يا حرير يا لعيب

mainThumb

12-07-2009 12:00 AM

د. علاء الدين أحمد غرايبة
أذكر ونحن صغارا وفي وقت اللعب بالذات كان يطلع علينا من بين الجدران طفل يُعرف بالحرحير ؛أي المشاكس ،دوما يأتي متأخرا ودوما يأتي وثوبه منقوع ببقايا من طعام كان قد أكله على عجلة من أمره ،لا بل تجده يركض وهو يحمل من بقايا هذا الطعام والزيت يقطر من يده خوفا من أن يفوته شئ من المباراة ،ولولا الخوف والتهديد بـ(الكتلة) ما كان أكل لا ولا كان شرب ،ويحمل في يديه حجارة ،الشرّ في عينيه ،وحرارة الشمس واضحة في وجنتيه فهو لا يدخل البيت الا قليلا.
ومن علاماته وهي متعددة : أنه قوي البنية ،دائم الشتم (ع?Zبط) ، يطغى على مطالبه علوّ صوته ،لا يستحي من أحد ،يتخذ مكانه في وسط الملعب - أي وسط الشارع - كي يقطع مسار اللعب ،سريع الحركة ،وغرض السرعة عنده تحقيق هدفين الأول منهما أن يقدر على مدّ رجليه أو يديه أمام الكرة بسرعة فيعرقل حركتها دون أن يراه أحد ،وهو في الثانية يحتاج لهذه السرعة حتى يهرب إن كان في الملعب م?Zن هو أقدر منه ؛بل م?Zن هو أقرد منه . يتحمل الضرب ،لا يأبه بكل النصائح ، لا يحترم الا نفسه بل لا يحقّر إلا نفسه ،ولذلك لا يأخذ بخاطر أحد ،المهم عنده أن يُعاد مسار اللعب من جديد ويدخل هو في تشكيلة اللعبة ،ولابدّ أن يكون رأس حربة ،ولو كلّف ذلك خسارة لفريقه. المهم بل الأهم عنده المشاركة .

والأماكن التي يظهر فيها مثل هذا (الحرحير) كثيرة فهو يظهر في الشارع ،وفي حارات لعب الورق (الشدّة) ،وفي البيت حين يتعلّق الموضوع باختيار نوع الطعام واختيار محطة التلفاز والذهاب الى السوق لشراء الأحذية .كما يظهر في المدرسة وربما يتجاوز هذا الشرس ما قلناه بحقه سابقا ،فهو يطالب دائما بالغش من ورقة طالب مؤدب (شاطر) وإن لم يفعل هذا الطالب النجيب ما أُمر به ليذوقنّ كتلة على الترويحة ما بعدها كتلة وليكوننّ من النادمين ،وقد يظهر مثل هذا النوع من (العبيطين) في تشكيلة المجالس الرسمية والمحلية الدنيا منها أو العليا ،حين يقوم بتهديد عشيرته بأن يدمر كلّ ما يمكن تدميره من عهود مبرمة وعقود مقامة بين حلفائها و أصدقائها إذا هو لم يدخل في قائمة المُنتخ?Zبين (المرشحين) ،ولو كان هذا على حساب خسارة كل الآمال المعقودة على نجاح هذا أو ذاك ،المهم أن يشارك في اللعب وأن يشارك في الكلام وأن يشارك في المسؤولية سواء أكان هذا الأمر يحتاج إلى عالم ومثقف أم يحتاج إلى هامل ومضّر...

والفاجعة الكبرى أن يظهر مثل هذا النوع من الناس في التحليل والتنقيب عن سبر غور الأفكار،والكشف عمّا هو مقصود ،وعمّا هو ملقى بين الأسطر،حين تدفعه صفاته تلك ومن ضمنها (الأهم المشاركة) أن يأخذ منبر الكلام ،فيحلّل كلام فلان ،ويعبّر عن رأيه في طرح فلان ،والهدف من كتابة فلان وهو لا يفهم فلان بل لا يفهم ما يقصده فلان . إنّ الطامّة الكبرى أن يتصدى لبعض المواضيع المطروحة يقلّب أفكارها ثمّ لا يحسن الوصول إلى حسنها أو قبحها وهو لا يعلم أن ليس ذلك بعيب متأتٍ من النصّ بقدر ما هو خلل قد أصاب القراءة التي تعرضت لذاك النّص.

إنّ العقول تتباين في قدراتها على فهم النصوص المكتوبة أو المنطوقة وتحليل أفكارها ،ثمّ ينبني على هذا تباينها في معالجة الموضوع المطروح على طاولة التشريح للوصول إلى حلّ يتناسب وذلك الموضوع، أو إلى فهم المطلوب من النص أو الوقوف على سرّ المقصود منه ،وأحسب أن ذلك التباين هو سرّ أمرٍ يعلم كنهه الله ولا يدركه البشر ،أي إنها حكمة المعبود وضالّة العابد .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد