المتحدون ..

mainThumb

16-05-2009 12:00 AM

حسن بلال التل

يقولون في الاتحاد قوة، وكلنا نعرف قصة العجوز الحكيم مع اولاده وحزمة العصي، والتاريخ العربي يزخر بعشرات الأمثلة عن أهمية الاتحاد، فيما الواقع العربي يزخر بأمثلة أكثر عن نتائج الفرقة وانفراط العقد، لكن يبدو أن الاتحاد ليس دائما خيرا والانفراط فيه بعض المنفعة أحيانا!!

فمع عصر الانفتاح (على كلو) اقتصاديا وفكريا وأخلاقيا... اصبحت الاتحادات تكثر فمن اتحادات تجارية تبتلع الاسواق، الى اتحادات بنكية تسيطر على قطاعات المال والاعمال وتسيّر بشروطها دولا وجماعات، الى اتحادات سياسية تخلق امبراطوريات.

وفي الاردن طالنا من الحب جانب فكان نصيبنا الاتحاد الأهم على الاطلاق والذي انشئ برغبة ورعاية حكومية اعطته الحبل على الغارب حتى تحكّم بالبلاد والعباد.... إنه اتحاد شركات النقل العام!!!

فهذا الاتحاد الذي لم يطل به العهد يقدم كل يوم على تقليعة جديدة يخرج منها بكل تأكيد بمكسب جديد على حساب المواطن، الذي بالطبع لا يستطيع الشكوى الى أحد لان الجهة التي يفترض أن يشكو اليها هي الراعية لهذا الاتحاد والمراعية لبقائه بل وهي التي انشأته...فالى من المشتكى وانت الخصم والحكم؟؟

صحيح ان النقل العام في الاردن قد خطا خطوات كبيرة في ظرف السنوات الماضية، وصحيح ان هناك تحسنا ملموسا على نوع وشكل الخدمات، وصحيح ايضا ان الشكايات من شح الباصات وسواها من وسائل النقل قد قلّت بعد أن مر على الاردن سنوات كان فيها العثور على تكسي فارغ او باص يصل الى بعض المناطق هو حلم صعب المنال، الا أن هذه التحسينات لم تأت بالمجان بل فهي كلها بالدرجة الاولى من خزينة الدولة، والتي في الاردن تعني 100 بالمئة جيب المواطن، وبالدرجة الثانية -اي بعد قيام هذه المشاريع والتحسينات- هي من جيب المواطن مباشرة الذي هو مصدر التكاليف والارباح الخاصة بها، كما انها لم تكن ناتجة اصلا سوى عن تخلخل في فكر ادارة النقل العام في الاردن, والذي لا يزال قائما.

المهم في الموضوع ان الحكومة منذ سنوات انشأت ما يعرف بهيئة تنظيم قطاع النقل العام والتي بدورها ألزمت العديد من ملاك ومشغلي وسائط النقل العام بالاتحاد تحت مظلة واحدة لتسهيل تنظيم القطاع، ورغم ان المشروع لاقى الكثير من الاعتراضات في بداياته وقاومه الكثير من الملاك والمشغلين لخوفهم من تأثيراته عليهم وعلى ارباحهم، الا انهم ومثل ما يجري في كل الاتحادات اكتشفوا فوائده وابوابه الخفية وكم هو مصدر للقوة التي لا تجاريها قوة، فأخذوا يفرضون الشروط والتحكمات دون نقاش، ببساطة لان السوق لهم ولا منافس او مضارب واذا شاؤوا بامكانهم ان يشلوا البلاد في ظرف دقائق.

فكان من بشائر الخير لهذه المظلة والاتحاد، أن الاسعار ترتفع بلا داع ولا تنخفض ابدا وإن ظهر الداعي والسبب وحتى ان صدر قرار التخفيض تجده لا يطبق وإن اتخذ مظاهر التطبيق مثل تغيير لوحة التسعيرة التي هي فعليا المظهر الوحيد، والذي نادرا ما يحترم، وان قرارات الهيئة التي تتخذ لمصلحة المواطن والقطاع يتم تجاهلها ونقضها بشكل رسمي وغير رسمي من قبل المشغلين وعلى رأسها قرار منع عمل (الكونترول) في الحافلات والباصات ومنع عمل السماسرة في المواقف، هذا عدا عن القرارت التي تطبق بطريقة (ولا تقربوا الصلاة) حيث يأخذ المشغلون والملاك منها ما يحبون ويتركون ما يرون فيه خسارة او ضرا، فكان من ذلك قرار الدفع بالبطاقة الالكترونية الذي وجد اصلا لانهاء معاناة الركاب مع النصب العلني والسرقة المفضوحة التي يمارسها بحقهم سائقو الباصات والكونترولية لكن النتائج بالطبع جاءت عكسية بسبب اساليب التطبيق العرجاء، فمثلا لا يوجد مكان في العالم يجبر فيه مرتادو النقل العام على الدفع بطريقة البطاقة وحدها وحصرا دون الدفع النقدي ببساطة لان هناك من يحتاج الى استخدام النقل العام لمرة واحدة دون غيرها، كالسياح والقادمين من خارج العاصمة، وهناك من اضطره ظرف ما لذلك.

وهناك من نسي بطاقته وهناك من فرغ شحنه وغير ذلك الكثير، وهو ما يقودنا الى المثلبة الاخرى والتي هي اجبار المواطن الراغب باستخدام النقل العام على شراء هذه البطاقات ثم تعبئتها، حيث ان للبطاقة الفارغة سعرا ليس بالقليل وهو الامر المناقض للعقل، اذ كيف يجبر المواطن على الدفع مقابل شيء لا يريده وهو مجبر عليه وهو في ذاته جزء من خدمة عامة، الاصل فيها انها وجدت للتخفيف عنه لا لزيادة أعبائه، ثم نأتي الى المسألة الاهم، وهي أنه سابقا كان بامكان المواطن الدفع بمقدار المسافة، وعلى الرغم من ان ذلك لم يكن بقرار رسمي، لكنه كان مسألة متعارفاً عليها بين الركاب والكونترولية تحولت الى حق مكتسب للراكب، لكن بعد الاتحاد والبطاقات الذكية التي ليس فيها من الذكاء شيء سوى انها اسلوب جديد ذكي لملء جيب التاجر على حساب المواطن، لم يعد هناك امكانية نهائيا للدفع حسب المسافة، حيث يتساوى امام قارئ البطاقة من يقطع 100 متر ومن يقطع 10 كلم ولا يمكن للمواطن النقاش او الاعتراض.

هذا غيض من فيض. بركات قطاع النقل العام ومصائبه في العاصمة بالذات، خصوصا بعد الاتحاد الذي لم تظهر قوته الا على ظهر المواطن الغلبان... فهل من يفض هذه الوحدة ويردنا الى نعيم التشتت والفرقة واللاتنظيم؟؟!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد