روحاني فرصة ستة أشهر لرفع العقوبات عن إيران. روحاني «واثق» من أنه خدع في السابق المفاوضين لتستمر إيران في برنامجها النووي. ويقول لي مصدر أميركي إن «الإيرانيين بارعون في لعبة الشطرنج وحياكة السجاد، وإن الرئيس أوباما من الذين يقدمون على المخاطر، وهذا ما لا يعرفه عنه كثيرون».

في مايو (أيار) من عام 1986 كان روحاني موظفا كبيرا في الخارجية الإيرانية، وترأس الجانب الإيراني الذي فاوض الأميركيين الذين وصلوا سرا إلى طهران وكان بينهم أوليفر نورث، بهدف إطلاق الرهائن الأميركيين في لبنان. كان روحاني مستعدا لمبادلة الرهائن إذا وافقت واشنطن على بيع طهران صواريخ وأنظمة عسكرية، ولما أصر الأميركيون على رفض إرسال الصواريخ قبل تسلم الرهائن، اقترح إطلاق سراح رهينتين على أمل أن يعمل الطرفان بشكل أوسع، ثم قدم نصيحة للوفد الأميركي.. قال إن هناك مثلا فارسيا يقول: الصبر يأتي لك بالنصر. الاثنان صديقان قديمان، من دون الصبر لا يمكن أن نحقق شيئا، وعلى السياسيين أن يفهموا هذا.

بعد 27 عاما لا يزال روحاني يعتمد على هذا المثل الفارسي.

 

*الشرق الاوسط



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد