قصة من الخيال العلمي (جريمة في قاعة دلتا)

mainThumb

16-10-2017 11:17 AM

نحن الآن في العام ٤٠٠٢م .. جهاز الأمن البشري الموحد في عاصمة المجموعة الشمسية (الكرة الأرضية) يستعد لمواجهة الغزو الفضائي الثاني القادم من الكوكب إكس المرصود في قلب مجرة درب التبانة، منظومة الدفاع الليزرية المنصوبة على كواكب المجموعة وأقمارها تتابع خريطة الزمن المبرمجة على تكنلوجيا النانو ميتر التي تحولت حزمها الليزرية الهجومية الجانبية إلى بعوض إلكتروني.. وبدأ العد التنازلي  لساعة الصفر مع احتساب فوارق الوقت في المجموعة الشمسية.. المسبارات تبعث بالصور الدقيقة من قلب المجرة إلى مركز القيادة الأرضية لحكومة المجموعة الشمسية وعاصمتها الكرة الأرضية.. وفجأة ترد إلى مركز القيادة الطائفية  رسالة فحواها أن معارك مفتعلة استخدم فيه البعوض الإلكتروني  قد نشبت بين طائفة المسلمين الموحدة، على خلفية خلاف بين الفقهاء في محطة الفضاء المركزية (جاليليو) الموجودة على مقربة من الغلاف الجوي لكوكب المشتري والتي تتمتع بحرية أكبر مما يتمتع به البشر الأرضيين الحقيقيين والمستنسخين والآليين المسخرين لخدمة المجتمعات الكواكبية من خلال تقديم الطاعة العمياء والمُبَرْمَجَةُ، للقيادة المركزية للمجموعة الشمسية وبرلمانها المنتخب، وتبين للمركز الإعلامي التابع لوكالة مواقع التواصل الاجتماعي الإستخبارية، أن الخلاف دار حول مسألة تحديد اتجاه القبلة، فيما لو يظل ثابتاً باتجاه كوكب الأرض بالنية المعنوية حيث يوجد الحرم المكي الذي أهملته القيادة، أم يجب احتساب أن الأرض في هذا الكون الأحدب   لا توجد مكانها بدقة كما تراها العين المجردة، وخلاف آخر كان قد نشب حول فريضة الصوم وكيفية تحديد مواقيت الصلوات الخمس، وموضوع الحج وإمكانية إيجاد وسائل ممارسة شعائره من قبل سكان الكواكب الأخرى من المسلمين..  وفق شرع السماء وما  أقرته المنظومة الفقهية في كوكب المريخ، المعممة على بقية الكواكب التي تتحكم بها سلطة علماء تكنلوجيا الشرائح الفكرية،  التابعة لمجلس مفكري السرعة الفائقة التي تتجاوز سرعة الضوء، والقائمين على المسارعات النووية تحت المحيط الهاديء قرب ما كان يسمى بالصين سابقاً قبل نشوب الحرب العالمية الثالثة التي حولت الأرض إلى دمار.. لا بل أن التقرير تناول أيضاً الخلافات السابقة بين الأرثوذكسية والكاثوليكية  حول سلطة البابا الكونية، ولكن الأخطر من كل ذلك هو مطالبة البرلمان المركزي في الأرض من قبل كل الديانات بالسماح للمؤمنين بتزويد أدمغتهم بشرائح تحتوي على الكتب السماوية لتعزيز طاقة الإيمان فيهم كل حسب دينه، والأنكى هو الإجماع على المطالبة بتحريم مخدر دلتا الموجي الذي حول المجاميع البشرية في الأرض إلى قطعان آلية، ومحاسبة منتجيه،
 
وكانت عائلة روتشيلد صاحبة مصانع البعوض الإلكتروني ومخدر دلتا والتي حولت القمر إلى مركز مالي كوني محاط بحراسة مشددة، قد أعدت خطة سرية لضرب جوهر الخلاف في المستعمرة الفضائية العملاقة وتحويله إلى صراع بين الأخوة في الطائفة والدين وتعميق الهوة بين المتصارعين، فعزمت على إرسال شحنة جديدة من مخدر دلتا والبعوض الإلكتروني إلى كوكب المشتري لغاية سرية، وتوزيع بيوضها على آلاف المستعمرات الفضائية المنتشرة حول الكوكب العملاق، ولم يقف على تفاصيل هذه العملية  حتى رئيس الحكومة العالمية في عاصمة المجموعة الشمسية، المتمثّلة بالأرض التي استنفرت بكل طاقاتها للمواجهة، وكانت شاشات العرض تبث خطاب الرئيس الذي طالب المقيمين في المستعمرة الفضائية بضرورة الإلتزام بالأمن والسلام وإنهاء حالة الفوضى السائدة فيها، ناقلاً إليهم قراره بإيفاد مبعوث سياسي من مستعمرة الخوارزمي التي تدور حول المشتري القريب لحل الخلاف في مستعمرة جاليليو بضمانة حكومة مجموعة مستعمرات العملاق الأزرق (المشتري) اللامركزية..
 
وكان ضابط الأمن في المستعمرة ( جاليليو) الفضائية، يقود فريقاً أمنياً وفنياً بغية التهيئة  لاستقبال كبسولة تخزين السلاح التي كانت  مصانع روتشيلد الأرضية قد أرسلتها لتلتحم بالمحطة.. وقد تناهى إلى سمع ضابط الأمن  بأن رئيس جمعية الوفاق الطائفي مجتمع الآن مع المختلفين من قادة الطوائف  في  قاعة ألفا للاسترخاء،  في حوار يسوده التفاهم، وقد أوشكوا جميعاً على التوافق السلمي، ويدرك ضابط الأمن أن هذه القاعة مربوطة مع وكالة مواقع التواصل الاجتماعي الاستخبارية في الأرض والمنوط بها تحليل نقاط  الخلاف علمياً وفق بيانات حواسيب المحطة، ومن ثم تصميم شرائح دقيقة تتضمن برنامجاً توافقياً وفق ما توصل إليه المجتمعون في قاعة ألفا، وتزويد أدمغة  قادة الطوائف  بهذه الشرائح وتعميمها على كل المستعمرات، حيث من غير المسموح به صناعة مثل هذه الشرائح خارج حدود العاصمة ( الأرض) بعد أخذ موافقة الرئيس،  فيما ينبغي على المجتمعين البقاء قيد الحجز   في أجنحة ألفا السكنية الملحقة بالقاعة، إلى حين وصول الشرائح، وخلافاً لما  هو معمول به في الأرض حيث أن  رقم الشريحة يمثل الرقم الإنساني لحاملها بحيث تتحكم ببياناتها أجهزة المخابرات ودوائر الأحوال المدنية، فقد اشترط رئيس الجمعية التوافقية على قبولها شريطة أن تكون محفزات تشغيلها العصبية خاضعة لإرادة الدماغ بينما ينحصر دورها في تزويد عملية التفكير بمعطيات التوافق وتغيب نقاط الخلاف عن الذاكرة السطحية المعززة للعقل  الظاهر.
 
 ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.. فقد بادر ضابط الأمن المكلف باستلام شحنة الأسلحة، بإيعاز من رؤسائه وبمعاونة فريق فني، إلى تعطيل أنظمة المراقبة الخاصة بوحدة قاعة ألفا ومرافقها، بالإضافة إلى عطب نظام نشر موجات ألفا التي تساعد على الاسترخاء،  لا بل ذهب إلى أكثر من ذلك إذ حول درجة بث الموجات إلى موجات جاما ي التي تساعد  على التوتر كي يخلق البيئة التي تدفع المتخاصمين إلى الاقتتال، كما وفتح كل قنوات التواصل التي كانت مغلقة  في القاعة،  مع الجماهير التي ما فتئت تنتظر رئيس جمعية التوافق حتى يضعهم على حقيقة الموقف، ثم   أخذ الضابط وفريقه يزودون  القاعة ببعض الأسلحة الليزرية الفردية ، فيما ترك لقادة الطوائف الفرصة للعودة إلى مربع الخلاف الأول.
 
 وفجأة!  إنتبه الضابط إلى أمر خطير، إذ  كان عليه  فوراً مطاردة عراب الوفاق الذي غادر القاعة، فوجده خارجاً من الحمام، وأطلق عليه حزمة ليزرية، لكنه تجنبها، وحصل تبادل لإطلاق النار بينهما حتى أردي الهدف قتيلا، وانسحب الضابط بعد ذلك من المشهد ليرتب خطة التدخل اللازمة حالما يدخل الفرقاء في حرب جديدة محتومة.
 
"فماذا يدور في خلد روتشيلد الكبير يا ترى!؟. 
 
سؤال كان يضج في رأس رئيس جمعية الوفاق  قبل أن يفتك به ضابط الأمن.. وكان قبل ذلك  قد التقط رسالة طارئة عبر الخواص السمعية الإلكترونية تفيد بالتحام كبسولة تخزين السلاح ، بالإضافة إلى  مخدر دلتا الموجي بالمحطة الفضائية خلافاً لتوجهات جمعيته التوافقية، فيما كان أيضاً  على بينة من  أمر أغراق عملاء روتشيلد  الكواكب المأهولة بهذا النوع  الجديد من المخدرات الموجية المعتمدة على موجات دلتا التي صممت لتسيطر على الدماغ وتتحكم باللاوعي في الإنسان، والجاذبة للبعوض الإلكتروني  القادر على امتصاص  طاقة التفكير الموجية وتخليص الجسد من هالته الكهرومغناطيسية  حتى يعيد برمجة نفسه بواسطتها، فيتكاثر كالفيروسات الصناعية منتشراً في المناطق المأهولة بالكواكب التي قد يصل إليها .. ويبقى عالم المجموعة الشمسية تحت قيادة الفاسدين من الخصيان.
 
وقبل اغتياله بأسبوع كان رجل التوافق  المغدور  قد خطب في جماهير المستعمرة التي كان يسميها مستعمرة المحبة والحريّة  والحوار المفتوح، موضحاً خطورة مثل هذه الأسلحة الفتاكة على اختلافها، منوهاً إلى أن هذه الشرائح الإلكترونية سوف تستغل دون أدنى شك في أهداف مشبوهة، وراح يوضح كيف أنها برمجت الإنسان على التبعية والخوف، فقال مكملاً محاضرته وقد تفصد العرق من جبينه المغطى بالوشم الذي يقي الجلد من التغيرات البيئية:" فمثلاً  حينما يستفحل الفقر في الأرض البعيدة، تلك الأم  الرؤوم؛ تُرَى كيف تراهم سيعالجون الأمر!؟ طبعاً بالإيهام! حيث يتم حل مشاكل الفقراء  من خلال إيهامهم بالقناعة والغنى والإحساس بالشبع من خلال شريحة إلكترونية يؤمروا بغرسها في أدمغتهم من قبل وزارة التنمية الاجتماعية بالتنسيق مع منظمات الحوسبة البشرية التي مسخت الإنسان وبرمجته على تقبل العبودية..
 
وبعد أن تخلص الضابط الأمني من رجل التوافق، شرع يكتب تقريره لرؤسائه حول ما جرى، وأرسله عبر الطيف الإلكتروني المشفر على هيئة حمامة، اخترقت شاشات حواسيبهم وتحولت من فورها إلى أيقونة  على هيئة بيضة، بينما كانوا منشغلين أمام شاشات العرض الإلكترونية المربوطة بحواسيبهم الشفافة، في التنسيق  مع القيادة المركزية للمجموعة الشمسية حول دورهم في صد الهجوم الفضائي المحتمل، وكان رئيس جمعية التوافق قبل اغتياله ومنذ وقت طويل وهو يشكك بحقيقة هذه المعركة:
 
"الكوكب إكس هو مجرد عدو وهمي افتراضي".
 
لكن رجل الوفاق قتل قبل أن يتحكم العقل بإرادته، إذ لجأت قيادة المستعمرة الفضائية إلى فرض قانون الطوارئ القاضي بتصفية القادة العابثين بأمن هذه المستعمرة الفضائية، لذلك كانت قاعة ألفا مكاناً لتصفية الفرقاء بدم بارد، وها هو ضابط الأمن ينفذ الأوامر، ويأمر المجموعة الأمنية التي يقودها بالتوجه نحو الهدف الجديد" ميدان جاليليو حيث تنتظركم الجماهير المخربة"  .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد