قراءة تأملية في خطاب العرش السامي

mainThumb

12-10-2008 12:00 AM

الشعور الجياش الذي انتاب الأردنيون وهم يستمعون إلى الخطاب السامي الجامع لجلالة الملك عبد الله الثاني عندما افتتح به الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة الخامس عشر أحس الجميع بالنشوة والأمل المنشود الذي عودنا عليه ربان المركب الهادئ وقائد الوطن الملهم وزاد من طمأنينتنا في كل ما يجول في بال وتفكير أي مواطن من خلال الرؤى الحكيمة التي تم توجيهها إلى الحكومة الرشيدة للعمل بموجبها حتي يبقى المواطن ينعم بالراحة والاستقرار ويخفف عن كاهله الأعباء المعيشية التي تلازمه في ظل الظروف الاقتصادية العالمية.

الخطاب السامي كان جامعا وشاملا لكافة الأمور الحياتية التي تهم الوطن والمواطن وترسم سياسة واضحة الملامح لكافة القضايا التي يجب التعامل معها وفق معطيات واضحة لا لبس ولا غموض فيها وهي بمنتهى الصراحة والوضوح ألقيت على أصحاب الذوات السادة أعيان الوطن ونواب الشعب واستمع إليها الشعب الأردني بشغف من خلال النقل التلفزيوني المباشر لوقائع العرس الديمقراطي الدستوري الذي جرى تحت قبة مؤسسة السلطة التشريعية العريقة بيت الأردنيون .

لقد ركز جلالته في بداية خطابه على استمرارية النهج الديمقراطي وتعزيز المشاركة الشعبية في صناعة التشريعات من خلال أعيان ونواب الأمة وفق مبادئ رسالة الثورة العربية الكبرى لاستكمال بناء مؤسسات الوطن العصرية والنموذجية لدولة القانون والمؤسسات التي بناها وشيدها الهاشميون فكرا وعلما وارثا شكل هذا الحمى العربي وطنا هاشميا عربيا وحدويا يعرف التواصل ولا يعترف بالفواصل ما بين مكونات شعبه الواحد وريثا لنهضتي الرسالة المحمدية إلتى قامت عليها أمانة الرسالة المجددة لثورة الأجداد والآباء العربية في التحرر والبناء من عهد عبدالله الأول المؤسس إلى عهد عبدالله الثاني المطور والمحدث .

الشأن الاقتصادي في خطاب جلالته كان له أهمية كبيرة على اعتبار أنه أولوية يجب العمل سويتا لمعالجة موجات الغلاء وارتفاع الأسعار التي تأثرت بها الأردن لما لها من بعد اجتماعي هام بسبب التحديات الاقتصادية العالمية حيث طالب السلطات الثلاث بالتعاون فيما بينهما لتنفيذ جملة من السياسات الاقتصادية الإصلاحية لبناء اقتصاد وطني قوي ومتين وتوجيه الحكومة لتقديم المزيد من الخدمات الأساسية في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية وعدالة توزيع عوائد التنمية جغرافيا ينعكس إيجابا على حياة المواطن الأردني في كافة المدن والقرى والبادية والمخيمات.

في البعد الاجتماعي ومن خلال نظرة ثاقبة تستشعر حال المواطنون وأحوالهم وجه الحكومة بضرورة العمل على تنفيذ منظومة للأمان الاجتماعي تضمن وصول الدعم المالي إلى المواطنين حسب الحاجة والاستحقاق لتمكينهم وحمايتهم اقتصاديا و توسيع مظلة التأمين الصحي الشامل بالتعاون مع القطاع الخاص وإعداد خارطة صحية للمملكة لتكون ذات بعد مرجعي وقد وجه جلالته الحكومة إلى استكمال مشاريع الإسكان وهكذا ضمن مبادرة "سكن كريم لعيش كريم"، لتمكين مائة ألف مواطن، من امتلاك السكن الملائم، خلال السنوات الخمس القادمة. وطالب جلالته الحكومة بتنفيذ مجموعة من الإجراءات بشكل فوري يضمن الاستقرار المالي وتعزيز البيئة الاستثمارية وضبط مستويات التضخم لحماية المواطن من زيادة تكاليف المعيشة، وتفعيل سياسات الأجهزة المصرفية للمحافظة على سمعتها والرقابة على حقوق المودعين والمتعاملين بطريقة راقية والعمل على ربط مستويات الرواتب بمعدلات التضخم وترسيخ مبدأ العدالة و الجدارة والعمل على زيادة الرواتب بداية العام المقبل عام 2009 و رفع الحد الأدنى للأجور، بما يوفر عيشا كريما لشريحة كبيرة من المواطنين وإعداد قانون ضريبة جديد يحفز القطاعات الواعدة ويساهم في تعزيز البيئة الاستثمارية. وفي مجالات الأمن الغذائي الوطني والمائي وتوفير الطاقة أبدى جلالته حرصه على رعاية المزارعين ومربي الثروة الحيوانية و دعم الأعلاف لمستحقيه وإخراج مشروع المراعي الطبيعية إلى حيز التنفيذ ضمن برنامج تطوير البادية الأردنية واستمرارية دعم الخبز لجميع شرائح المجتمع الأردني والإسراع في تنفيذ إستراتيجية، تهدف إلى توفير حصص مائية عادلة للمواطن من حيث زيادة القدرات التخزينية وتطوير المصادر المائية وبناء السدود ومشروعات الحصاد المائي وكذلك في مجال الطاقة وجه الحكومة إلى البحث عن مصادر متجددة وبديلة وسرعة تنفيذ برنامج الطاقة النووية والصخر الزيتي وطاقة الرياح وتحدد مدة العمل في هذه المشاريع والتي ستنعكس الفائدة منها على جميع الأردنيين.

وكما بين جلالته إن تحقيق أي تقدم يرتبط بوجود بيئة قانونية وقضائية تضمن سيادة القانون ونزاهة القضاء انطلاقا من مبادئ الفصل ما بين السلطات و استقلال القضاه مطالبا الحكومة بوضع التشريعات اللازمة لتسريع إجراءات التقاضي وأكد جلالته على الرؤية الشمولية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي تسير جنبا إلى جنب مع التنمية السياسية الهادفة إلى توسيع قاعدة المشاركة في عملية صنع وتنفيذ القرار وتعزيز مبادئ المشاركة والمساءلة وتكافؤ الفرص وتركيزه على الإدارة المحلية في المحافظات وتطويرها بأسلوب يقرب من اللامركزية مؤكدا على تفعيل مفهوم الحكم المحلي لكونه أفضل السبل لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية وتعزيز التنمية في كافة المناحي.

وطالب جلالته بالعمل على إعادة دراسة توصيات لجنة الأقاليم ووضع التشريع اللازم يستند لهذه التوصيات يهدف إلى تمكين المجتمعات المحلية من تحديد احتياجاتها التنموية والحث على المشاركة والانتخاب لفئات الشباب والمرأة لدخول ميادين العمل العام والمشاركة السياسية على المستوى الوطني لاحتلال موقع الصدارة على الصعيدين العربي والعالمي .

كما وأكد جلالته على ترسيخ ثقافة الديمقراطية واعتماد الحوار وسيلة للتواصل الحضاري وتعظيم المشاركة الشعبية في بيئة تسودها قيم التسامح وحرية الفكر ورعاية الإبداع بمساهمة فاعلة وحقيقة من الإعلام الوطني بمؤسساته وأفراده داعيا جلالته جميع المعنيين في هذا المجال إلى التمسك بمبادئ المهنية والموضوعية للحفاظ على التوازن ما بين الحريات الصحفية والحقوق الشخصية والارتقاء في مستوى النقد والجرأة والطرح والتعليق و البحث والتحليل فالصحافة مهنة رفيعة هدفها الحفاظ على المصلحة العامة وخير المجتمع وتشكيل الرأي العام بعيدا عن التضليل وتحويل الرأي الشخصي إلى حقيقة عامة.

وبين جلالته بإن الضمانة الرئيسية لاستمرار مسيرة التنمية والازدهار وبناء مستقبل هذا الوطن هي الحفاظ على الأمن والاستقرار وسيادة القانون الذي يحمي الحقوق والحريات تقوم به القوات المسلحة والأجهزة الأمنية درع الوطن وسياجه المنيع والعيون الساهرة على أمن الوطن والمواطن وحماية مسيرته ومنجزاته مشيدا بدورها التنموي ومحاربة البطالة من خلال "الشركة الوطنية للتشغيل"، التي تعمل على مكافحة البطالة وزيادة فرص العمل عن طريق التدريب والعمل في مختلف المهن الفنية .

وأكد جلالته على ثوابت الموقف الأردني من القضايا العربية وتعميق العلاقات مع الدول العربية ودور الأردن في العمل العربي المشترك و الحرص على استثمار العلاقات الدولية وتوظيفها لخدمة قضايا الأمة الإسلامية والعربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية والمحافظة على مصالح الأردن و إيجاد توافق وإجماع عربي مؤسسي لدعم القضية الفلسطينية وتمكينهم من الوصول إلى حقوقهم وإقامة دولتهم المنشودة المستقلة ذات السيادة على ترابهم الوطني بكل السبل حتى ينتهي الاحتلال الإسرائيلي . وكذلك أكد على دعم الشعب العراقي الشقيق والوقوف إلى جانبه ليعود العراق إلى مكانته الطبيعية في محيطه العربي والإسلامي، وينعم أهله بالأمن والاستقرار والتقدم والازدهار وعلى وجوب احترام ورعاية الأشقاء العراقيون المقيمون بيننا نظرا لظروفهم الصعبة وحتى يتمكنوا من العودة إلى وطنهم وأرضهم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد