من وهم الوعود إلى اقتصاد الأصول
كأننا نحاول إنقاذ مركبة تغوص في الرمال بتفقد ضغط الهواء في إطاراتها، بينما المشكلة الحقيقية هي في الخارطة الخاطئة والمحرك المعتل الذي أوصلنا إلى هذه الصحراء منذ البداية.
في ظل الحوار الوطني المستعر حول الاقتصاد والضمان الاجتماعي ، يبرز سؤال جوهري: مَن هم أطرافه؟! الواقع المرير أن النقاش الاقتصادي في عالمنا العربي غالباً ما يحصر نفسه داخل مدارس فكرية أحادية، تتعامل مع الاقتصاد كرياضيات مجردة وتتجاهل البعد القيمي والاجتماعي والتنموي , وهذا يقودنا إلى حقيقة لا مفر منها: لا يمكن لمدرسة اقتصادية واحدة أن تدير دفة سفينة وطن بأكملها.
كشفت الدراسة الاكتوارية الحادية عشرة عن أرقام تنذر بانهيار وشيك متوقع بعد أعوام ، ولكنها، ككل التقارير التي سبقتها، تتعامل مع الأعراض ضمن نفس الإطار الفلسفي الذي أنتج الداء.
الحقيقة المُرة هي أن الاستماتة في الدفاع عن نموذج اقتصادي فاشل لم تعد مجرد خطأ في السياسات، بل أصبحت مسؤولية تاريخية عن إهدار مستقبل أجيال , فإذا كنا جادين في بحث مخرج حقيقي لهذه الأزمة الهيكلية، فإن النداء هنا ليس لاستبدال مدرسة بأخرى عبر خطاب مؤطّر بنموذج فكري أحادي ، بل لفتح الباب على مصراعيه للخيارات العملية التي تثبت جدارتها في ميدان التجربة والنتائج، بعيداً عن الاحتكار الفكري , وهنا لا بد من وقفات :
الوقفة الأولى : التشخيص الجذري: أين يكمن الخلل الفلسفي الذي ينتج كل هذه الأزمات المركبة التي نعيشها واقعاً؟
الأزمة ليست في أرقام نقاط التعادل فقط، بل في الفلسفة التي أنتجت نظاماً يستنزف مستقبل الأجيال , جوهر الأزمة يتمثل في ثلاثة تناقضات قاتلة:
1. التناقض الديموغرافي: اقتصاد لا يخلق فرصاً كافية يقود إلى بطالة وتأخر في سن الزواج، مما يؤدي إلى انخفاض حاد في الخصوبة. النتيجة: انكماش قاعدة القوى العاملة المستقبلية التي يفترض أن تتحمل عبء تمويل معاشات جيل متقاعدي الغد، في معادلة ديموغرافية مستحيلة.
2. التناقض الوعودي: النظام الحالي يقوم على وعود مالية ضخمة للمتقاعدين دون أن يبني الأصول الإنتاجية الحقيقية التي تستطيع الوفاء بهذه الوعود على مدى عقود , إنه يراهن بمستقبل الأجيال القادمة على حظوظ اقتصادية غير مضمونة.
3. التناقض في العلاقة: العامل يدفع اشتراكات طوال حياته كأنها ضريبة على الحاضر، ليحصل لاحقاً على راتب قد لا يكفيه، من دون أن يكون له ملكية حقيقية في الصندوق الذي يدفع له، أو صوت في كيفية إدارة موارده , هذا النموذج القائم على "التضامن بين الأجيال" تحول إلى آلة لإعادة توزيع الفقر والقلق من جيل إلى آخر.
الوقفة الثانية : الرؤية البديلة: من ضمان الاستهلاك إلى ضمان الإنتاج
لذا، فإن أي حوار جاد يقتضي كسر هذا الطوق الفكري الأحادي , ويقتضي استدعاء الرؤى التي تقدم حلولاً هيكلية , وفي مقدمة هذه الرؤى، تقف فلسفة اقتصادية بديلة لا تعتمد على المنطق الربوي الافتراضي، بل على الشراكة الحقيقية في الأصول المادية المنتجة.
الفكرة المركزية هي التحول الجذري, ف بدلاً من أن يكون صندوق الضمان مجرد مصرف يجمع الاشتراكات ليدفعها كمعاشات، فإن الرؤية تقترح تحويله إلى صندوق استثماري جماعي ضخم.
في هذا النموذج، تتحول كل اشتراك من عامل إلى حصة ملكية في محفظة استثمارية مشتركة تمتلك أصولاً إنتاجية حقيقية (عقارات إنتاجية، بنية تحتية، مشاريع زراعية وصناعية، ومراكز بحثية..الخ ) العامل لم يعد دافع اشتراك فحسب، بل أصبح شريكاً ومالكاً , وعندما يحين وقت توقفه عن العمل، لا يتوقف دخله، بل يتحول إلى مساهم يحصل على حصته من الأرباح التي تولدها تلك الأصول.
بهذه الصيغة تذوب المعضلات الأساسية:
• تختفي مشكلة "نقطة التعادل" من جذورها، لأن التدفق النقدي لا يعتمد على عدد المشتركين الجدد، بل على إنتاجية الأصول المتراكمة.
• مشكلة التقاعد المبكر (التي تستنزف 61% من الفاتورة) تتغير طبيعتها، فمن يتوقف عن العمل يعتمد على عوائد حصته.
• أزمة البطالة تتحول إلى جزء من الحل، إذ أن استثمارات الصندوق العملاقة في الاقتصاد الحقيقي ستخلق فرص العمل التي يحتاجها الشباب، فتصبح التنمية الاقتصادية نتيجة طبيعية للنظام، وليس عبئاً عليه.
الوقفة الثالثة : من التنظير إلى الواقع: خطة تطبيق تجريبي محكمة
رغم قوة الحجج النظرية، يبقى السؤال العملي الأبرز: كيف نبدأ دون مخاطرة غير محسوبة؟ الجواب يكمن في المرحلة التجريبية كجسر آمن للعبور من حيز الفكر إلى فضاء التطبيق. نحن لا نطلب تبني النظام الجديد دفعة واحدة، بل نقتـرح مساراً علمياً محكماً:
أولاً: تصميم النموذج المصغّر:
• عينة محددة وقابلة للقياس: فئة عمرية جديدة من المشتركين (كالمشتـرِكين الجدد من خريجي عام 2025 فما بعد) أو موظفي قطاع حيوي يختارون النظام طوعاً , يكون حجم العينة بالمئات (قابلة للإدارة والمراقبة) وليس الآلاف .
• صندوق استثماري منفصل وشفاف: إنشاء محفظة استثمارية مستقلة ذات هيكل حوكمة رشيد، تبدأ باستثمارات في أصول متنوعة وواضحة العائد، مع سجل ملكية رقمي واضح لكل مشترك.
• المنهجية: يعمل هذا النموذج بالتوازي مع النظام التقليدي، وليس بديلاً عنه في هذه المرحلة.
ثانياً: آليات المراقبة والتقييم الصارمة:
يتم قياس الأداء عبر مؤشرات أداء رئيسية ترصد:
1. الكفاءة المالية: معدل العائد على الاستثمار مقارنة بالمعدلات السوقية والنمو المتوقع في النظام التقليدي.
2. الكفاية الاجتماعية: مدى قدرة العائدات على توفير دخل كافٍ للمشتركين عند الاستحقاق.
3. الأثر التنموي: عدد فرص العمل الجديدة التي خلقتها استثمارات الصندوق.
4. القبول والثقة: مستوى رضا وثقة المشتركين في النموذج الجديد عبر استطلاعات دورية.
ثالثاً: الفترة الزمنية والمخرجات:
• تُحدد فترة تجريبية واضحة (5-7 سنوات) تكفي لمرور الاقتصاد بدورات ازدهار وكساد، وقياس صلابة النموذج.
• في نهاية الفترة، تُعرض النتائج بشكل شفاف على الرأي العام وذوي الاختصاص، لتقرر الجهات المعنية المسار التالي بناءً على الأدلة:
o مسار التعميم إذا أثبتت التجربة تفوقاً واضحاً في الاستدامة والعدالة.
o مسار التعديل للبناء على نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف.
o مسار الإغلاق إذا فشلت في تحقيق الحد الأدنى من الأهداف (خيار وارد ويجب وضعه على الطاولة منذ البداية).
رابعاً: ضمانات حماية المشتركين في التجربة:
• ضمان الحق القانوني في العودة للنظام التقليدي لمن يرغب من مشتركي التجربة.
• تخصيص صندوق احتياطي خاص يغطي مخاطر المرحلة التأسيسية.
• إفصاح شهري أو ربع سنوي عن أداء المحفظة للمشتركين.
في النهاية : الشجاعة بين الفعل والتردد
إن تحدي الأزمة الهيكلية للضمان يتطلب شجاعة من نوعين : شجاعة الفكر لاقتراح حلول تتجاوز الصندوق الفكري المغلق، وشجاعة الممارسة لاختبار هذه الحلول بمنهجية علمية تحمي المجتمع من المخاطر.
المرحلة التجريبية المقترحة هي الرد العملي على سؤال " كيف " ؟ , وهي الانتقال من دائرة الجدال العقيم إلى فضاء التجربة القابلة للقياس والمحاسبة.
نحن لا نطلب ثقة عمياء، بل نقدم مساراً لبناء الثقة على أسس من الأدلة والنتائج الملموسة.
البديل عن هذه الرحلة المحسوبة هو واحد من اثنين: الاستمرار في انتظار المعجزة داخل الصندوق القديم حتى الانهيار، أو المخاطرة بتحول شامل وفوضوي. كلا الخيارين هروب من المسؤولية.
السؤال الجوهري الآن لم يعد: هل هذه الفكرة صحيحة؟ بل أصبح: هل نملك الجرأة الكافية لاختبارها بموضوعية وشفافية؟ ، ونحن نعلم أن ثمن التراخي والجمود هو مستقبل أبنائنا وأحفادنا
إنها دعوة لا للانقلاب، بل للتجربة , لا للعشوائية، بل للمنهجية, وهي ربما تكون الخطوة العملية الوحيدة التي تفك الاختناق، وتفتح نافذة أمل في غرفة أصبح نقاشها خانقاً.
بلدية الرصيفة تبدأ مشروع إعادة إحياء المتنزه الوطني
الأمن العام يهنئ أبناء الطوائف المسيحية بالأعياد المجيدة
عطية الميت في المنام خير أم شر
الوحدات يودع دوري أبطال آسيا 2 بعد خسارته أمام الوصل الإماراتي
كأس إفريقيا .. خطأ فادح بمباراة مصر وزيمبابوي يثير السخرية
إحالة 16 شخصا أثاروا النعرات الدينية والطائفية لمحافظ العاصمة
الجيش يدمر أوكارا لتجار أسلحة ومخدرات على الواجهة الحدودية الشمالية
الجيش يُحّيد تجار أسلحة ومخدرات على الواجهة الحدودية الشمالية للمملكة
خبر وفاة عايدة رياض يهز مواقع التواصل والنقابة تعلق
واقعة الفجر تثير الجدل .. خلاف بسبب ارتفاع صوت القرآن بالمسجد
غضب في المغرب بسبب مشاركة محمد رمضان بأغنية بطولة إفريقيا
ولي العهد يهنئ بعيد الميلاد المجيد
وظائف شاغرة بدائرة العطاءات الحكومية
جماهير الأرجنتين تنحني للنشامى بعد نهائي كأس العرب
يوتيوب يعود للعمل بعد تعطله لآلاف المستخدمين
القضاء على داعش .. مسؤولية جماعية
بحث التعاون بين البلقاء التطبيقية والكهرباء الأردنية
الطب الشرعي يكشف سبب وفاة شاب مفقود في الكرك
حوارية في اليرموك بعنوان المدارس اللسانية المعاصرة
بدء الامتحانات النهائية للفصل الأول لطلبة المدارس الحكومية
اعلان توظيف صادر عن صندوق المعونة الوطنية .. تفاصيل
اعلان مقابلات صادر عن وزارة التنمية الاجتماعية - أسماء
توصيات اللجنة المالية في الأعيان بشأن الموازنة العامة
انطلاق فعاليات أولمبياد اللغة الإنجليزية العالمي للجامعات 2025


