جناية الجماعات الإسلامية على الشباب

mainThumb

13-11-2009 12:00 AM

موسى إبراهيم أبو رياش

الحديث في أمور الجماعات الإسلامية أمرٌ حساس يثيرُ العداوة وي?Zجلبُ شبهة التخوين والتآمر، وتهمة الانخراط في الحملة العالمية على الإسلام والمسلمين. ومن هنا فإنّ?Z كثيراً من الكُتاب يُحْجمون عن الكتابة في شؤون الجماعات الإسلامية مخافة أن ي?Zطالهم عتبٌ وغضبٌ وسوءُ فهمٍ تعوّ?Zد عليه كلُ من يكتبُ في هذا المجال.

كنتُ وما زلتُ أعتبرُ أنّ?Z مسؤولية الجيل برمتهِ تقعُ على عاتق الجماعات الإسلامية، كوننا نعيشُ في بلدان إسلامية، والشباب بفطرتهم وثقافتهم وموروثهم منحازون فطرياً إلى الإسلام مهما بدا على مظهرهم وملابسهم، فكلها قشورٌ سُرعان?Z ما تزولُ عندما تأتي لحظة النضج، أما الباطن فخلاف ذلك تماماً، وهو إسلامي أو لا يصطدم مع الإسلام.

إنّ?Z أثر?Z الأفكار والرؤى غير الإسلامية ليس لها تأثيرٌ كبيرٌ على الجيل، وإن كان هناك ثمة أثرٌ فهو محدودٌ جداً ومحكوم غالباً بمصالح وحساباتٍ وليس بعقائد متغلغلة في القلب والعقل. ولكن مما يُؤسفُ له أنّ?Z نظرة الشباب إلى الجماعات الإسلامية نظرة قاصرة غير واعية، فهم ي?Zخلِطون بين الإسلام والجماعات الإسلامية، ظناً منهم أنّ?Z الجماعات الإسلامية تمثلُ الإسلام العظيم الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وأنْ لا إسلام بدونها، ومن هنا يأتي الخللُ الكبير والمصيبة التي بتنا نلمسها بين الشباب عندما يبتعدون عن الإسلام لأنهم يكرهون جماعة معينة، أو لأنهم لا يقتنعون بفكر هذه الجماعة أو تلك، أو لا يحبذون أسلوبها أو نهجها.

والشبابُ إزاء?Z الجماعات الإسلامية بين أمرين: نفورٌ وبعدٌ، أو انخراط فيها وعمل في صفوفها.

ولو بحثنا عن أسباب نفور الشباب وابتعادهم عن الجماعات الإسلامية لوجدناها تتلخص في: تخلف الخطاب الإسلامي وأساليب التواصل، والجمود الفكري، والانغلاق والبعد عن المجتمع وهمومه ومشاكله، الخيال الواسع المجافي للواقع المعاش، عدم الاهتمام بحاجات ومشاكل الشباب، سوء سلوكيات وتصرفات بعض واجهات هذه الجماعات وأفرادها، تجارب البعض السيئة مع بعض أعضاء الجماعات، تعالي بعض أعضاء الجماعات وترفعهم عن مخالطة الشباب الآخرين والتواصل معهم، ومحاكمة الشباب بناءً على مظهرهم، ضعف التحصيل العلمي لبعض أعضاء الجماعات في المدارس والجامعات وخاصة البارزين منهم، عدم الوضوح والضبابية عند بعض الإسلاميين وتلونهم حسب مصالحهم، فقدان القدوة الحسنة البارزة من الإسلاميين، وعدم وجود وجوه تتمتع بالتميز والإبداع والحكمة والخلق القويم الذي يجذب الشباب.

أما الشباب الذين ينتظمون في الجماعات الإسلامية فهم يفعلون ذلك رغبة في خدمة الإسلام والقيام بواجبهم نحو ربهم ودينهم، ظناً منهم أنّ?Z هذه الجماعة أو تلك ستحقق لهم هذه الرغبة وهذا الأمل، وعادة يدخل الشباب هذه الجماعات وهم ممتلئون حماسة وهمة ونشاطاً، لأن الهالة التي تحيط بهذه الجماعات من الخارج كبيرة ومثيرة تستهوي هؤلاء الشباب وتجذبهم، ولكن بعد فترة قد لا تطول يكتشف الشباب أنّ?Z ما ظنوه هو مجرد وهم أو في أحسن الأحوال أقلّ?Z مما كانوا يرجوه بكثير، فيصابون بخيبة الأمل وصدمة فكرية أو روحية، وهم إزاء ذلك بين أربعة نفر:

نفر يتركون الجماعة ويفضلون البقاء مستقلين يعبدون الله كبقية المسلمين، يلتزمون بالإسلام، ولا يحيدون عن طريقه المستقيم.

ونفر يتركون الجماعة ويتحولون إلى النقيض أو يتخلون عن كل ما كان يربطهم بهذه الجماعة أو يدل على أنهم كانوا منها يوماً ما.

ونفر يتركون الجماعة وينضمون إلى جماعات أشدّ?Z تطرفاً وأبعد غلواً، وإنْ لم يجدوها صنعوها وإنْ على شكل خلايا صغيرة، لها أفكارها ورؤاها وأهدافها، ويتمثلُ ذلك في بعض الخلايا التي تم تفكيكها غير?Z مرّ?Zة هنا وهناك، وهم غالباً من الشباب المتحمسين الذين يملكون فائضاً من النشاط ويبحثون عن مخرج غير موفق له بسبب فقدان المرجعية العلمية الحكيمة والقدوة العملية الحسنة.

ونفرٌ رابع يفضلُ أنْ يبقى تحت لواء الجماعة كيفما اتفق، يسيرُ مع التيار ليس له رأي أو قرار، وغالباً ما يكونُ خاملاً لا يمثلُ إلا رقماً لا قيمة له إلا إذا كانت هناك انتخابات عند بعض الجماعات، ولكنه في الأصل لا يُقدم ولا يُؤخر، بل يُشكلُ أحياناً عبئاً على الجماعة، ولولا أنهم بحاجة إلى الأتباع والمكاثرة لأسقطوه وعزلوه، وهؤلاء في الحقيقة طاقات معطلة حُرم منها الوطن قبل الجماعة.

إنّ?Z الجماعات الإسلامية مطالبة بتجديد خطابها وأسلوبها وأدواتها، وأنْ تواكب?Z التطورات المتسارعة على مختلف الصُعد، وأنْ تتمتع بالمرونة الكافية للتعامل مع المستجدات، وأن تهتم بالتربية وبما يجمعُ الناس ويُؤلفهم، وأن تركز على نقاط التوافق وتبتعد عن نقاط الصراع والتوتر، وأن تتعامل مع الجميع أنهم أناس كرمهم رب العالمين ولهم علينا حق الإنسانية والمواطنة، وأن تبتعد عن النظرة القاصرة إما أنْ تكون معي أو ضدي كما فعل بوش يوماً ما، إما أنْ تكون مع الولايات المتحدة الأميركية في محاربة الإرهاب وإلا فأنت ضدها.

إنّ?Z المراجعات الداخلية ضرورية، والنقد الذاتي لا بدّ?Z منه، بل هو من ضرورات وأولويات أية جماعة راشدة تحرصُ على الاستمرارية والحضور الفاعل المؤثر، وفي هذا الصدد من الواجب على هذه الجماعات أنْ تستمع إلى أهل الخير والصلاح والفكر النير ممن هم خارج الجماعة فهؤلاء حريصون على الجماعات الإسلامية وإنْ كانوا خارجها، فالإسلام لا يختلف عليه أحد، وهؤلاء يمكن أنْ يقدموا النصح الصادق المخلص لهذه الجماعات، بل على الجماعات أنْ تطلب منهم بإلحاح أنْ يكونوا لها ناصحين مخلصين، أما الداخل فغالباً محكوم بالمصالح والمناصب والنظرة القاصرة المحدودة ناهيك عن التبعية التنظيمية أو المرجعية الفكرية التي تتحكم بكثير من المواقف والأفكار.

وبعد ... فإنّ?Z مسؤولية هذا الجيل تقعُ في الأساس على الجماعات الإسلامية، فعليها أنْ تتقي الله فيه، ولتقدم مصلحة الإسلام على مصالحها الآنية، وأن لا تكون فتنة وسبباً في ضياع الجيل وانحرافه وتشوه أفكاره.

mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد