بنديكتوس رجل المواقف ؟!

mainThumb

20-05-2009 12:00 AM

حسن بلال التل

انتهت قبل ايام رحلة الحج البابوي والتي لا بد معها من وقفة مع ما سبق، وما تبع، وما رافق، ورغم انني اعلم ان ما انا بصدد كتابته سيثير رفض المسلمين والمسيحيين على حد سواء وقد لا يختلف على استنكاره الوهابي والارثودكسي والكاثوليكي معا لكنه يبقى امرا واقعا صحيحا لا يستطيع احد نفيه وإن رفضه البعض.

لقد قوبل البابا بنيدكتوس اثناء زيارته الاخيرة بالكثير من المفارقات بين الجانب الرسمي الذي ابدى له حفاوة لم يلقها في مكان من الارض الى الحد الذي كانت معه الدهشة بادية على محياه، وبين الجانب الشعبي الذي قابله بالكثير من الرفض والاستنكار وصيحات الاستهجان حتى من الجانب المسيحي، وان كان الارثودكس وهم غالبية المسيحيين العرب اشد رفضا واستنكارا من الكاثوليك الذين (رغم الاستغراب) رفض بعضهم زيارة البابا أو تصريحاته.

لكن واقع الحال يقول ان الرجل لم يخطئ في شيء مما قال وفعل بل هو رجل تحدث بصدق ووضوح وبقناعاته وبما يمليه عليه دينه، ولم يكن يملك غير ذلك باعتباره يتربع على رأس الكنيسة الكاثوليكية العالمية وهو وارث الكرسي الرسولي المسيحي، وبالتالي فان الدبلوماسية التي تعودناها من سابقه لم تكن هي الامر الواقعي بل كانت المجاملة، فيما الواقع هو ما قاله البابا بنيديكتوس وما فعله، فشئنا ام ابينا كمسلمين بالدرجة الاولى وحتى كطوائف مسيحية غير الكاثوليكية بالدرجة الثانية، فعلينا الاعتراف ان هذا الرجل وكنيسته لا يعترفون بنا كديانة سماوية وفي نظره ونظر الغالبية من اخوتنا المسيحيين فان النبي الذي بشر به المسيح لم يأت بعد، اضف الى ذلك ان الاصل في الشرائع السماوية ان بعضها ينسخ بعضا، لذلك فرغم ان الانبياء الذين ارسلهم الله سبحانه على امتداد التاريخ الانساني يعدون بالمئات ان لم يكن بالآلاف حسب بعض الروايات الا ان ما بقي من رسالاتهم على الارض هي اربع ديانات فقط نظرا لرفض اتباعها الاستجابة للناموس الالهي الذي نؤمن كمسلمين بأنه جعل الاسلام دينا خاتما ناسخا لكل ما قبله، طبعا مع الاخذ بعين الاعتبار انه ومن المنظور اللاهوتي البحت فان الديانة المسيحية ليست دينا بالمعنى المطلق للكلمة بل هي رسالة تصحيحية داخل الديانة اليهودية، ولا تزال التوراة (العهد القديم) تمثل الجزء الاكبر من الكتاب المقدس لاخوتنا المسيحيين، ولا يزال الكثير من رجال الدين المسيحي خاصة المتشددين منهم يعتبرون انفسهم جزءا من العقيدة اليهودية، تماما مثلما نؤمن نحن المسلمون بأن الديانة المسيحية من منظور اسلامي لم تعد قائمة كدين لكن ديننا يوجب علينا قبول اتباعها والعيش معهم جنبا الى جنب اخوة في الارض والمصير مع عدم اهمال واجب الدعوة التي ان قبلوها كان بها وانعم وان رفضوها نكون ادينا واجبنا الديني تجاههم ويبقون اخوة واهلا، ومن هذا الباب فان اليهود يرفضون الاعتراف بالاسلام والمسيحية على حد سواء لان اعترافهم بدين سماوي تاليا لدينهم يعني اعترافا ضمنيا بأن الديانة اليهودية قد بطلت ونُسخت.

من هذا المنظور قال البابا بنيديكتوس ما قال وخطب وصرح اثناء حجه وقبله بما صرح، ومن هذا الباب ايضا رأينا ما اثار استغرابنا كمسلمين من تمسح البابا بأعتاب اليهود وتقربه منهم رغم ما جابهوه به من رفض واساءة وصلت حد رفع بعضهم لدعاوى قضائية بحقه باعتباره ممثل الكنيسة والديانة التي يعتنقها من اقاموا المحرقة المزعومة، وقد رفع المتشددون اليهود في درب البابا اللافتات الشهيرة التي تقول: (قتلنا المسيح ونفتخر بذلك).

ومن هذا المنظور ايضا تحدث البابا في جبل نبو عن العلاقات الكاثوليكية اليهودية وتحدث عن الديانتين المسيحية واليهودية لكنه ذكر الاسلام بعبارة (المجتمع الاسلامي) فقط ، ومن هذا المنظور ايضا زار حائط البراق وصلى عنده على انه معلم يهودي خالص فالبابا يتصرف من باب الايمان المسيحي بأن المسيحية هي جزء او امتداد لليهودية.

واقع الحال يقول ان البابا لم يخطئ ابدا من وجهة نظره، وهو يستحق كل احترام وتقدير لانه رجل تحدث بما يؤمن به دون مراوغة او مواربة، ومواقفه من الاسلام وتجاه اليهودية معروفة معلنة لا تقبل ريبا ولا مجال لتأويلها، لكن يقع اللوم ويبقى علينا نحن كأهل لهذا البلد وكحكومة، ليس بسبب استقبالنا له لا سمح الله، فليس من حقنا اصلا ان نمنع حاجا او نحرمه من هذا الحق، لكن في ظل مواقف الرجل المعلنة لم تكن لازمة تلك (الطنطنة) التي رافقته ولا تلك المهرجانات التي اعدت من اجله، وكان الاوجب ان تقتصر المسألة على ترتيبات ابسط من ذلك توحي بأن الزيارة هي زيارة خاصة مقصدها الحج فقط كما اعلن البابا ذاته قبل وصوله دون وضع الرجل في مواقف نعلم مسبقا انها لن تكون في صالحنا او كما نشتهي، ولقد اثبتت كثرة البهرج التي رافقت رحلة الحج البابوي انها اتت بضرر اكبر كثيرا مما اتت به من نفع.

ونقطة اخيرة اود ان اوضحها لا ان ادافع بها عن البابا هي مسألة دخوله الى المسجد بالحذاء، وهي المسألة التي ضخمها الكثيرون رغم صدور تصريح رسمي يوضح ان الرجل كان مستعدا لخلع حذائه قبل الدخول لكن ولأن من معه من الاردنيين لم يفعلوا ذلك -وهو ما ظهر واضحا في الصور- فانه لم يخلع حذاءه، وهي مسألة استفتيت بها بعض اهل العلم فكان جوابهم ان ذلك جائز شرعا ان كان هذا الحذاء جافا نظيفا عملا بالقاعدة الشرعية: (جاف على جاف طاهر بلا خلاف).

وان كان الاولى بحكومتنا الا تدفع الرجل دفعا الى زيارة المسجد لسببين: الاول ان هذه الزيارة لم تقدم او تؤخر شيئا، والامر الثاني والاهم ان الرجل اساء الى النبي الذي يصلى عليه ويذكر اسمه في هذا المكان آلافا مؤلفة من المرات كل يوم، فلم يكن هناك من داع لاستثارة المشاعر بهذه الصورة.

مرة اخرى واخيرة اقول ان الرجل لم يتكلم سوى بقناعاته المعلنة ولم يسيء من حيث توقعنا منه الاحسان، بل اللوم على من طلب منه فوق طاقته ودفعه الى خط المواجهة دفعا وهو عالم بالنتائج، وهم نحن معشر المسلمين الاردنيين



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد