موقف الجماعة الاسلامية في لبنان معيب وبحاجة الى مراجعة

mainThumb

24-06-2009 12:00 AM

ما زالت أصداء الانتخابات النيابية اللبنانية تتوالى. وهي الاصداء التي بدأت قبل الانتخابات بزمن طويل، ورافقتها، وما زالت تتوالى حتى يوم الناس هذا . وكأن ما جرى في لبنان لم يكن تصويتاً لاختيار 128 نائباً يمثلون السلطة التشريعية في هذا البلد . فقد صور الامر وكأنه حرب كونية، تريد تحديد هوية العالم للمرحلة القادمة. ولعل هذا ما يفسر الكثير من الظواهر التي سبقت، ورافقت، وتلت هذه الانتخابات. فما معنى ان تشكل الادارة الامريكية فريق عمل يتابع تطورات العملية الانتخابية ساعة بساعة، حيث تكون هذا الفريق من السفير الامريكي السابق في بيروت جيفري فيلتمان بالاضافة الى العاملين في مكتب لبنان في وزارة الخارجية الامريكية مع مجموعة عمل من جهاز الامن القومي الامريكي وفريق السفارة الامريكية في بيروت والذي تم تعزيزه. وكان فريق العمل الامريكي هذا يقوم بتنفيذ برنامج عمل يومي ، دبلوماسي وسياسي واعلامي ، و أمني ، لضمان فوز فريق 14 آذار في الانتخابات ، وكانت توضع امامه نتائج الاستطلاعات وتقديرات المؤسسات الامنية الرسمية وتقديرات الجهات السياسية على اختلافها، بالاضافة الى تحديد المناطق التي يجب أن يتم التدخل فيها والمناطق التي يجب الضغط عليها لضمان فوز 14 آذار؟
?Z وما معنى ان يحضر نائب الرئيس الامريكي بنفسه الى لبنان. ويترأس اجتماعاً انتخابياً لفريق الرابع عشر من آذار. ويعلن ربط المساعدات الامريكية للبنان بنتائج الانتخابات البرلمانية ويهدد بوقفها وبعلاقة من نمط اخر مع لبنان اذا فازت المعارضة؟
?Z وما معنى هذا الجهد الذي بذلته دول نفطية. على الصعد المالية والسياسية والدبلوماسية والاعلامية لضمان فوز فريق 14 آذار ؟
?Z وما معنى ان تتشكل غرفة عمليات من 43 سفيراً معتمداً في لبنان لمتابعة مجريات الانتخابات كانت تجتمع بصورة دورية لتبادل الرأي ووضع الخطط وآليات التحرك للتأثير في مجرى الانتخابات ونتائجها؟
?Z و ما هو سر هذا الاستنفار الاستخباراتي في العديد من دول العالم لمتابعة هذه الانتخابات ؟
?Z وما هو سر هذا الجسر الجوي الذي اقيم بين بيروت والعديد من دول العالم وقاراته لنقل الناخبين؟ ومن تحمل نفقات هذه الآلاف المؤلفة من الذين شحنوا للادلاء بأصواتهم ومنهم إسرائيليون دخلوا لبنان بجوازات سفر بعضها امريكي وبعضها مزور كما اعلنت ذلك الاجهزة الامنية اللبنانية؟
?Z وما هو سر هذا الاستنفار الاعلامي الضخم للتهويل والتخويف من فوز المعارضة في الانتخابات. والتخويف من اثر هذا الفوز على المنطقة وتوتير اجوائها ومن ثم عزل لبنان؟
?Z وما هو تفسير هذا الدعم السياسي الاعلامي الذي قدمته دول اقليمية ودولية لفريق دون اخر في هذه الانتخابات ؟
الا يدل ذلك كله على ان البعض تعامل مع الانتخابات اللبنانية وكأنها حرب كونية. وهي كذلك في وجه من وجوهها. ذلك ان ما جرى كان تصويتاً على خيارات إستراتيجية في المنطقة والعالم. ولعل هذا ما يفسر وضوح بعض وسائل الاعلام خارج لبنان في تفسيرها للنتائج التي اسفرت عنها الانتخابات فدفعتها نشوة الفوز الموهوم الى ان تتصدر صفحاتها عناوين ضخمة من مثل انكسروا... وانتصر لبنان واذا عرفنا من يرعى ويمول هذه الصحف، والمجلات والفضائيات والاذاعات والمواقع الالكترونية عرفنا بين من ومن، وعلى ماذا جرت الانتخابات في لبنان . ولماذا تسارعت الدعوات بعد اعلان النتائج مباشرة للسلطات اللبنانية، وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل كي ينخرط لبنان بما يسمى بعملية السلام في الشرق الاوسط. والى تنفيذ قرارات مجلس الامن. وهي القرارات التي تصب في مصلحة اسرائيل. وتحاول ان تنتزع لاسرائيل بالدبلوماسية ما لم تستطع ان تحققه بالحرب. خاصة لجهة نزع سلاح المقاومة. ومن هنا يمكننا فهم اصرار بعض المحليين والسياسيين على ابراز بعض النتائج التي اسفرت عنها الانتخابات وتفسيرها بما ينسجم مع خدمة المشروع الاسرائيلي. خاصة عندما يصر هؤلاء على تفسير نتائج الانتخابات بأنه استفتاء على سلاح المقاومة. وبأن المقاومة لم تعد محل اجماع وطني. وهو الاجماع الذي نفى السيد حسن نصر الله الامين العام لحزب الله وفي اكثر من مرة أنه توفر في مرحلة من المراحل حول سلاح المقاومة في لبنان. أو حتى حول سلاح المقاومة في أي مجتمع في الدنيا. ذلك انه ما من مجتمع بشري يخلو من المنافقين والمنهزمين والمستسلمين للعدو. وهؤلاء يناصبون في العادة المقاومة وسلاحها العداء.
اما ان الانتخابات كانت استفتاء على سلاح المقاومة فان هذا القول يصب في مصلحة المقاومة، لان عدد الاصوات التي حصلت عليها المعارضة اللبنانية يفوق بكثير عدد الاصوات التي فازت بها قوى14آذار. وبهذا المعنى فان الاكثرية الشعبية اللبنانية انحازت الى سلاح المقاومة. ولكن ماذا نقول بقوانين الانتخابات في بلادنا التي تجعل مرشحاً يفوز بحفنة اصوات وتمنع مرشحاً حاز على آلاف الاصوات من الوصول الى الندوة البرلمانية. لاسباب طائفية أومذهبية او جهوية. فالانتخابات في كل بلاد الدنيا تجري لتعكس الارادة الحقيقية للناس. الا في بلادنا فان قوانينها توضع لتزيد مشاكل الناس تعقيداً وانقساماً وعمقاً. فترسخ الجهوية والطائفية والمذهبية والاقليمية. وتزيف ارادة الناس عندما تعطي لاقلية اكثر مما تستحق لهذا السبب المذهبي او ذاك التبرير الطائفي، او هذا التوازن الجهوي. واذا حدث وأن أجريت انتخابات نيابية فاز بها من يمثلون الارادة الحقيقية للناس تم الانقلاب على نتائج هذه الانتخابات. حدث ذلك في الجزائر وحدث في فلسطين وفي أماكن أخرى كثيرة وكأن النواب في بلادنا لا يصلون الى الندوة البرلمانية لتمثيل كل ابناء الوطن أنما لتكريس انقساماتهم الطائفية والمذهبية والجهوية. وهذا ما عبرت عنه اصدق تعبير الانتخابات النيابية الاخيرة في لبنان. الذي يصلح لأن يكون مختبراً لمعرفة مخاضات الاحداث على مستوى المنطقة. خاصة على صعيد خيارات المواجهة مع اسرائيل. التي كانت اول المرحبين بنتائج الانتخابات اللبنانية والمرتاحين لهذه النتائج. لذلك فان الانتخابات النيابية اللبنانية تستحق ان تدرس لمعرفة العوامل المؤثرة في سير الاحداث في منطقتنا لتحديد اليات التعامل مع هذه العوامل ومع هذه الاحداث فما هي اهم العوامل التي اثرت في نتائج الانتخابات اللبنانية ؟
لا يحتاج المرء الى كبير عناء ليقرر ان التحريض المذهبي والطائفي لعب الدور الرئيسي والحازم في نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية. وعندي ان هذا العامل هو اخطر العوامل واهمها لانه يمثل عينة لما يمكن ان تتجه اليه المنطقة من تحريض مذهبي وطائفي، لابقائها في حالة توتر ومن ثم اغراقها في أتون حروب مذهبية وطائفية تحقيقاً للهدف الاسرائيلي الامريكي باستبدال العداء بين امتنا وبين العدو الاسرائيلي بعدو جديد هو ايران. الذي يجري التحريض ضدها مذهبيا. وفي هذا الاطار يمكننا فهم اشارة الرئيس الامريكي باراك اوباما في خطابه بجامعة القاهرة الى موارنة لبنان وأقباط مصر والى السنة والشيعة وفهم الدعوة الصريحة والوقحة التي وجهها نتنياهو الى العرب لتكوين جبهة منهم ومن اسرائيل لمواجهة ما اسماه بالخطر الايراني.
ان هذا الهدف الاسرائيلي الامريكي باستبدال العداء في المنطقة من عداء اسلامي اسرائيلي الى عداء عربي اسرائيلي لايران، من شأنه تمزيق امتنا وحرمان مقاومتها من عمقها الاستراتيجي. بل واشغالها بمعارك جانبية. واغراقها في قضايا محلية ذات طبيعة مذهبية تفقدها جزءاً عظيماً من انصارها. ومن حضانتها الجماهيرية، ولعل مما يسهم في تحقيق هذا الهدف الاسرائيلي لا سمح الله، اهمال البعد التربوي بمضمونه الوحدوي في خطاب المعارضة اللبنانية على وجه الخصوص. والقوى المؤيدة للمقاومة في العالم الاسلامي على وجه العموم والتركيز على البعد السياسي بالعموميات وعلى الادارة السياسية والمشاركة السياسية. دون تقديم مشروع متكامل واضح المعالم للاصلاح السياسي.
وفي هذا المجال من المهم الاشارة الى الموقف المعيب للجماعة الاسلامية في لبنان، اثناء الانتخابات اللبنانية. وهو الموقف الذي صب في خدمة المشروع المذهبي وفتنته. خاصة عندما قبلت الجماعة بأن تكون بصورة من الصور جزءاً من تحالف يضم القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع والكتائب بقيادة امين جميل ومن ثم فقد قبلت بان تكون تحت توجيه و أبوية البطريرك صفير. عراب تحالف الرابع عشر من آذار. و هو العراب الذي استغل عشية الانتخابات اللبنانية وفي الساعات التي يمنع القانون فيها التصريحات السياسية حول الانتخابات فاطلق تصريحاً كان له تأثيرٌ حاسمٌ على نتائج الانتخابات فخالف القانون ليشد من وتر الطائفية ودفع نسبة من المترددين للتصويت لمصلحة الخيار الذي يعلن عداءه للمقاومة. وهو الامر الذي يجعلنا نتساءل ايضا عن الدور المشبوه لبعض المراجع الدينية في الانتخابات النيابية اللبنانية. واصرار بعض المطارنة على مواصلة الاتصال الشخصي يوم الانتخابات لحث الناس على الاقتراع ضد المعارضة بزعامة المقاومة الاسلامية. وهنا يجب ان نشير ايضا الى سكوت الكثير من الاقلام عن ممارسات بعض رجال الدين المسيحيين السياسية بصورة مباشرة، ومكتفة. وصراخ هذه الاقلام عندما يتحدث عالم دين اسلامي في السياسة حيث يتمترس هؤلاء خلف مقولة فصل السياسة عن الدين فلماذا يصمت هؤلاء عن ممارسة رأس الكنيسة المارونية البطريرك صفير اليومية للسياسة وعن خطبه وتصريحاته السياسية ؟! ولماذا يخوفون الناس من ولاية الفقيه، ولا يخافون على هوية الامة من دعوات المسخ والتغريب؟؟
ألا تدفع كل هذه المعطيات الجماعة الاسلامية في لبنان لمراجعة حساباتها ومواقفها؟ فتكون رافعة للوحدة الاسلامية بدلاً من ان تكون اداة من ادوات الفتنة المذهبية شريكاً في مؤامرة تتفيه اهل السنة وجرهم لخندق غير خندقهم . فالاصل في المسلم ان يكون في خندق المقاومة والجهاد لا في الخندق المقابل . والاصل في المسلم ان يتسامى فوق الجراح وان يصلح ذات البين . لا ان يصب الزيت على نار الخلافات . هذا هو الاسلام الذي تعلمناه . وهكذا هو الاسلام كما فهمه الامام الشهيد حسن البنا داعية الوحدة والتقريب.
لا اريد في معرض حديثي عن الاسباب التي ادت الى النتائج المعلنة للانتخابات النيابية اللبنانية ان ابراء المعارضة النيابية اللبنانية من مسؤولية هذه النتائج. فهي تتحمل ايضاً مسؤولية هذه النتائج، ليس بسبب اهمالها للبعد التربوي الوحدوي في خطابها فقط، بل وايضاً الى الثقة الزائدة بالنفس التي تحولت عند البعض الى نوع من الاستعلاء. مما أوقعهم في خطيئة الاستخفاف بالخصم.ولا اريد هنا ان استحضر معركة حنين وقوله سبحانه وتعالى: ويوم حنين اذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا
قضية اخرى لا بد من الاشارة اليها ونحن نتحدث عن الاسباب التي قادت الى هذه النتيجة. وهي ان المعارضة اللبنانية ظلت في خطابها عن فساد الفريق الاخر محصورة بالعموميات. ولم تقدم نماذج محدودة. ولم تركز على ابراز الاخطاء المسلكية للطرف الاخر. مما جعل خطابها في اطار الاتهامات المتبادلة بين فريقين.
ومن القضايا التي اكدتها الانتخابات النيابية اللبنانية والتي لا بد من الاشارة اليها ونحن نتحدث عن الاسباب التي ادت الى هذه النتيجة. وهي حجم الدور التضليلي بالاضافة الى الشحن المذهبي الذي مارسته اجهزة الاعلام. ولابد من الاعتراف بأن ماكينته الاعلام المعادية لخيار المقاومة خارج لبنان اكبر بكثير من ماكينته الاعلام المناصرة لهذا الخيار. ولعل ذلك بفعل التمويل البترولي والتمويل الاجنبي لوسائل الاعلام المعادية لكن ذلك لا يعني عدم الالتفات الى هذا الميدان المهم ومعالجة الخلل فيه.
خلاصة القول ان مثلثاً أسود تحالف فقاد الى هذه النتيجة. ضلعه الاول المال الذي تدفق بغزارة على لبنان، لشراء الذمم والضمائر والاصوات و ضلعه الثاني المذهبية البغيضة التي تتحول يوماً بعد يوم الى سلاح فتاك في وجه امتنا. و ضلعه الثالث المغتربون الذين سُخر المال الحرام لشحنهم للادلاء بأصواتهم وهذا المثلث افرز للبنان نواب أكثرية لن تلتزم نحو مرشحيها بشيء. لانها تعاملت مع الناس كسلعة تباع وتشترى. ففي الانتخابات اللبنانية الاخيرة تم تحويل الانسان وإرادته الى سلعة تباع وتشترى فتم شراء الصوت والموقف وتجيير القناعات وتحويل الناخب الى شاهد زور. وصار النائب غير ملزم اتجاهه بشيء بعد ان دفع ثمن شهادة الزور حفنة دولارات. وهذا الامر يجعلنا نشير الى ضرورة الانتباه اكثر الى منظومة البناء القيمي والاخلاقي في مجتمعنا العربي والاسلامي. فقد صار ضعف هذه المنظومة ثغرة نُؤتى منها: عمالة للعدو، وفتنا طائفية مذهبية ترعاها وتنميها غرائز لا يحكمها وازع من اخلاق او ضمير، ففي ظل ضعف المنظومة القيمية تنهار الاخلاق ويغيب الضمير، وبيعاً للمواقف. وتزويراً للانتخابات. وهذا الضعف يشكل مرتعاً لنمو النفاق مما يعني ان ظهورنا وخاصة ظهر المقاومة يصبح معرضاً اكثر للطعن من الخلف مستذكرين الدعاء الخالد اللهم احمني من اصدقائي اما أعدائي فانا كفيل بهم فاذا كانت المقاومة قادرة على مواجهة الاعداء المكشوفين، فان من مهمة اهلها توفير المناخ السليم لها حتى لا تُؤتى غدرا كما حدث في لبنان وهذا الذي حدث لا يخرج عن كونه اعادة تموضع للأطراف فالعدو وحلفاؤه لم يتراجعوا عن اهدافهم في اعادة رسم الشرق الاوسط الجديد وفق هواههم كل ما في الامر انهم بدلوا اسلحتهم، كذلك فعل أوباما بخطابه في جامعة القاهرة وكذلك فعل حلفاؤه في الانتخابات النيابية اللبنانية التي جرى الكثير من التحالف فيها على اساس مواجهة خيار المقاومة .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد