اميركا تطوي آخر مراحل عنصريتها

mainThumb

12-02-2008 12:00 AM

لم نكن يوماً راضين عن السياسة الاميركية المتعلقة بأزمة الشرق الاوسط.
ذلك انها كانت دائماً منحازة الى اسرائيل رغم ان نشوءها عام 1948 وتوسعها عام 1967 كانا على حساب شعب فلسطين الذي فرض عليه الذين صاروا مواطنين اسرائيليين او بالأحرى على غالبيته الهجرة ورغم ممارساتها العدوانية ضد محيطها العربي التي مكنتها من احتلال اراض في اكثر من دولة عربية. ولم نعجب بسياسة الرئيس جورج بوش في العراق رغم اننا وكثيرين غيرنا لم نكن معجبين بصدام حسين ونظامه وكنا ربما نتمنى اطاحته بصرف النظر عن هوية الذي سيطيحه لانها اظهرت عدم فهم واضعيها لتركيبة "الشعوب" العراقية والشعوب العربية والمزاج العربي الامر الذي اعاد تلميع صورة صدام واخوانه في المنطقة ويكاد يدفع الادارة في واشنطن الى التخلي عن سياسة نشر الديموقراطية في الشرق الاوسط.
لكننا قدّرنا دائماً النظام الاميركي بما فيه من حرية وديموقراطية ومساءلة ومحاسبة وتطور. ولم يمنعنا هذا التقدير من رؤية الثغر في هذا النظام مثل جماعات الضغط المالية والاقتصادية والعسكرية والاعلامية واللوبيات العاملة لمصالح تتعدى حدود اميركا. ولم تدفعنا هذه الثغر الى التخلي عن تقديرنا لاميركا لان نظامها قادر على ان يصلح نفسه بنفسه وعلى سد كل ثغرة مهما اتسعت وان تطلب ذلك وقتاً.
ما هي مناسبة هذا الكلام الودي عن اميركا اليوم؟
مناسبته هي وصولها اليوم الى آخر مراحل حل القضية العنصرية اي بين السود والبيض والتي عمرها من عمر الدولة الاميركية. ومناسبته ايضاً هي ان هذا الوصول يتم من داخل النظام بكل قوانينه ومؤسساته وبممارسة قد تكون الارقى في العالم. وبمقدار ما يجب ان يفرحنا ذلك فأنه يحزننا لان المنطقة التي نعيش فيها، واستطراداً العالم المتخلف كله الذي ننتمي اليه، لهما طريقة خاصة ومختلفة لحل الاشكالات العنصرية تقوم في معظمها اما على القتل او على التشريد والتهجير او على القمع. ولهذا السبب نرى دول هذه المنطقة والعالم اما في حال دائمة من عدم الاستقرار، واما في حال دائمة من القمع المنهجي والمدروس و"المبرر".
اما كيف وصلت اميركا الى آخر مراحل حل القضية العنصرية فبتعامل شعبها مع المرشح الاسود للرئاسة باراك حسين اوباما على انه مواطن اميركي يملك المؤهلات الضرورية لقيادة بلاده في هذه المرحلة المضطربة من تاريخها وتاريخ العالم وليس على انه مواطن اسود كان في الماضي مواطناً من الدرجة الثانية او حتى الثالثة. وهو تعامل اختلف اليوم عن الذي مارسه شعب اميركا مع مرشح رئاسي اسود عامي 1984 و1988 هو القس جيسي جاكسون. اذ لم يصوت لترشيحه الا قسم مهم من الاميركيين السود. ولم "تقبض" الاكثرية البيضاء اذا جاز التعبير على هذا النحو ترشيحه للرئاسة جديا حتى في اوساط حزبه الذي يقول دائماً انه ضد العنصرية، وهو كذلك. لكن الظروف في ذلك الوقت لم تكن ناضجة. ومن 1988 الى الآن تغيرت امور كثيرة. فالحزب الجمهوري المحافظ هو الذي اتى بوزيرين اسودين أو ملوّنين الى الخارجية (كولن باول وكوندوليزا رايس). وما كان ذلك ليحصل لو لم تفتح الادارات والمؤسسات الاميركية ابوابها لكل الاميركيين بعيداً من اي تمييز عرقي او ديني، علماً ان وصول اوباما الى هذه المرحلة المتقدمة من الترشيح يكشف، وإن جانبياً، عدم وجود حرب بين اميركا "المسيحية" والمحافظة من جهة والاسلام كدين من جهة اخرى. ذلك ان اسم والد اوباما حسين لم يثر عند ناخبيه او في الولايات التي فاز فيها مُرشِّحيه اي "نقزة"، رغم بعض الحملات غير الفاعلة.
هل يجب ان يصل باراك اوباما الى البيت الابيض كي تطوى صفحة التمييز العنصري في اميركا؟
مجرد نجاح اوباما الآتي من خارج المؤسسة الاميركية (استابلشمنت) في منافسة هيلاري كلينتون إبنة المؤسسة على نحو بالغ الجدية، يؤكد ان هذه الصفحة قد طويت. ولا يعني ذلك طبعاً عدم بقاء "جزر" عنصرية متناثرة، وذلك امر طبيعي، لكنه لا يؤثّر ولن يؤثّر في الدولة والنظام والمجتمع. اما نجاحه في الحصول على ترشيح الحزب الديموقراطي له لرئاسة اميركا فسيعني ان طي الصفحة صار نهائياً. ولا يهم اذذاك اذا فاز بالرئاسة او لم يفز علماً ان فوزه لا بد ان يضع كلمة النهاية لمسلسل التمييز العنصري في اميركا والذي رافق نشوءها كدولة، علما ان الخبراء والعارفين من الاميركيين يعتقدون ان ترشيح اوباما قد يكون الحد الاقصى لان الفوز في هذه الحال سيكون من نصيب المرشح الجمهوري.
في اي حال ان المعركة الرئاسية الحالية في اميركا تنطوي على تحديين كبيرين، الاول وصول اسود الى الرئاسة. والثانية وصول امرأة الى الرئاسة. والامران يبرزان عن عمق التطور والتقدم في المجتمع الاميركي. وعدم فوز اي منهما لا يعني ان هناك عودة عن هذين التطور والتقدم.
في النهاية نتمنى ان تتصرف اميركا مع العالم كما تتصرف مع مواطنيها وليس كما تصرفت في الماضي الدول الكبرى الاستعمارية والامبراطوريات، اي انطلاقا فقط من مصالحها. والتمني هذا قد يصبح حقيقة اذا عاشت المنطقة والعالم المتخلف في ظل انظمة ديموقراطية تحترم شعوبها وتفرض على اميركا والدول الكبرى احترامها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد