للقدس سلام غير آتٍ - أسعد تلحمي

mainThumb

15-05-2018 02:38 PM

 للقدس السلام غير آتٍ. جاءها الرئيس دونالد ترامب على جواد الترهيب متحدياً العالمين العربي والإسلامي وغير آبه بموقف العالم الغربي، ليعلن أن القدس عاصمة إسرائيل.

 
 
لم تهوَ مدينة القدس وزهرة المدائن بقرار ترامب، إنما هوت قبل أكثر من نصف قرن. لم يسأل عنها أحد وتركوها تحت أقدام احتلال لا يعرف الرحمة، فغيّر معالمها عن بكرة أبيها، صادر أراضيها ليقيم عليها 15 مستوطنة فضلاً عن الجيوب الاستيطانية داخل الأحياء الفلسطينية، ليرتع فيها اليوم أكثر من 250 ألف مستوطن.
 
لم يأتِ الغضب الساطع ليحرر القدس، وتلهّى العرب في الخلافات بينهم وسط صراع عنيف بين «فتح» و «حماس» حول مراكز النفوذ تاركين القدس ومعركتها لأهلها، فيما حوّلت حركات دينية الصراع على القدس إلى صراع ديني محصور في المسجد الأقصى المبارك، استغلته إسرائيل لتروّج لدعايتها بأن الصراع ليس قومياً ولا على الأرض إنما صراع ديني.
 
منذ أشهر تقرر يوم «الاحتفال» بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ولم يتحرك العرب، ولا الفلسطينيون في الضفة الغربية، ولا حتى في القدس ذاتها، اللهم باستثناء حراك شعبي في قطاع غزة.
 
تُركت القدس فخلا الميدان لـ «حميدان» الإسرائيلي، ولم يستطع نهر الأردن محو آثار القدم الهمجية، ولم تُعِد أيادي العرب البهاء للقدس، ولم يهزم العرب وجه القوة، بل تقف القوة اليوم فوق كل الاعتبارات، وبحسبها تسير الأمور.
 
القوة والاستقواء، وبلغة الإسرائيليين الردع والترهيب، هما المعادلة التي يستنير بنورها قادتها.
 
جاء الاحتفال بنقل السفارة بعد أسبوع انتفخت فيه صدور الإسرائيليين عنجهية لنجاح الضربة التي وجهها الطيران الحربي لعشرات المواقع الإيرانية والسورية في سورية. تباهى الطيران الحربي بأن عمليته هي الأوسع منذ 44 عاماً، وبأن جميع الطائرات عادت غانمة سالمة. بفضل هذه العملية ومصحوبةً بتصريحات نتانياهو العنترية جعلته في عيون الإسرائيليين «ملك إسرائيل» فقفزت شعبيته وحلّقت، وألّف له الإسرائيليون الأغاني الخاصة ونظموا القصائد مهللين لـ «الذراع الطويلة لإسرائيل»، مهددين الفلسطينيين بمصير مماثل إذا ما «تخطوا الخطوط الحمراء» في تظاهرات النكبة، معلنين على الملأ بأن الجنود تلقوا المعلومات بإطلاق الرصاص القاتل في حال شعروا بأن حياتهم في خطر.
 
تشعر إسرائيل أن يدها طليقة، وبأن البيان الأميركي التلقائي جاهز دائماً ليقول إن «لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها».
 
ترى إسرائيل أنها تحقق «انتصاراً ساحقاً» في ميزان مئة عام صراع على الفلسطينيين والعرب، عسكرياً وسياسياً وعلماً وتطوراً. وسط ميل استراتيجي لقوى عربية لمواجهة العدو المشترك: إيران. وإزاء وهن المشروع الفلسطيني أو بالأحرى غيابه بالكامل، ينحصر الرد المتواضع على العربدة الإسرائيلية في الصعيد الشعبي، في غزة أساساً.
 
بالأمس ادعى رئيس البلدية الإسرائيلية للقدس بشطريها الغربي والشرقي نير بركات، متبجحاً، بأن فلسطينيي القدس معنيون بالبقاء تحت الحكم الإسرائيلي ويفضلونه على حكم فلسطيني، لكنه لم يجد جواباً مقنعاً على سؤال محاوره كيف يمكنه الحديث عن القدس موحدة بينما على أرض الواقع ما زال الشطر الشرقي منفصلاً ومهملاً لا يعني حكومات إسرائيل ولا البلدية الإسرائيلية للمدينة، وأن الشرطة تخشى حتى دخولها.
 
من جهتها، فطنت الحكومة الإسرائيلية بالمقدسيين المهملة أحياؤهم وبلداتهم، فقررت في «يوم الاحتفال بتوحيد القدس» تخصيص نحو 600 مليون دولار تصرف خلال السنوات الخمس على خطة تطوير شاملة في مختلف المجالات، «لتعزيز السيادة الإسرائيلية على القدس»، لكن الجزء الأكبر من هذا المبلغ سيُصرف على تشجيع الأسرلة في جهاز التعليم في القدس الشرقية، هكذا بحسب البيان الرسمي، من خلال إغراء مدارسها بتبني مضامين التعليم لوزارة التعليم الإسرائيلية لا الفلسطينية، وهو ما يعارضه الأهالي بشدة معتبرين الخطة الإسرائيلية محاولة مفضوحة لشطب الهوية الفلسطينية للطلاب المقدسيين.
 
قبل سنوات كثيرة قال مؤسس الدولة العبرية ديفيد بن غوريون: «السؤال ليس ماذا سيقول الأغيار (عنا)، إنما ماذا يفعل اليهود». يبدو، في الوقت الراهن على الأقل، أن مسألة القدس حسمت إسرائيلياً بحسب هذه المقولة، على أمل أن يتحرك العالم ويوقف خطوات ترامب المتسارعة نحو تتويج إسرائيل شرطيّ المنطقة.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد