تأشيرات الدخول لحكومة عادل عبدالمهدي - إبراهيم الزبيدي

mainThumb

28-10-2018 03:26 PM

 على مدى أربعة عشر عاما، بالتمام والكمال، من الشهادات الدولية الموثّقة عن الخطف والتمثيل بالجثث ونهب منازل المدن التي تدخلها الميليشيات واختلاس المال العام بالمليارات وتهريبها إلى دبي وبيروت وعمان ولندن وباريس، ظل خبراء المنظمات الدولية والمحققون والكتاب والسياسيون العراقيون والعرب والأجانب، والملايين من العراقيين، شيعة وسنة، عربا وأكرادا، مسلمين ومسيحيين، يتلقوْن من الشطار الكبار المهيمنين على السلطة والسلاح والمال أقذع أنواع الشتم والتكفير والتخوين والتحامل على قادة (حكم الطائفة) في العراق وعلى الجارة المحبة الخيّرة المساعِدة الرحيمة إيران، معتبرين شهاداتهم وبياناتهم ونتائج تحقيقاتهم ضربا من الظلم والافتراء.

 
لكن الذي يؤمن بأن العراق في عهدهم نزل أسفل سافلين في جميع المجالات والميادين، سواء في علاقاته الخارجية أو في شؤونه الداخلية، هو المواطن العراقي بما يراه ويسمعه ويلمسه، كل يوم وكل ساعة، ولا يحتاج إلى شهادة من أحد آخر، فالحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية والقضاء لهم وحدهم دون شريك.
 
ومنذ العام 2005، كان القرار، وما يزال، وسيظل لإيران ووكلائها العراقيين ولحلفائها المتعاضدين معها من السنة العرب والأكراد وباقي المتعلقين بأذيال السلطة من الانتهازيين والمرتزقين والمتمرسين بالنفاق والنميمة ومسح الجوخ. ولم يصبح رئيسا ولا وزيرا ولا سفيرا ولا تاجرا ولا صاحب بنك أو مالك حزب وميليشيا دون إذن مختوم من الشطار الكبار، وبرضا قاسم سليماني قبل أي زعيم غيره.
 
لكن، الذي فعله رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي جديد حقا ولم يسبقه إليه أحد من قبل. فقد فرش للعراقيين سهولا من الماء والخضراء والوجه الحسن، حتى كاد المواطن المنبوذ والمحتقر والمعاقب والمهمّش أن يصدقه، وأن يفيق من غفلته، ويتثاءب، ويتفاءل، ويحسب الأيام والساعات لولادة حكومة العدل والنزاهة والاستقلال والحلم الجميل.
 
من آلاف الذين استدرجهم، على الإنترنت، لعرض أنفسهم عليه ليختار أفضلهم وأكفأهم وأشرفهم وأكثرهم نزاهة واستقلالا ووطنية لم يجد أفضل من أربعة عشر وزيرا قادما من مضارب هادي العامري ومقتدى الصدر وعمار الحكيم ومسعود البارزاني وإياد علاوي وزعماء سنة إيران العائدين إلى الصراط المستقيم بعد ضلال مبين. فالمؤكد والموثق هو أنْ ليس بين الوزراء الجدد واحد مستقل حقيقة، وليس مكفولا من أحد الكبار.
 
من يقرأ البيان الوزاري الهائل الذي نال عليه عادل عبدالمهدي ثقة برلمان الكتل الكبيرة التي يملك رقاب نوابها الشطارُ الكبار، أنفسُهم وليس غيرهم، لا بد له أن يتساءل، هل كان رئيس الوزراء بكامل قواه العقلية حين كتب ذلك البيان، وعارفا حدّه وواقفا عنده، أم هو متمرس في فنون التمويه والتضليل والملاعبة والمداهنة مكلف بتنويم الجماهير الغاضبة أشهرا أو ربما سنوات، كما فعل سلفه الرئيس الزئبقي حيدر العبادي، دون أن ينفذ شيئا من بيانه الوزاري المخيف؟
 
الحديث عن استقلالية القرار العراقي حديث عن السلاطين. وحكاية الوزراء التكنوقراط المستقلين الذين استوزرهم دون وصاية الأحزاب الحاكمة خرافة الخرافات، وذلك لأن كل واحد منهم جاء من داخل حصة ولي أمره وقائده وزعيمه، وبرضا الباب العالي في إيران قبل كل شيء.
 
لكي نضع نقاط الشعب العراقي على حروف رئيس الوزراء الجديد نتساءل: هل سيمتنع عن توجيه وزير الخارجية باتخاذ مواقف عراقية خالصة حتى لو اختلفت مع ما تريده إيران؟ وهل سيلتزم بالعقوبات الأميركية ويواجه الغضب والشتم والاتهام بخيانة الزاد والملح من قبل حبايب إيران، مثلا، أم يلجأ إلى التهريب والتلاعب والالتفاف عليها واستغباء المراقبين الأميركيين؟
 
وهل سيستطيع فتح أي ملف فساد من ملفات الشطار الكبار، وهل سيمنع الأحزاب والميليشيات من حمل السلاح في الشوارع وممارسة الابتزاز والنصب والاحتيال؟ وهل يوقف حملات الاعتقال الكيفي غير القانوني والاختطاف ومقايضة المخطوفين بالمال؟ وهل سيستطيع منع الاختلاس حتى لو كان الذي قام أو أمر به هادي العامري أو نوري المالكي أو إياد علاوي مثلا؟
 
وهل سيلغي القوانين الجائرة التي أسست لخراب البصرة وديالى والنجف وكربلاء وبغداد وتكريت والموصل والرمادي والفلوجة وأربيل والسليمانية، وخاصة قانون اجتثاث البعث الذي أسموه قانون المساءلة العدالة، وهيئة النزاهة، والهيئة العليا للانتخابات، وهيئة الإعلام والاتصالات، وهيئة الاستثمار، ثم يُعيد تشكيلها بالعدل والنزاهة، ودون مقاييس طائفية أو عرقية أو مناطقية أو حزبية أو قبلية؟
 
وهل سيعيد المهجّرين الذين تمنع فصائلُ من الحشد الشعبي عودتَهم إلى ديارهم، خصوصا أبناء المحافظات المغضوب عليهم والضالين؟ وهل يضمن لمئات الألوف من العراقيين الهاربين من ديارهم والتائهين في أقطار الأرض الواسعة أمنهم وسلامتهم إذا عادوا ليخدموا وطنهم وأهلهم بعد غياب طويل؟
 
نعم، يستطيع أن يفعل كل ذلك، وربما الأكثر منه، لو كان نبوخذ نصر أو حمورابي أو طرزان. فليس في الإمكان أفضل مما كان مما يسمح له بقوله أو فعله الشطار الكبار الذين هم على كل شيء قديرون، رغم كل ما يحلم به البصريون والنجفيون والكربلائيون والبغداديون والتكارتة والموصليون والكركوكيون والأربيليون والسليمانيون. وما على أهل العراق سوى الانتظار والضحك، ثم بعد ذلك البكاء.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد