طمليه .. عندما يكون القبر على مسافة خطوة

mainThumb

18-10-2008 12:00 AM

ذاك تلاطم في المشاعر التي تهيج في النفس لحظة قراءة خبر وفاة محمد طمليه الذي لن أكنيه هنا بأي كنية لا سيما تلك التي إسمها "زميل" على إعتبار أنني صحفي وأن الراحل كان زميلا، فمن قال أن محمد كان زميل أي منا، فأنا شخصيا لم أعرفه يوما زميل في مهنة الصحافة، هذه المهنة التي أوجعتنا من أبناء جلدتنا فيها قبل أن يوجعنا من هم ليسوا منها، نعم محمد ليس حصرا بنا، محمد كان للكل، لكل الناس، لكل الأردن، وحتى لكل الدنيا من نطق منهم بلغة الضاد ومن لم ينطق..
لم أر محمدا في حياتي سوى مرة من نافذة زجاج السيارة، لمحته حينها عندما كنت أنا وزميلة لي ذاهبين لتناول الغداء بعد يوم طويل من العناء والتعب في الصحيفة التي كان ذلك اليوم يوم صدورها الأسبوعي، فقلت لها من هذا الذي كدتي أن تقفزي من نافذة السيارة حتى تقولين له "مرحبا محمد"، فسألتني مستنكرة : هل حقا لا تعرف محمد؟! فجاوبت بدافع "الغيرة" والرفض لطريقة السؤال والغضب وكل مشاعر السخط : ومن هو محمد؟ قالت : محمد طمليييييييييه .. ومددت الياء كما أمددها هنا، حينها هدأت، فأنا سمعت عن محمد شغفه "البريئ" بالفتيات، وأكثر ما هدأ روعي أن صورته في ذهني صورة إنسان "فوق" العادة" تحت "الإنسانية"..
لم أحزن لربما على محمد بقدر حزني على وسط فقد واحدا كان علما في إنسانيته وسط كثيرون فيه فقدوا الإنسانية، لاهثون وراء كرسي في أعلى برج عاجي مبتعدين عن هموم الإنسان التي هي اصل ولادة الصحافة والكتابة بالضمير قبل القلم، وحزنت لأنك بت ترى من يقلبون الحلال حراما والحرام حلالا أصبحوا على بعد خطوة من العلا، فيما بات كل من يملك الإحساس على بعد خطوة من القبر ليفرط عقد صحافة الضمير وندخل بعدها في عقد صحافة البدلة وربطة العنق والبارفان على حساب قضايا الناس وهمومها ومشاكلها، فغاب بذلك أصل حكاية مهنة إسمها "الصحافة".
إذا ما سلمنا أن أصل العلل هو الكبت، فحكاية محمد مع "علّة" السرطان هي كبته وهمه، ذاك المرض اللعين الذي فتك فيما مضى بأعز الناس وما يزال، لا نعلم إذا ما كانت هنالك إستراتيجيات لنشر هذه العلة بين ظهراني شعوب كثيرة كما النار في الهشيم، ودليلها أن كل واحد منا بات على بعد مسافة خطوة من القبر وبرضانا.
يكتبون على كل علبة سجائر أن التدخين سبب رئيسي لمرض السرطان، وإذا ما قالت الأرقام كلمتها، فستكتشف أننا الأكثر تدخينا بإمتياز، فنحن إذن من يذهب الى القبر بإرادتنا، وإذا ما بحثت الأرقام في السبب ايضا، فستقول أن سبب غرسنا للسرطان في أجسامنا هو همنا .. قلقنا.. عبثنا .. بحثنا لربما عن المجهول في تلك الحفرة التي لها كلنا ماضون رغما عنا...
أعود إليك يا محمد لاقول لك أننا كلنا "محمد"، فإذا كان السرطان قد دب في فمك، فنحن لا نعلم بأي مكان منا يدب، في" فوهنا" .. في رئاتنا .. في عقولنا .. لكنه على الأغلب لن يدب إلا في أفئدتنا، قلبك صبر على المحن لكن فمك "لم" .. قلبك كان قويا يعتمره "عدم" الإيمان بكل شيئ، أما نحن فلربما ما زلنا نترنح بإعتمار قلوبنا بشي هو الخديعة التي إسمها "الأمل"، وهي الخديعة التي تعتصر قلوبنا .. ندما .. حسرة .. بغضا .. كرها .. عللا.
الى كل الأحبة الذين فقدتهم بسبب المرض "اللي ما يتسمى" .. الى والدي الحبيب الى جانب كل الأقارب .. الى الأصدقاء الذين رافقهم محمد الآن .. والى كل من سأفقد بأي لحظة حتى "أنا" .. عليكم رحمة الله ..
Nashat2000@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد