من هو أبو الطيب المتنبي ؟

mainThumb

24-12-2017 07:55 PM

 السوسنة – هبة خالد الفاخوري - أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي , ولد في العراق  303 هـ 915  م , يبلغ من العمر50 سنة , عاش أجمل أيامه وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب , وكان من أعظم شعراء العرب ، وأكثرهم تمكن في اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها .
 
وكان يمتلك مكانة سامية وعظيمة لم تتح مثلها لغيره من شعراء العربية , حيث  وصف بأنه نادرة زمانه وأعجوبة عصره , وظل شعره مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء إلى اليوم .
 
وظهرت موهبته الشعرية عندما كان صبي , فهو شاعر حكيم ، وأحد مفاخر الأدب العربي , واشتهر بحدة الذكاء واجتهاده ، وكان في شعره يعتز بعروبته وتشاؤم وافتخار بنفسه وكان أفضل شعره في الحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك ولهذا جاء بصياغة قوية محكمة ، وتدور معظم قصائده حول مدح الملوك ، فنظم أول أشعاره وعمره 9 سنوات .
وبالإضافة أنه كان صاحب كبرياء وشجاعة وطموح ومحب للمغامرات , فهو شاعر مبدع عملاق غزير الإنتاج ، وصاحب الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكر , وجد الطريق أمامه أثناء تنقله لدى الأمراء والحكام لموهبته الشعرية ، وتدور معظم قصائده حول مدحهم .
اقرأ أيضا : 
وشعره لا يقوم على التكلف والصنعة ، لامتلاكه ناصية اللغة والبيان ولتفجر أحاسيسه ، وهذا أضفى عليها لون من الجمال والعذوبة  .
 
نشأ المتنبي بوعيه وذكائه الفطري وطاقته المتفتحة ، فأخذ أسباب الثقافة واستغل حبه للقراءة والحفظ وأثمر عن عبقرية في الشعر العربي , وأعلن في شعره تلميح صريح أشفق عليه بعض أصدقائه وحذره ، فحذره أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل ولم يستمع له وانتهى به الأمر إلى السجن .
 
وعام 337 هـ  وفد المتنبي إلى سيف الدولة الحمداني وعرض عليه أن يمدحه بشعره , وبعد ذلك أصبح من شعراء بلاط سيف الدولة في حلب، وأجازه سيف الدولة على قصائده بالجوائز الكثيرة وقربه إليه , وكان من أخلص خلصائه وبينهما مودة واحترام ، وخاض معه المعارك ضد الروم، وتعتبر سيفياته أصفى شعره .
 
ولكن حافظ المتنبي في إفراد الجزء الأكبر من قصائده لنفسه وتقديمه إياها على ممدوحه ، وعاش مكرم مميز عن غيره من الشعراء في حلب . وكان يرى أنه لم ينال البعض من حقه ، ومن , وأحس بالظمأ إلى الحياة ، والمجد الذي لا يستطيع هو نفسه أن يتصور حدوده .
 
وبعد تسع سنوات ونصف في بلاط سيف الدولة أصابته خيبة الأمل وجرح الكبرياء لاعتداء ابن خالوية عليه بحضور سيف الدولة لرميه دواة الحبر على المتنبي في بلاطه ، ولم ينتصف له سيف الدولة ، ولم يستطع أن يحتمل فعزم على مغادرته ، ومضى  بعزمه , فكانت مواقف العتاب الصريح والفراق ، وآخر ما أنشده إياه عام 345 هـ في ميميته ومنها  : ( لا تطلبن كريماً بعد رؤيته ), وهكذا انتهت العلاقة الوثيقة التي كانت تربط سيف الدولة بالمتنبي .
 
وانتقل ومدح كافور الإخشيدي وأبا شجاع ، وأقام في مصر فترة من الزمن يرقب الفرصة من كافور فيصعد المجد على كاهله ، ومن مدحه له قال :
 
أبا المِسْكِ هل في الكأسِ فَضْلٌ أنالُه فإنّي أُغَنّي منذُ حينٍ وَتَشرَبُ
وَهَـبْتَ على مِـقدارِ كَـفّيْ زَمَانِنَا وَنَفسِي على مِقدارِ كَفّيكَ تطلُبُ
إذا لم تَنُـطْ بي ضَـيْعَةً أوْ وِلايَةً فَجُودُكَ يَكسُوني وَشُغلُكَ يسلبُ
 
حتى وقع الخوف عند كافور منه ، بسبب طموحه إلى الملك وتعاليه في شعره ، فنحاه وصرفه ، فقام المتنبي بهجائه وقصد بغداد ، وكان خروجه من مصر في يوم عيد ، وقال قصيدته الشهيرة التي ضمنها ما في نفسه من مرارة على كافور وحاشيته , وكان فيها  هجوم شرس على كافور وأهل مصر بما وجد منهم من إهانة له وحط منزلته وطعن في شخصيته ومطلعها  :
 
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيدا دونها بيد
 
وتميز شعر المتنبي بألفاظه الجزلة , وقوة معانيه ، وعباراته رصينة ، وتلائم قوة روحه  ، وخصب خيالاته ، وكانت عباراته لا تعتني بالمحسنات والصناعة , حيث كان صورة صادقة لعصره وحياته ، وتحدث عما كان في عصره , ومثل شعره حياته المضطربة , وتميز خياله بالقوة والخصابة .
واستكبر المتنبي عن مدح كثير من الولاة والقادة وحتى في بدايته , حيث مدح كافور الإخشيدي ومدح سيف الدولة الحمداني ، وبلغ قصائده في سيف الدولة ثلث شعره أو أكثر , ومنها :
 
عَـلَى قَـدرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ وتَــأتِي عَـلَى قَـدرِ الكِـرامِ المَكـارِم
وتَعظُـم فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُها وتَصغُـر فـي عَيـنِ العَظِيـمِ العَظـائِمُ
 
ووصف المعارك والحروب التي دارت في عصره وخاصة في بلاط سيف الدولة ، واعتبر شعره سجل تاريخي , ووصف الطبيعة ، وأخلاق الناس ، ونوازعهم النفسية ، وصور نفسه وطموحه , وقال وهو يعاتب سيف الدولة ويفخر بنفسه وبشعره :
 
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي و أسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم
و جاهل مده في جهله ضحكي حتى أتته يد فراسة وفم
 
لم يكثر من الهجاء ,  لأنه يأتي بحكم يجعلها قواعد عامة وتخضع لمبدأ أو خلق ويلجأ فيها للتهكم واستعمال وتشيع جو السخرية بمجرد اللفظ بها , ومن هجائه في كافور الإخشيدي :
 
من أية الطرق يأتي مثلك الكرم أين المحاجم ياكافور والجلم
جازا الأولى ملكت كفاك قدرهم فعرفوا بك أن الكلب فوقهم
سادات كل أناس من نفوسهم وسادة المسلمين الأعبد القزم
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
 
اشتهر بالحكمة وذهبت أقواله مجرى الأمثال بسبب اتصالها بالنفس الإنسانية ومن حكمه :
 
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
يرَى الجُبَناءُ أنّ العَجزَ عَقْلٌ وتِلكَ خَديعَةُ الطّبعِ اللّئيمِ
 
الشاعر الذي قتله شعره توفي عند عودته إلى الكوفة بالقرب من دير العاقول غرب بغداد عام 354 هـ 965 م .
 
ترك تراث عظيم من الشعر القوي الواضح ، وحصد 326 قصيدة ، تمثل سيرة حياته ، حيث صور فيها الحياة في القرن الرابع الهجري أوضح تصوير، ويستدل منها كيف جرت الحكمة على لسانه ، وظهر هذا في قصائده الأخيرة التي بدأ فيها وكأنه يودع الدنيا عندما قال : أبلى الهوى بدني .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد