ديمقراطية مشوهة

mainThumb

21-05-2008 12:00 AM

بعد شد وجذب، انتهت انتخابات مجلس الأمة الكويتي وأعلنت النتائج، وكانت نتائج متوقعة وفقاً لنبض الشارع الكويتي. لكن السؤال: هل سينتهي مسلسل التأزيم بين المجلس والحكومة، أم أنه سيستمر معنا في المستقبل أيضاً؟

الوضع في غاية التعقيد ويبدو أننا نقترب من نقطة المراجعة لوضع الديمقراطية في الكويت. المؤشرات تؤكد أن هناك حالة تذمر عامة بين كل أطياف المجتمع، والجميع يتبرأ من المسؤولية؛ فالحكومة تلوم المجلس، والمجلس يلوم الحكومة، ولا أحد يريد أن يتحمل المسؤولية حيال جمود الحال في الكويت.

من الواضح أن هناك معضلة حقيقية بحاجة إلى حسم من القيادة السياسية، وهي مشكلة الحكومة ومدى جديتها في تقديم رؤاها المستقبلية من جانب، والقرار الحكومي الغائب في شأن مستقبل التنمية في الكويت من جانب آخر. الحكومة انشغلت في توافه الأمور ولم تقدم برنامجاً ولا خطة تنموية للمجلس، وفي الوقت نفسه تحول المجلس إلى ساحة نزاع لتحقيق مصالح شخصية في ظل غياب كامل لبرامج القوى السياسية.

المشكلة الأساسية التي واجهت المجلس في سنواته الأخيرة تفاقم حدة الانقسامات الاجتماعية؛ كالطائفية والقبلية... فبعد قرار الحكومة بتقسيم الكويت باعتبارها 25 دائرة انتخابية، تضخمت المشكلة واحتدت الصراعات، وقبلها كانت الدوائر الانتخابية 10، ومن ثم تم حل مجلس الأمة نتيجة للمطالبة بالدوائر الـ5 على اعتبار ان المشكلة سوف تحل الصراعات التقليدية، لكن ولأول مرة تُجرى الانتخابات وفق 25 دائرة حيث اكتشف الجميع أن المشكلة ما زالت باقية، بل إن حدة التحيز ارتفعت وتبلور الصراع على أساس قبلي وطائفي وعائلي، مما يعني أن القضية أكبر من تقسيم الدوائر الانتخابية وأن المعضلة في المجتمع وفي تكويناته الاجتماعية التي لا ترى في الدولة بديلاً لها باعتبارها الحامية لكل الموزاييك الاجتماعي.

تحولت الديمقراطية إلى أداة لفرض الوجود الاجتماعي وبدأت تفرض معايير اجتماعية جديدة، حيث أصبح التفاخر بأن القبيلة الفلانية أفرزت لها 5 نواب جدد في المجلس، والقبيلة الأخرى حافظت على مقاعدها السابقة، وفجأة وجدت قبيلة ثالثة أن نفوذها اختفى من منطقة الجهراء، ومن هنا دخلنا من جديد في وضع اجتماعي معقد وهو وضع متراكم ونتاج لسياسات عفوية وبحاجة لمواجهة جادة في كيفية معالجة الخلل في قضية المواطنة والدولة.

المجتمعات الإنسانية بطبيعتها تميل للنزاع، وظاهرة التعصب لها جوانبها النفسية والاجتماعية، لكن في كثير من الدول ذوبت هذه الفوارق عبر برامج الاندماج الاجتماعي وتعضيد مفهوم الانتماء والمواطنة. يبدو لنا أن المشكلة تواجه من خلال تعضيد فكرة القانون والمساواة وتكافؤ الفرص، حيث من الواضح أن الانقسام يتعمق كلما غاب القانون، مما يؤدي إلى اللجوء إلى الوحدات الاجتماعية أو الدينية باعتبارها وحدات توفر احتياجات الفرد في ظل غياب عدالة الدولة.

من المتوقع أن تندفع العلاقة نحو التوتر مرة أخرى، وستجد الحكومة نفسها أمام معضلة حقيقية، وأنه لا مفر من مواجهة الحقائق على أرض الواقع، وأن المواجهة يجب أن تكون وفق علاقة جديدة بين المواطن والدولة، علاقة أهم عناصرها أن يدرك المواطن مسؤوليته حيال الدولة، وأنه لا يمكن للدولة أن تستمر في عقلية الرعاية للمواطن حيث تحول إلى عبء مرهق لها. إذا كانت هناك رغبة حقيقية في تصحيح مسار الديمقراطية، فيجب على جميع الأطراف أن تقبل بحتمية الديمقراطية من حيث علاقة الفرد بالدولة، حيث لا يمكن للديمقراطية أن تشوه بأنظمة اجتماعية تقليدية. الأزمة حقيقية والجميع اشترك فيها، وعلى الجميع تقييم هذه التجربة حيث لم يعد بالإمكان أن تستمر عملية التعطيل لكل مشاريع التطور تحت حجة الديمقراطية.

*نقلاً عن صحيفة "الإتحاد" الإماراتية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد