مسرحية الاطفال حارس أحلام المدينة ‏

mainThumb

03-04-2016 08:56 AM

السوسنة - يوسف البري-  تأتي مسرحية الأطفال "حارس أحلام المدينة" من تأليف الكاتب وشاعر ‏الأطفال محمد جمال عمرو، لتشكل إضافة جديدة في عوالم مسرح الطفل العربي ‏وفضاءاته، لما اشتملت عليه من فكرة وسرد وأحداث، كانت الكوميديا العباءة التي ‏غلفت أحداث العمل كلها لتنسج جواً من المتعة والسعادة والفرح،‎ ‎وتحلق بضحكات ‏الأطفال طيلة فترة قراءة العمل أو عرضه.‏

 

‏ لقد نجح الأديب والشاعر محمد جمال عمرو بتوظيف الكوميديا بأشكالها وأبعادها ‏الحسية واللفظية والحركية، في هذا العمل المسرحي وكأنه يرسم- وبألوان الربيع- ‏ممرات واسعة، تشق طريقها نحو قلب الطفل، فتراقصه تارة وتلعب معه تارة أخرى، ‏وتحلق في مخيلته بين الغيمات، ليدرك أن شخصيات العمل على اختلافها وتنوعها، ‏هي نوافذ خصبة تفضي إلى تسليط الضوء على فكرة العمل، تلك الفكرة التي تقوم ‏على تعزيز مفاهيم حب الوطن والتعاون والتضحية والشجاعة، والإيمان المطلق بأن ‏الحق هو الذي ينتصر في النهاية أياً كان صانع الشر وباعث الخراب. ‏
 
إن جميع القيم سالفة الذكر قد تمت إذابتها بنكهة السكر وماء الزهر، حتى تمطر على ‏قلب الطفل بشكل سلس بعيداً عن التلقين المباشر المفتعل، لذلك نجد شخصية ‏‏"شحبور" مثلاً -وهو عنصر الشر الرئيسي في العمل، والمحرك الأول للفوضى، ‏وصانع العقدة الدرامية ترافقه صديقته شحبوره، هما الشخصيتان اللتين حملت عليهما ‏مهمة جذب الطفل، والاحتفاظ به دون كلل أو ملل حتى آخر كلمة في العمل، وقد ‏تجسد ذلك في كثرة المواقف والتصرفات المضحكة، التي تقوم بها هاتان الشخصيتان ‏طيلة فترة العمل، ليثبت المؤلف براعته في تمرير ما يريد من خلال هاتين ‏الشخصيتين، وبسرد سلس وأحداث مشوقة استطاعت أن تغسل الرماد بالعسل.‏
 
إن هذه المعادلة الصعبة المتمثلة في إعطاء الرماد، الذي يرمز إلى أعمال ‏شحبور وصديقته شحبورة الشريرة، المتمثلة بمحاربة النظافة والعبث بجمال المدينة ‏ومقدراتها، إعطاء الرماد نكهة العسل على هيئة خفة دم شحبور وصديقته شحبورة، ‏وطرافة حكاياتهم، وأخذهم كل أمورهم الحياتية بمنظور مختلف عن الواقع، لأنهم ‏يحبون الأوساخ ويكرهون النظافة، وهي مفارقة ليست سهلة، فقد غسل المؤلف الرماد ‏بالعسل، حتى يدرك الطفل صعوبة ما يقوم به "شحبوروشحبورة" من فوضى وخراب، ‏لكن دون أن يشعر بالخوف أو المرارة أو الملل.‏
 
من ناحية أخرى نجد أن التنوع في جنس شخصيات أبطال العمل، ما بين الشخصيات ‏البشرية، مثل: " حارس أحلام المدينة، وعامل النظافة، ومهندس المرور، ومرح "، وهم ‏عناصر الخير والحب والعطاء في العمل، والشخصيات الحيوانية، وهي: " الفراشة ‏والعصفور، والضفدع "، وهم مكمل للعناصر والقيم الجميلة، لكنهم الأكثر ضرراً جراء ‏ما يقوم به شحبور من تلويثٍ للبيئة ومحاربة للنظافة، ذلك التنوع -وعلى هذا النحو ‏من الطرح- جعل الطفل يبحر بخياله إلى اللا حدود، وجعله يذوب في مخيلته وهو ‏يتعاطى الأجواء المسرحية الساحرة، التي تنسج الحوار بين تلك الشخصيات كافة، ‏بأصواتها وحركاتها وأشكالها المختلفة، والتي تحاكي الحقيقة إلى حدّ كبير، لتجد أن ‏الطفل جزء لا يتجزأ من العمل، وكأنه يشارك تلك الشخصيات في التفكير أو التقرير ‏أو العمل.‏
يمكننا القول إذن أننا أمام نص مسرحي مكتمل بامتياز، بعناصره كلها وأدواته من: ‏حبكة وشخصيات وأدوات ولغة حوارية، عُزّزت بالشعر والغناء، حتى ترقى الفكرة إلى ‏أبعد ما يكون، بل وحتى تنبت لها أجنحة تطوف وتحلق بها، وتغازل كل النوافذ التي ‏شرعها الأطفال حينما هموا بقراءة هذا العمل.‏
 
من جهة أخرى، نجد أن شخصية حارس أحلام المدينة، ذلك البطل البارع الذي ‏استطاع- بالثقة والاتزان والوعي- أن يضبط كل ما صدر عن شحبور وصديقته ‏شحبورة من فوضى وخراب وعبث، بوعي وحرفية عالية، وشخصية ثقّابة، خفيفة على ‏قلب الطفل، بعيدة عن المنطقية المفرطة غير المستساغة، استطاع الكاتب أن يجمع ‏الخيوط كلها، فينسجها بالحب والشعر والغناء، وبالحث على العمل والتعاون والعطاء، ‏وأن يلقن عناصر الشرّ والعبث في المسرحية، متمثلة في شخصية "شحبوروشحبورة"، ‏درساً قاسياً كانت الطبيعة – بنحلاتِها- هي البطل المنقذ المنتقم منهما، ليعود الخير ‏والنظافة والبيئة السليمة هما المناخ الطبيعي السليم، الذي طالما كانت المدينة تحلم ‏بهما.‏
 
مما لا شك فيه، أننا أمام نص مسرحي يدرك مؤلفه جيداً، آلية طرح العقدة وانفراجها، ‏بلغة مسرحية خصبة، اكتملت بها العناصر المساعدة الأخرى، فهو يكتب بقلمين معاً، ‏الأول: قلمه ككاتب مسرحي محترف وشاعر للأطفال، والثاني: قلم المخرج الذي رسم ‏به مسارات المؤثرات الصوتية والموسيقية والضوء وانعكاساته على خشبة المسرح ‏والممثل والجمهور، وكأنها ظلال انسجمت مع كل شخصية حسب مهمتها في هذا ‏العمل.  ‏
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد