قطر إلى أين وساعة الصفر الصينية الروسية في حرب وشيكة

mainThumb

02-02-2022 07:53 PM

ليس خافياً على المراقبين أن العلاقات بين دولة قطر وحلف شمال الأطلسي "الناتو"قديمة جديدة وتقع ضمن إطار "مبادرة إسطنبول للتعاون" التي انضمت إليها دولة قطر في السادس عشر من شهر فبراير 2005م ، وكانت أول ثمرات اتفاق الشراكة بين الجانبين موافقة مجلس حلف شمال الأطلسي ( أعلى هيئة تنفيذية في الحلف ) على تسمية السفارة القطرية لدى مملكة بلجيكا كبعثة معتمدة لدى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتم بموجب ذلك اعتماد سفيرها لدى مملكة بلجيكا كرئيس لبعثة دولة قطر لدى حلف شمال الأطلسي.
وكان لهذا الاعتماد أهمية استراتيجية بالنسبة لقطر تتعلق بالتهديدات التي تعرضت له مباشرة من قبل دول المقاطعة.
إلى هنا ويبدو الأمر مفهوماً في سياقه الاستراتيجي إلى أن جاء الموقف الأمريكي الأخير إزاء قطر حيث أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن الكونغرس رسمياً بتصنيف دولة قطر حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي "الناتو"، عقب المباحثات التي أجراها مع الشيخ تميم في أول لقاء قمة يعقده مع قائد خليجي في البيت الأبيض منذ توليه الرئاسة قبل عام.
 
فماذا يعني إعلان قطر حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة من خارج الناتو؟ 
 
وبعيداً عن الفوائد التي ستعود على الدوحة من جرّاء اتخاذ قرار التحالف القطري الأمريكي في ظل "الناتو"، وخاصة ما يتعلق بالتدريبات العسكرية المشتركة وعقود صيانة السلاح الأمريكي إذا نشبت حرب في أوكرانيا مع أن الإشراف على ذلك سيكون ضمن الكوادر الفنية الأمريكية، ولكن الأضرار الكارثية فقد تم إخفائها بالتماهي مع ضوضاء الاحتفالات القطرية بالإعلان الأمريكي المبهم كونه جاء متزامناً مع الأزمتين الأوكرانية والتايوانية، فإن رائحة الطاقة (النفط والغاز) ستبدو أكثر نفاذاً لدى المراقبين، كونها الهدف من قرار الزج بقطر في أتون حرب لا ناقة لها فيها أو بعير.. فهي السلاح الاستراتيجي الذي لن تهدره أمريكا في استنزاف كلٍّ من روسيا والصين اقتصادياً على مدى المواجهات القريبة المحتملة، والمدى البعيد في إطار حرب باردة تبدت ملامحها وتنتظر اصطفافات جديدة.
وخاصة أن الغاز الروسي بات السلاح الروسي الأقوى الذي بات يحرج موقف الدول الأوربية المنضوية في ظل حلف "الناتو" والمحكومة باتفاقيات دفاع مشترك مع أمريكا، ناهيك عن استشعار "الناتو" الذي يعتمد على الدعم الأمريكي بشكل رئيسيّ، بالخطر المحدق فيما لو حصل المحظور ونفذت روسيا أجندتها بإقدامها على احتلال أوكرانيا في حرب خاطفة، مع أن موسكو اعترفت مسبقاً باستقلال أوكرانيا، وإن خطوة كهذه تعتبر احتلالاً لا يمكن أن يمر دون تبعات قاسية على المعتدي.
 
ولعل الحسابات الأمريكية المتشابكة ستتجاوز أوروبا إلى ما هو أخطر فيما لو تزامنت ساعة الصفر بين قرار روسي باحتلال أوكرانيا التي تتلقى دعماً عسكرياً أمريكياً مفتوحاً، واسترداد الصين لتايوان التي تعتبرها جزءاً محتلاً من الصين الموحدة. وهو ما سيفتح شهية المراهنين على الذهاب إلى حرب عالمية ثالثة تنبأ بها أكبر المحللين وعلى رأسهم وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنجر في أكثر من مناسبة. 
 
وللإجابة على سؤال لماذا تدرج قطر الآن كحليف خارجي لحلف الناتو؟
 
سنبحث أولاً في تفاصيل حرب الطاقة بين الخصوم المتصارعين على الكعكة الأوكرانية بما فيهم الدب الروسي الواثق من خطواته، وانعكاسات ذلك على التنين الصيني الذي ينسق مع الروس -وفق مراقبين- في السر وكما يبدو لاقتناص فرصة استرداد تايوان من براثن الثور الأمريكي في حرب محتملة ومن المؤكد أنها لن تنتهي وفق حسابات البيدر التي ستخالف حسابات الحقل في حرب ضروس. 
 
ولنبدأ بمعايير استيراد الغاز التي تعتمد فيها عقود الشراء على الكمية والزمن والسعر المناسب.. وهي جميعاً متوفرة في العقود البينية مع روسيا التي توفر نصف إمدادات أوروبا من الغاز، هذا إذا علمنا أيضاً بأن روسيا تنتج 200 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي، منها أكثر من 177 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي يذهب إلى أوروبا. هذا غير ما تستوعبه الأسواق العالمية من الغاز الطبيعي الروسي،وقد أكد رئيس مجلس إدارة "غابرو" ألكسي ميللر، بأنه بإمكان "غازبروم"، زيادة إنتاجها بنسبة 4.8% لتصل لما هو مخطط له.
 
أما الخيار القطري الذي أدخله مؤخراً جو بايدن في حسابات المواجهة مع روسيا، واعتماداً على تقرير حديث لجهاز التخطيط والإحصاء القطري صدر في 18 يناير العام الجاري، فقد بلغ إنتاج قطر من الغاز الطبيعي خلال عام 2020 مستوى 171.3 مليار متر مكعب (126 مليون طن متري)، وهو ما يعادي 4.4 بالمائة من إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي في العالم، ما يجعل قطر تحتل المرتبة الخامسة كأكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم بعد الولايات المتحدة، وروسيا، وإيران، والصين.. ويعتمد الكثيرُ من دول العالم على الغاز الطبيعي القطري حتى الصين التي تحتاج للمزيد وتستورد من قطر لتعويض النقص لديها.
 
فهل تستطيع قطر إذن توفير حاجة أوروبا من الغاز الطبيعي لو قطعته روسيا عنها ؟ 
 
فمن الطبيعي أن فائض الإنتاج القطري من الغاز الطبيعي لن يحل مشكلة أوروبا حتى لو ألغت قطر عقودها مع المستوردين لتوفير المطلوب.
 
ولو افترضنا جدلاً أنها نجحت نسبياً في ذلك وتحملت قطر التبعات السياسية، والقانونية، والمعنوية كثقة العملاء بها، فهل يغض التنين الصيني الطرف عن ذلك، وخاصة أنه يعتبر نفسه الورقة التايوانية الخفية في الأزمة الأوكرانية والشريك المحتمل في الإعلان عن ساعة الصفر مع روسيا، والذي سيدرج قطر لو فعلت ذلك في قائمة الأعداء! 
وهذا خطير جداً بالنسبة لقطر المقبلة على مستقبل تنموي بهار.
 
وهل بوسع قطر أيضاً تجاوز عامل الوقت المرتبط بأقصى طاقة فنية متوفرة لتنفيذ استراتيجية تعويض النقص الطارئ في الغاز الروسي بصفة الاستعجال إلى أوروبا ؟ وخاصة أن العقود الصينية القطرية من المحتمل أن تُنْتَهَكْ على اعتبار أن القرارين السياسي والعسكري أصبحا مرتبطين بقرار "الناتو" بعد إدخال قطر كحليف كامل خارجي في الحلف وخاصة لأمريكا؛ ما سيجبرها على التخندق معه في مواجهة روسيا والصين إذا توحدت ساعة الصفر الروسية الصينية إزاء أوكرانيا وتايوان. 
 
في المقابل فإن قطر سوف تصبح هدفاً عسكرياً للخصمين الروسي والصيني على افتراض أن قرار الحرب يتم بالتنسيق بينهما لإرباك الطرف الأمريكي أي أن حقول الغاز التابعة لشركة " قطر غاز" والناقلات البحرية التابعة لها سوف تدرج ضمن الأهداف الثابتة والمتحركة.
 
لقد درجت أمريكا على استنزاف حلفائها إذا ما استثنينا ما يسمى ب إسرائيل مادياً ومعنوياً لتحقيق مصالحها، والتاريخ شاهدٌ على ذلك، وها هو يتكرر في أوروبا من خلال جرّها إلى حرب استنزاف لا تبقي ولا تذر، ربما لأن الولايات المتحدة تعتبر حلفائها كباراً وصغاراً مجرد دول وظيفية وُجِدَتْ لدعم الأجندة الأمريكية في العالم بذريعة التحالف وحماية الأمن المشترك بعيداً عن النديّة. فما بالك والحليف هذه المرة إمارة عربية صغيرة كقطر؟ فيما الحرب وشيكة حتى صارت على مشارف روسيا والصين.. فالدول الوظيفية لا تمتلك زمام نفسها.. لذلك فالخطوة القطرية كارثية، ونسأل الله العناية والرشاد في حرب أقحمت عليها قطر دون أن يكون لها ناقة أو بعير.. في عالم يسوده طغيان القطب الواحد.. المتمثل بأمريكا وحلفائها المتنفذين مثل تل أبيب.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد