اغتراب

mainThumb

06-07-2009 12:00 AM

د. علاء الدين أحمد غرايبة

حين يعيش الواحد منا في اغتراب لكونه قد اختار أن يكون بعيدا عن أهله ووطنه فليس الأمر بالمعضلة لأنك بلا ريب ستعود ثانية لأحضانهم ،وحين يختار الواحد منا بغير ارادته م?Zن يعيش معهم لفترة وجيزة وقد وجدتهم على غير ما اعتقدت فليس الأمر بذي شأن عظيم وصعب لأنك تستطيع أن تهجرهم لمدة وأن تغييرهم ،وحين تجد أن الذين كنت تخالطهم وتتعامل معهم بالدينار والدرهم قد خدعت بهم لفترة طويلة فليس الأمر بذي شدة لأنك تقدر على أن تتجاوز محنتك معهم .
لكن المعضلة فيما أحسب تكمن في أن تعيش باغتراب وسط عادات تعتقد جازما أنها دخيلة عليك وعلى ما تعودت عليه من قيم ،فنحن نتفاجأ هذه الأيام بمفارقات صعبة ومعادلات أصعب تتعلق بنمط العادات والتصرفات التي تربينا عليها ،ومن ذلك أنك تذهل حين تجد أن نجاحاتك هي سبب كره الناس لك ،وان ما حققته من انجازات هو سبب في إشعال نار الفتنة في المجتمع الذي تعيش ،بل واضرام فتيل الكره والسخط عليك .
فبالأمس القريب كان الناس يأكلون من طبق واحد ،ويتسامرون على قصة من شيخ يحكي بطولات القدماء على صفحة بيضاء من فراش واحد ،ويشاركون الرجل فرحته بابنه المولود ، وتتصاعد زغاريد في السماء شكرا على الطهور، ويسألون عن صحة الأولاد ونجاحاتهم ،وعن تميزهم واقتدارهم على مواصلة النجاح في المراحل العليا ،ويلقون التهنئة عليك مباركة في الزواج ،فما الذي حدث اليوم ؟ وما الذي تغيير ؟
الذين كانوا بالأمس يزجون لك بالتهاني والمباركات هم م?Zن يرفعون في وجهك اليوم بنادق الحقد وقد جهزوا تلك البنادق بالغيرة والحسد ،والذين كانوا يرقصون بالأمس على طبول المحبة هم ذاتهم اليوم م?Zن يحفروا لك حفر الضغينة ،والذين كانوا بالأمس ينسجون لك ثوبا من زخرف الانتصارات هم ذاتهم م?Zن يحيكون لك مصائد الوقوع نحو الهاوية العميقة ، والذين كانوا بالأمس يرفعون الأكف تضرعا إلى الله أن يوففك هم ذاتهم اليوم م?Zن يلعنون ساعة نجاحك بل يرفعون أيدهم إلى السماء علّ الله لا يرحمك ولا يوفقك .
هل هو الحقد والضغينة على سرّ النجاح وسرّ الموفقية من الله ؟ حتى باتت الناس تحسدك على منصبك الجديد ! وتحسدك على راحة البال والعمر المديد ؟ وعلى مالك من أين حصدته ! وعلى الضحك من أين امتلكته ! وعلى بيتك من أين بنيته ! وعلى مشوار عمرك الصعب كيف تجاوزته ! وعلى فكرك من أين نسجته ! وعلى حسن معاملتك كيف تتقنه ؟ وحسن التخلص من أين اكتسبت مهارته ؟وعلى المحبة كيف تأتت لك ،وعلى الطاعة كيف وهبت لك ! وعلى ....وعلى .ثم لا تعلم أهو ابتلاء من الله لك أم ابتلاء من الله عليهم ! كما لا تترك هل كنت كلّ هذا العمر مخدوعا بزيف الحياة حتى كنت تعيش في كلّ هذا الاغتراب !


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد