الدرك ينحتون نعش الديموقراطية

mainThumb

31-07-2009 12:00 AM

خالد العلاونة
عندما اعلن المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه عودة الحياة الديموقراطية في الاردن عام 1989 بعد غياب طويل استبشر الاردنيون خيرا على اعتبار ان الديموقراطية بمفهومها الواسع تعني الحرية في كافة نواحي الحياة ، حرية الراي ، حرية القول ، حرية التعبير ، حرية الفكر ، وأيقن الاردنيون ان عهد الاحكام العرفية قد ولى وان القيود التي كانت تكمم الافواه قد تحطمت واننا ارتقينا الى المعنى الحقيقي للديموقراطية ولان الانتخابات هي المظهر الابرز من مظاهر الديموقراطية كانت العودة الى الحياة البرلمانية والانتخابات الحرة النزيهة والمباشرة والتي يصاحبها الحرية الكاملة في الاختيار وفي القول والتعبير.
ولان من حرية التعبير عن الراي الاحتجاج على سلوك يرى فيه الناس اجحافا في التعامل مع قضاياهم فقد كانت مظاهر الاحتجاج كثيرة كالمظاهرة والاضراب والاعتصام هذه المظاهر التي يرى فيها الناس متنفسهم للتعبير عن رأيهم ، الا انه ومع تسارع الايام بدأت تلوح في الافق ممارسات تعبر عن البدء في التراجع عن الديموقراطية الحقيقيه التي ينشدها الناس والبدء بنحت نعشها فبدت ديموقراطيتنا وكأنها مقنعة او زائفة، وليس ادل على ذلك من تلك القوانين التي جاءت لتكبل الديموقراطية وتفرغها من مضمونها الحقيقي بدءاً بقانون الصوت الواحد في الانتخابات الذي افرز ديموقراطية مبتورة مرورا بقانون الاجتماعات العامة الذي اعطى الحاكم الاداري سلطة اقوى من سلطة الدستور وصولا الى قانون الاحزاب الذي جاء تعجيزيا ليبقي الاحزاب تحت سيطرة النخب ، كلها قوانين جاءت لتحد من حرية المواطن في اختيار الممثل الحقيقي له او في الاجتماع للتعبير عن رايه او الانخراط في تنظيم حزبي يرى انه يلبي حاجاته ويدافع عن رغباته .
لقد تجلت مظاهر التراجع عن الديموقراطية الحقيقية في الانتخابات النيابية الاخيرة والتي افرزت مجلسا نيابيا لم يكن للمواطن دورا في اختياره عندما فتحت الجهات الرسمية الباب على مصراعيه لاصحاب المال ورجال الاعمال لاستغلال الثغرات التي يتميز بها نظام الانتخاب بدءا من تسجيل اسماء الناخبين وعملية نقل الاسماء بين الدوائر وانتهاء بعملية النظر بالطعون بنتائج الانتخابات والتي بقيت بيد مجلس اعضاؤه هم المطعون بصحة نيابتهم اصلا مما انتج نوابا لا هم لهم الا مالهم واستثمارهم وليس في اجندتهم مكان للفقراء ومطالبهم لان مصالح الاغنياء ومطالب الفقراء ضدان لا يجتمعان .
ومن مظاهر التراجع عن الديموقراطية ايضا اساليب الترهيب والتخويف والتهديد بالقمع من قبل اجهزة الدولة ومسؤوليها ومن الامثلة على ذلك ،ذلك التهديد الذي اطلقه وزير الزراعة السابق لعمال المياومة في وزارته بخصم مبلغ من رواتبهم ان هم اشتركوا في الاعتصام الذي دعت اليه لجنة عمال المياومة للمطالبة بأبسط حقوقهم وهي مساواتهم باولئك الذين حازوا الامتيازات والتثبيتات من خلال مكالمة هاتفية او توصية على قصاصة ورق من هذا المسؤول او ذاك ، ثم اتخذت مظاهر التراجع عن الديموقراطية مسارا اخر تمثل باستخدام القوة والعنف في منع المواطن من التعبير عن رايه وخير مثال على ذلك ما تعرض له المتظاهرون امام وزارة الزراعة قبل فترة وجيزه من قبل قوات الدرك.
واخيرا تجلى العنف في قمع قوات الدرك للاعتصام السلمي الذي قامت به مجموعة من موظفي الموانىء في العقبه و استخدمت فيه شتى وسائل القمع ما حدا بشهود عيان وصفها بقولهم انها كانت حرب بلا هواده بين قوات نظامية مدججة بشتى انواع السلاح والعصي والهراوات من جهة وموظفين عزل لا يحملون الا رسالة ارادوا ان يوصلوها لمسؤوليهم لرفع الظلم والاجحاف الواقع عليهم وهم يرون ان هناك من هو غارق بسيول من الامتيازات والاعطيات والهبات بغير وجه حق بينما هم وابنائهم يتهددهم الجوع والخوف من المستقبل المجهول من جهة اخرى
كأننا بدأنا ندق المسامير في نعش ديموقراطيتنا المقنعة ونحن نرى قوات الدرك تحكم الهراوة على افواه المحتجين وتطاردهم من شارع الى شارع وتمارس بحقهم ابشع صنوف التعذيب .
عاهد العلاونه شاب يفيض حيوية ينظر بعين التفاؤل الى المستقبل ، شارك زملاءه اعتصامهم في العقبة وهو يظن انه القادر على التعبير عن رأيه في ابراز مدى الظلم الذي يلحق به وبزملائه من مؤسسته التي عمل بها واحبها في ظل ديموقراطية صوروها له بانها سبيله للوصول الى هدفه المنشود وهو لا يعلم ان لهذه الديموقراطية جناحا من القوة اسمه الدرك ذو كفاءة عالية في التدخل لكسر عظام الفقراء دفاعا عن مصالح المتنفذين والاغنياء ، كان عاهد يغذ الخطى مع زملائه نحو التعبير عن رايه واذا به يجد نفسه طرفا في حرب غير متكافئه مع اناس احس انهم الغرباء عن وطنه ومجتمعه وهم يعتقلونه باسلوب وحشي وثم فجأة بلا شفقة او رحمة يلقون به من اليتهم وهي تسير بسرعة عاليه فتتلقاه الارض بصلابتها واذا به جثة بلا حراك يرقد في المستشفى في حالة غيبوبة ناتجة عن نزيف في الدماغ سببها قوة الارتطام بسطح صلب .
عاهد يصارع من اجل البقاء تحيط به اسرته المكلومة وسط الحزن والدموع والحسرة تنتظر الرحمة من الله ان يشفيه ويعيده اليهم كما كان ، اما اولئك _ أبطال الدرك _ فقد عادوا الى مواقعهم ليحتفلون بنصرهم العظيم يسرد كل منهم بطولته في ذلك اليوم المشهود يشربون نخبهم من دماء عاهد وزملائه .
قال الفيلسوف الالماني فولتير فيما معناه : (قد اخالفك الراي ولكني مستعد للموت في سبيل ان تاخذ الفرصة في قول رأيك ) أما في بلادنا فيصورون للعالم انهم يعطونا الفرصة للتعبير لكنهم مستعدون لقتلنا قبل ان ننطق بحرف
هذه هي الديموقراطية التي استوردناها وتفتقت عقولنا لتنتج لها طرقا من القمع والتنكيل لتكون الخطوة الاولى على طريق وأد ها ودق المسامير في نعشها .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد