سوريا .. سلام أم اختراق؟

mainThumb

19-07-2008 12:00 AM

عمّت نوايا السلام الوطن العربي كله، بينه وبين أعدائه ومحتليه. وتوالت مبادرات السلام، مثل المبادرة العربية الأخيرة على مبدأ "الأرض مقابل السلام" منذ اتفاقية كامب ديفيد في 1978 ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 1979 التي على أساسها استردّ?Zت مصر سيناء منزوعة السلاح، وحق إسرائيل في دخول طابا وسيناء بلا تأشيرات دخول. تلتها "اتفاقيات أوسلو" ومدريد وورقة كلينتون وأخيراً خريطة الطريق. ولم يتحقق شيء منها بعد إلا وعوداً بإقامة دولة متصلة جغرافيّاً قابلة للحياة. يعيش فيها الفلسطينيون جنباً إلى جنب بجوار دولة إسرائيل. كلام في مقابل فعل، مشاريع مستقبلية في مقابل حاضر ماثل، أمنيات عزيزة في مقابل واقع أليم.
وتدور هذه المحاولات جميعاً منذ أكثر من أربعين عاماً منذ هزيمة يونيو 1967 وقبول عبدالناصر "مبادرة روجرز" لإقرار السلام بين العرب وإسرائيل، الانسحاب الكامل في مقابل السلام الكامل، إزالة آثار العدوان في مقابل المصالحة التاريخية بين العرب وإسرائيل. ولم تكن المستوطنات قد بدأت بعد، ولم يكن الضعف العربي قد وصل إلى ذروته، ولم يكن غزو العراق وحصار إسرائيل لغزة قد وقعا بعد. قبلها عبدالناصر لأنه كان يعلم أن إسرائيل لن تقبل، وأنها غير مستعدة للانسحاب من الأراضي المحتلة. كان يريد إحراجها أمام الرأي العام العالمي، وإثبات حسن نوايا العرب ورغبتهم في السلام المشروط بالانسحاب من الأراضي المحتلة بعد عام 1967، واسترداد الحقوق المشروعة لشعب فلسطين.

والآن يتم استكمال تفتيت الجبهات العربية بتفتيت الجبهة الشمالية بعد غزو العراق. فقد ارتعدت إسرائيل بعد الثورة العراقية في يوليو 1958، ومحادثات الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق، والرباعية بعد الثورة اليمنية في 1964. ومنذ ذلك الوقت وإسرائيل تخطط لتفتيت الجبهة الشمالية. وقد تكون المحاولات الأخيرة لاستدراج سوريا إلى مخططات السلام عبر تركيا كوسيط إحدى الوسائل لاستكمال تفتيت الجبهة الشمالية، وقطع الحبل السري للمقاومة اللبنانية في الجنوب بعد الشعور بالعجز أمام القضاء على المقاومة اللبنانية في الجنوب بعد حرب يوليو 2006، وبعد الأزمة اللبنانية الأخيرة بين "المعارضة" و"الموالاة"، التي نزل فيها "حزب الله" إلى شوارع بيروت دفاعاً عن شرعيته ووجوده.

وقد تم من قبل تفتيت الجبهة الجنوبية بعد مظاهرات يناير 1977 وزيارة القدس في نوفمبر 1977، التي على إثرها تم توقيع اتفاقيات كامب ديفيد في 1978، ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 1979، وإخراج مصر من المعركة كما اعترف بذلك هنري كيسنجر في مذكراته بعد أن عاتبته "جولدا مائير" بأنه، وهو اليهودي، لا يفعل لإسرائيل قدر ما يفعله لصديقه السادات وقوله: "أنتِ لا تدرين يا سيدتي مدى الخدمة التي أديتها لإسرائيل. لقد أخرجتُ مصر من المعركة". والآن يتم تفتيت السودان، العمق الاستراتيجي لمصر. ففيه منابع النيل. وإليه تم إرسال ما تبقى من طائرات مصر في 1967 حماية لها من غارات العدو الإسرائيلي. وقد تحولت ليبيا إلى الفضاء الأفريقي، دول الساحل والصحراء، بعد أن اشترك العرب في فرض الحصار الأميركي عليها، ولم يجرؤ أحد من زعماء العرب على خرق الحصار كما فعل بعض الزعماء الأفارقة. وانتهت محادثات الوحدة الثلاثية بين مصر والسودان وليبيا.

وتم تفتيت الجبهة الغربية بإدخال موريتانيا في مخططات الصلح والاعتراف لشق جبهة صمود المغرب العربي. والمغرب له ما يزيد على سبعين ألف يهودي شرقي في إسرائيل من بقايا يهود الأندلس بعد أن طردهم المسيحيون الإسبان بعد سقوط غرناطة، آخر مدن المسلمين. فآواهم المغرب، وحماهم من الاستئصال، والتحول عن اليهودية إلى المسيحية. ولهم مكاتب ترعى مصالحهم. وسارت تونس إثر المغرب منذ خطاب بورقيبة الشهير في أريحا داعيّاً إلى الصلح والاعتراف والمفاوضة حتى عودة الدفء للعلاقات التونسية- الإسرائيلية من خلال رعاية مصالح اليهود التوانسة.

وتم تفتيت الجبهة الشرقية بإدخال الأردن في مخططات السلام منذ اتفاقية وادي عربة، والخيار الأردني، والوحدة الأردنية الفلسطينية، والأردن وطن بديل للفلسطينيين، والتطبيع، وتعريب السلام.

الهدف من مبادرات السلام تجاه سوريا من إسرائيل مباشرة أو عبر الوسيط التركي هو تفتيت الجبهة الشمالية، وإعادة الجولان مثل سيناء منزوعة السلاح، عليها نقاط مراقبة، بالإضافة إلى قوات دولية على الحدود. وتطول المفاوضات حول البحر الميت والحدود السورية/ الإسرائيلية وسط مياهه أم على الشواطئ التي تسيطر عليها إسرائيل؟ والتفاوض مع سوريا حول مزارع شبعا. ومحادثات طابا واللجوء إلى محكمة العدل الدولية مازالت في الأذهان. والهدف بعد سوريا هو إدخال لبنان في مخططات السلام، وتحييد الجنوب، والقضاء على سلاح "حزب الله". فلم تعد هناك مشاكل حدود بين لبنان وإسرائيل. والدولة اللبنانية جاهزة لبسط سيادتها على كل لبنان، في الجنوب في صيدا وصور، وفي الشمال في طرابلس، وفي الشرق في البقاع، والبحر في الغرب. والهدف الأبعد حصار إيران وتقليص نفوذها في الوطن العربي ولدى دول الجوار، وحصارها داخل حدودها الطبيعية، وإلغاء دورها الإقليمي، وإبعادها عن أفغانستان وباكستان وأواسط آسيا وتركيا حتى لا ينشأ كومنولث إسلامي آسيوي يضم ماليزيا وإندونيسيا شرقها وأواسط آسيا شمالها، والوطن العربي غربها، والهند جنوبها.

قد يكون الهدف إنقاذ حكومة أولمرت من السقوط بسبب قضايا الفساد والإبقاء على التحالف الحالي بين حزبي "العمل" و"كاديما". وقد يكون الهدف إدخال تركيا كوسيط، يتوق إلى الدخول إلى الاتحاد الأوروبي. وله علاقات مميزة مع إسرائيل. وهذا هو طريق المستقبل لسوريا واستراتيجيتها الحكيمة لتلحق بمصر والأردن وموريتانيا. وتغيب مصر كوسيط بين سوريا وإسرائيل، وهي شريكة سوريا في الحرب وليست شريكتها في السلام، ولإبعاد سوريا عن امتدادها في الجنوب. يكفيها شركاؤها الجدد في الشمال، تركيا، وفي الغرب، إسرائيل. ومصر تجعل سوريا هي المسؤولة عن الأزمة اللبنانية، وتأييد "حزب الله"، والتحالف مع إيران. ومصر من قبل هي التي دخلت في محادثات فصل القوات بعد حرب أكتوبر 1973 باسم سوريا مع إسرائيل لاسترداد القنيطرة وشريطها بعد احتلال الجولان. وقد كان عبدالناصر يقول باستمرار "سيناء ليست مشكلة يمكن استردادها في أربع وعشرين ساعة، ولكن الضفة والجولان والقدس هي المشكلة". تحريرها أولاً قبل سيناء. فلا صلح منفرداً مع إسرائيل، ولا تجزئة في استرداد الأرض العربية وإزالة آثار العدوان.

والهدف الأبعد من ذلك جميعاً هو إدخال الوطن العربي كله في بيت الطاعة، وانضواؤه تحت النفوذ الأميركي- الإسرائيلي، والقضاء على صوته المستقل، ودوره في حفظ التوازن بين الشرق والغرب الذي فقدته أوروبا من قبل. الهدف هو زحف الغرب نحو الشرق باسطاً جناحيه فوق الوطن العربي والعالم الإسلامي، ماليزيا وإندونيسيا سياسيّاً بعد أن ابتلع الهند، وحصار "النمور الآسيوية" اقتصاديّاً، سنغافورة، وكوريا الجنوبية، وهونج كونج، حتى يكتمل الحصار حول الصين، القوة السياسية والاقتصادية في المستقبل. وتوجيه مسار التاريخ في الحاضر هو تحكم في اتجاهه في المستقبل.

* نقلا عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد