آه يا وطن

mainThumb

14-08-2008 12:00 AM

غالبا ما تجلس جارتنا أم عمار، المكسورة الخاطر، حزينة شاردة الفكر، في لمة نساء؛ يجمعهنّ حوش بيتنا ، يستغبن هذه ، ويأكلن لحم تلك . يتراشقن الحديث ببراءة ، وأغلب الأحيان بخبث وسوء نية ، اعتدت أن أرقبها في كل جلسة ، وهي تلفّ رأسها بشال بهت لونه، وشاخت أطرافه ، تتكسّر نظراتها على فستان هذه ، ولا تجد ريقا في فمها عقب حديث تلك ، تهزّ يدها فلا يرن لحركتها القلقة ، لا ذهبا ولا فضة ، كانت أم عمار، تسمع أكثر مما تتكلم ، كانت تسمع فقط ، فمن لا يملك الذهب ، لابد له أن يملك الصمت وبلع الريق ، والنظر بحسرة ، فحديث لمة النساء لا تفهمه ، لا تفهم ولا تستوعب ، أن أبا فلان قد جاد على أم فلان بـ ..... ، وأن أبا علنتان مضارب البورصة قد اشترى لأم علنتان ..... ، كما لا تستوعب أن أمانة عمان أضحت مزرعة وإقطاعية ، ُتقسّم حصصا وهدايا وتوزّع صررا وأكياسا ، صرّة لهذا الوزير، وكيسا لذاك النائب . آه يا أم عمار لو تعرفين كم راتب أمين عماننا ، وكم المبلغ الذي ُرصد لتحديث جناحه ، وكم رواتب نوابه ومساعديه ، وكم وكم . آه يا أم عمار لو تعرفين ما يجري في مناطقنا الاقتصادية الحرة ، آه لو تعلمين عن وعن ومليون عن في هذا الوطن .
دائما أتذكر جارتنا زوجة جارنا العامل المسكين ، الذي يتعب ويعرق ويتمرغ في تراب الوطن ، وتختزن رئتيه وأحشاءه الآلاف من ذراته . تذكرت جارنا ( أبو ميه وثمانين ليرة بالشهر ) وهو عائد لبيته فارغ اليدين ، خالي الوفاض من عوائد التخاصية ، او من مكتسبات الوطن ، تذكرته وهو لا يجد ثمن حقائب ودفاتر وأقلام أطفاله ، تذكرته أكثر وأكثر , وأنا أسمع وأقرأ ، كيف ُيسرق عرق أمثاله الدراويش ، وُيتاجر بألمهم وجوعهم ، ينتابني الألم والجنون ، والكفر بكل المتكلمين المنظرين مصاصي دماء الناس ، سارقي الفرحة من مباسم الأطفال ، مجبري جارتنا أم عمار على الإطراق والخضوع ، وهزّ الرأس فقط في لمة النساء ، ستبقى أم عمار بنظراتها المتكسّرة ، وريقها الذي تبحث عنه فلا تجده ، ستبقى كابوسا ، كما ستبقى لعنة على أمانة عمان ، والبحر الميت ، والعقبة ، ووزارة الخارجية ، والنواب الذين يعـدون ولا يوفـون، وعلى كل الذين يسرقون الفرحة من فقراء الوطن .


T_obiedat@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد