أي شفافية؟!

mainThumb

01-06-2008 12:00 AM

لايوجد حرج عند النظم العربية من القول إنها تتعامل مع شعوبها بشفافية، ومن أنها تفضل معارضة الداخل على معارضة الخارج التي تعدها عميلة، وتنفذ أجندة وخيارات الأجنبي، في حين تتعاطى مع معارضة الداخل بشتى أنواع القمع واصفة رموزها بالخيانة والتعدي على الثوابت، وصولا إلى الزج بعناصر ورموز تلك المعارضة في السجون وتقديمهم للمحاكمات تحت تهم تخوينية، كما هو الحال في نموذج تعاطي السلطة في بلادنا مع رموز المعارضة أمثال المناضل الوطني الجسور حسن أحمد باعوم والمحامي والناشط السياسي علي هيثم الغريب ويحيى الشعيبي وغيرهم.

وهنا يبرز السؤال المنطقي: إذا كانت السلطة كما تقول دائما إنها تفضل معارضة الداخل وتتعاطى معها ومع ذلك تبدي نفاد صبر يـظهر في تعاطيها مع هؤلاء بصورة قاسية للغاية، فأي معارضة الداخل تكون مقبولة لديها؟!.

تجربة مثيرة تخوضها السلطة في بلادنا مرت بها شعوب مماثلة، وتبين بعد كل فرط الإجراءات الأمنية وزنازين السجون وكل أدوات القمع والسحل التي استخدمت، وحجم الخوف والهلع الأخير الذي سكن ذاكرة المواطن في تلك الشعوب، تبين بعد كل ذلك مدى إسهام هذه الأنظمة وتلك في جعل الأمور تخرج عن نطاق سيطرتها، وربما احتواؤها إذا لم تجد بدا تلك الاصطفافات المعارضة من البحث عن الطرق التي تمهد لها أهدافها أو تزيل عنها ربقة المعاناة والبؤس وطريق اللا أمل بإمكانية تعاطي أنظمة مجتمعاتها مع المعارضة في الداخل بقدر من العقلانية والتوازن الذي يغلب مصلحة الوطن على ما سواها.

نعم كانت نتائج ارتهان المعارضة بأطيافها المختلفة تعد الأجنبي خيارا سيئا وحصادا مرا بمختلف المقاييس، إلا أن ذلك ما جرى، وعمليا لابد أن تجد الأطراف الخارجية في دعمها لأي معارضة كانت سبلا تنفذ من خلالها ما تراه أولويات وأجندة تخدم اتجاهات الأطراف الداعمة، أي أن المعادلة هنا تكون خارج نطاق حسابات الأنظمة التي تظل ترقب الأفق البعيد بقلق شديد مع ما يجري من إنهاك واستنفاد لمقدراتها، وجعلها أسيرة هاجس الأمن والمحافظة على عروشها أكثر من أي شيء آخر.

والأفق البعيد دون شك لايحمل في نذره صيغا توافقية بين قطبي السلطة والمعارضة، لأن هذا شأن ليس في أجندة الخارج.

وتعاطي مجتمعنا مع رموز القضية الجنوبية تحديدا يمثل هذا النمط الحاد من التعامل المرتهن في كل قراراته وأبجديات أولوياته للبطش والقسوة والتخوين والسجون والمحاكمات وتضييق الخناق على أصحاب الرأي ومعارضة الداخل ويجعل الأمور تنسل رويدا رويدا من تحت دائرة الوطأة العسكرية والاستبداد الأمني إلى فضاءات مختلفة تكون فيها السلطة فاقدة زمام المبادرة تماما، وتعيش هاجس امتداد أجندة الخارج وأولوياته عبر طيف المعارضة التي لم تجد بدا من خيار المنافي طريقا صوب الوطن، أي أن التحالف مع الشيطان خيار ربما لايكون مستبعدا مادامت الطرق كلها تؤدي إلى روما. عندها نقول وفق المثل العربي (وجنت على نفسها براقش). وهنا يبرز السؤال المنطقي: هل محاكمة باعوم والغريب والشعيبي جسر للوفاق الوطني ونافذة للشفافية؟!.
" عن الايام اليمنية "


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد