الصمتُ .. حـكمـــة

mainThumb

31-07-2009 12:00 AM

منال القطاونة
الواقع أن النـاس في حياتهم المألوفـة يستخدمون كثيراً من المفاهيـم والأفكار والتصورات دون محاولة الوقوف على معـناها الدقيق وهذا ما دفعني لكتابة موضـوع فلسـفي إلى حد ما لمعرفة معاني الصـمت وتجلياته وأسراره وقيمته وحكمته ... أحياناً أؤمن بمن يقولون أن الله خلقنا بلساًن واحد وأذنيـن لكي نسمع أكثر من أن نتحـدث ... ولن نكون متحدثين بارعين حتى نتعلم حُسن الإصغاء للآخرين ...
في لحظات من حياتنا نجعل الصمت المتحدث الرســمي ... وسيد المواقف يتكلم عنا ويجيب عنا ...فالصمت الوسيلة الآمنة لتصل المشاعر إلى شاطئ الأمان من غير تجريح او تكسير ....ففي مواقف كثيرة يكون الصمت كالمكابح توقف الاندفاع بتحكمك أنت بنفسك وبمن حولك .
قال "ص " "من كان يـؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمـت "
الصمـت لا يعني الانقطاع عن الاتصال وإنما يبعث رسالة في غاية الوضوح فهو وسيلة اتصال غير لفظي وهو من ثم يمكن أن يكون وسيلة للتعبير عن شيء ما... كما يكون أداة لنقل معلومات او أخبار يريد الشخص الصامت نقلها إلى الآخرين " فالصمت والكلام هما معاً وسيلتان من وسائل الاتصال ولهذا فان الباحثين يميزون بوضوح بين نوعين من الاتصال :الأول اتصال على أساس الكلام مبني على الألفاظ المنطوقة "وهو الاتصال اللفظي " والثاني يقوم من خلال الصمت وهو ما يسمى بالاتصال غير اللفظي .. .أين نحن من هذا الفن الكلامي المصحوب ببعض الحركات والإيماءات والذي يُرغم من أمامك ومن حولك على البوح بما في داخله فيقول أكثر ما يريد فعله فيوُلد لدى الآخرين شعوراً بالغيظ الشديد لأنهم يعتبرون هجوماً مستتراً فتكون أنت الأقوى من دون كلام ولا تعب... كم يخفي الصمت الكثير من أسـرار وهمسات غير مسموعة تتطاير هنا وهناك لنلمحها ونقرأها على حقيقتها .
فالصمت حالة يُكتسب فيه المرء معرفةً ووقارً وهيبةً كما قال علي بن أبي طالب
" بكثرة الصمت تكون الهيبـة "... تأمل بديع صنع الله وآياته في الكون كلها فنون من الصمت ... الموسيقى والباليه والمعارض الفنية كلها من فنون الصمت ... فأنت ترى وتنصت فقط ولا تقول شيئاً ... أنها أروع حالات الصمت والتأمل وأكثرها هيبة
ولا عجب إن تكـلُم الصمت بما أُريد لأنه يتقن الحديث في وقت قد لا تتقن الكلمات ذلك ... فتخرج همساته صـادقة الشـعور واضحة الرؤى لا يقرأها الا من رافق الصمت فأحًبُ رفقتـه..
الصمت سـلاح صـارخ وهجوم مستتر نستطيع من خلاله تدمير أسلحـة من نتشاجر معهم ويجُردهم من القدرة على مواصلة الكلام.,,,
.. انه الصمت الذي يترك نقشاً عميقاً في النفس قد تتغير حياتنا وتنقلب ضدنا بسبب تصرف خرج في لحظة غضب او كلمة أثارت حفيظتنا كان من المفترض حينها ان نصمت ...ففي أحايين كثيرة تتطلب منا المواقف أن نشجب ونستنكر بصمت بالغ "هيبة للصمت" أننا نصمت عند رؤية مشـهد مؤلم او لوحة فاتنة .....وفي ساعات السفر الطويل ..أو حينما يٌســاء إلينا و يُقال عنا وفينا كلام في غير محله آلا تصمت ليكون صمتك حينها ابلغ من الرد,,,,,.. وكما قالت غـادة السمان " لأننا نتقن الصمت حمُلونا وزر النوايا "
كثيرا ما يكون الصمت خنجر تطعنه في قلب من يؤذيك بحديثه وتصرفاته .. وكثيرا ما كان الصمت والسكوت رصاصة قاتلة لعدو متربص ينتظر زلاتك حرف او كلمة ليأخذها سلاح مضاد ضدك... كثيراً ما يكون الصمت صم?Zام آمان في لحظة الاشتعال كغاز تصبه على النار فيزيد اشتعالها ولكن تكون أنت في مأمن بعيداً عنها وهو قريب منك يحترق بالنار المستعرة تجاهك .
انه الصمت العلم الأصعب في عالم الكلام يصعب أحيانا تفسيره والذي يمنحنا طاقة قوية للتفكير بعمق في كل ما يجري حولنا والتركيز بعقلانية ... وان نسيطر على من يقف أمامنا من خلال نظرات مُحملة بمعان منطوقة تجعلنا حائرين في تفسيرها . ..

من هنا جاءت الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على الصمت بما هو دعوة أخلاقية في المقام الأول وأورد حديث رسول الله "ص "
" ان أكثر أخطاء ابن آدم في لسـانه " وأيضا من كثٌر كلامه كثٌر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به " وكذلك رحم الله امرءاً صمت فسلم أو قال خيرا فغنم " وقال أيضا " من صمت نجا "
ما أجمل الصمت في المواقف الصعبة حيث يُولد الاحترام بعكس الصراع والجدل الذي يولد التنافر والحقد .ٍ ,,,,حينها تغلق جبهة حرب لتفتح مقابله باب السلام على مصراعيه.
أخيراً عزيزي القارئ:
اجعل صمتك ايجابي وذو حكمة حـذار.. حذار .. أن يكون صمتك سـلبي مذموم.... الصمت الذي يقصد به الانغلاق وتوقف اللسان والفكر والحراك... وهو صمت مميت قاتل ينبعث من الخوف والاستسلام والخنوع ،،،، ويؤدي للمزيد من الرعب والتخلف وضياع الحقوق والهزيمــة .
ولا ننسـى انه قد يكون أحياناًُ تعبيراً عن لون من ألوان الجهل وانعدام الثقافة " فالجاهل في الغالب صامت " وقد يكون الصمت في حالة الحب والصداقة بوظيفـة الارتباط ودعم العلاقة... او قد يكون علامة على الكراهية وتفكك العلاقة وانحلالها وأحياناً الصمت علامة على الغضب والاستياء وقد يكون أداة للتعبير عن التحدي الاجتماعي فبدون الصمت لا يوجد كلام فلا يمكن فصل الكلام عن الصمت .
في نهايــة هذا المطاف يبقى الصمت رســـالة صارخة مبرمجة . ومترجمة نقية الســطور ... جليلـة المعنى ... قد لا تكون مقروءة ولكن شـعورها وأثرها لا بد أن يصل إلى النفوس.. فهو ليس بظاهرة وإنما نشـاط ايجابي واعّ يقوم بوظائف ايجابية أساسها التفكير العميق .
ومسك ختام ســطوري أذكُركم بما قالُه لقمـان الحكيم لولده :"بابني أذا افتخر الناس بحُسن كلامهم فأفتخر أنت بُحسن صمتـك " .
"لقد ندمت على الكـلام مرات ولم اندم على الصمت مـــرة ."
manal_qatawneh@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد