العيش تحت سقف الكذب - محمد ابداح

mainThumb

29-04-2016 03:37 PM

 في الوقت الذي تسابق فيه مؤيدو السياسة السعودية في المنطقة ‏العربية بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز، لحضور قمة المؤتمر ‏الأسلامي اسطنبول 2016 ، ظهر لاعب بقوة في الساحة ‏السياسية: رولكس!، كان من الصعب عدم الانتباه الى ساعات ‏اليد التي صممتها شركات الساعات السويسرية الفاخرة، والتي ‏اختبأت خلف أكمام بدلات أرماني الأيطالية‎.‎

 
رولكس لم تكن حاضرة وحدها، حقائب غوتشي اليدوية للجنس ‏اللطيف من أميرات وسفيرات، النظارات الشمسية برادا وريبان، ‏كل دور الموضة الحصرية لباريس وميلانو حظيت بتمثيل على ‏أرقى المستويات في قمة اسطنبول، ولكن هنا لا يدور الحديث ‏عن اعلان موضة بل عن فشل سياسي عربي واسلامي فاضح، ‏يكشف هوية الغائبين الحاضرين كمصر وباكستان‎.‎
 
كانت البرجوازية السياسية تقتضي اعلان الدول مشاركتها في ‏مؤامرات أو ما يسمى بمؤتمرات القمم العربية والاسلامية، ولكن ‏الوقائع السياسية العربية اقتضت زيارة ملك السعودية لمصر ‏لتسليمها تذكرة حضور فيلم مؤتمر اسطنبول 2016، وكان ‏الثمن جزيرتين من تراب ارض مصر العربية ، تلك الفئة من ‏زعماء العرب لديها وقاحة كل الوسائل والامكانات لبيع أوطانهم ‏فهم يرأسون شركات وليس دول‎. ‎
 
بالعودة للمنتجات الفاخرة يعتبر أفضل وصف للاحياء الراقية ‏البرجوازية في الدول العربية، مشهد النساء يستقبلن صديقاتهن ‏عصرا، ويقضين المساء في الحديث عن خبراء المساج الذين ‏تلقوا تأهيلهم في أوروبا، وكل ذلك في الوقت الذي يقضي فيه ‏اطفالهن المراهقون وقتهم في مطاعم البيتزا ودور العرض، ‏ويهيمون في مغامراتهم العاطفية، وأصبحت عواصم الخليج ‏العربي من العواصم العالمية للوشم على الاجساد وعمليات ‏التجميل للانوف، مع واقع كهذا لا غرو الا يكون هناك حاجة ‏للثورة، وبمعنى أوضح فان تلك الطبقة تفضل التعاون غير ‏المباشر مع الانظمة الحاكمة وعدم الاكتراث بافعالها‎.‎
 
إن ساعة الصفر التي وقعت فيها كل الثورات الشعبية تاريخيا ‏حانت عندما نشأت فجوة غير قابلة للجسر بين ما يريده ‏البرجوازيين وبين ما يمكنهم ان يحصلوا عليه، وخلافا للاعتقاد ‏السائد بأن الثورات تندلع انطلاقا من عامة الشعب، فهي تقع ‏بالذات عندما تكون البرجوازية وليست الطبقات الدنيا هي ‏المتضررة الاساس، ولمن لم ينتبه، فإن سيناريو من هذا النوع ‏هو بالضبط ما حصل في كل من تونس ومصر عام 2011، مع ‏انهيار اسعار النفط ، واشتداد وتيرة الفساد، حيث اختفت ‏المنتجات الفاخرة عن الساحة البرجوازية، ذلك ببساطة لأن ‏البرجوازية في معظم دول العالم تنبعث من رحم القوى السياسية ‏الصرفة عقب أي ثورة شعبية كانت أم عسكرية، وليس في هذا ‏ما يضمن ان تكون الشروط للثورة قد نضجت بعد، وحيثما ‏اختفت المنتجات الفاخرة عن الساحة البرجوازية في اي دولة ، ‏يتم أثارة عامة الشعب للأنتفاض‎.‎
 
ومثلما نكتب بأسى فأن المطلوب قدرة على الاعتراف بمعاناة ‏وحقوق الشعوب العربية الغير برجوازية، قد تبدو هذه مثل ‏الجملة يسارية، ولكن من يقلها هو بالذات الحاكم العربي في ‏خطابه بعد أن يطالب الشعب بالالتفاف حوله، غير ان ما يطلبه ‏ليس بوسعه ان ينفذه بنفسه، فيا أيها الزعماء العرب انتم لستم ‏نجاسة ، لكن ينبغي عدم الاقتراب منكم ومن مؤتمراتكم كي لا ‏يصاب المرء بمرض معد يسمى الكذب، فمن الصعب القول ‏ماهو أكثر اخافة، معتقلاتكم أم العيش تحت سقف أكاذيبكم‎.‎


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد