الحاضر أبداً ..

mainThumb

16-11-2009 12:00 AM

حسن بلال التل

لا ادري لماذا تفاجئني مناسبات مثل هذه التي نمر بها هذه الايام فأتذكر فجأة ان الحسين قد غادرنا, فقبل أيام على متن الطائرة مغادرا عمان كنت رفيقا للأستاذ خالد محادين عبر صفحات كتابه الجديد (لا املأ قلمي بحبر الآخرين), بدأت القراءة وكانت اولى مقالات الكتاب تتحدث عن الحسين, عن يوم ميلاده, عن مرضه عن شفائه عن سفره وعودته, وكنت اقرأ باطمئنان تام ان الحسين هناك في رغدان, يطل عليّ وعلى كل الاردنيين بعينه الحانية وقلبه الرؤوم, وكلما تقدمت في صفحات الكتاب أخذ الحزن يزداد مع ازدياد أحزان الكاتب وقرب الرحيل, وما إن وصلت الى الصفحات التي كتبها أستاذنا محادين بعد رحيل الحسين حتى فاجأتني الدموع تسيل من عيني بلا استئذان ولتباغتني مرة اخرى حقيقة أن الحسين قد رحل, وبعد العودة وقعت في ذات الامر مرة اخرى وانا اقرأ مقالات الزملاء العديدة في ذكرى ميلاد الحسين لافاجأ مع كل مقال ان الحسين قد رحل.

قد يكون أبناء جيلي هم آخر جيل وعى مرحلة الملك الباني الحسين بن طلال طيب الله ثراه بحق, فنحن من شهدنا معه آخر شدائد المرحلة من نهايات حرب الخليج الاولى حتى قرب انهيار عملية السلام والتي لاجل إنقاذها نهض الحسين عن سرير مرضه والذي تبين لاحقا انه كان سرير رحيله ايضا, مرورا بحرب الخليج الثانية وحصار العراق وميناء العقبة ومحاولة اغتيال خالد مشعل, ولكل ابناء جيلي والذي كان ايضا آخر جيل مسيّس من صغار الشباب كان الحسين أكثر من ملك او قائد وزعيم لقد كان الحسين أباً لكل منا وأخاً لكل آبائنا وصديقا لكل جدودنا, ولا أظن ذاكرة اي اردني تخلو من قصة او موقف حضر فيه الحسين, فقد كان رحمه الله فردا من كل أسرة اردنية وحاضرا في كل بيت ومجلس ومضافة, وبالنسبة للكثير الكثير منا فإنه لم يغب ولم يرحل وما زال وسيبقى الحاضر أبداً, لذلك في مرضه ومحنة موته التي شعر بها كل اردني مع الحسين ألما بألم, وأملا بأمل, ونزعا بنزع, في تلك الايام العصيبة.. افترشنا الرصيف على أبواب المدينة الطبية وصلينا لاجله في الشوارع في زمهرير البرد وتحت المطر, وعندما اختار صاحب الامانة ان يسترد امانته شعر كل منا ان روحه انتزعت من بين ضلوعه وظن الكثيرون ان عالمهم الذي عرفوه قد انتهى.

واليوم وبعد 10 سنوات على الرحيل المر ما زال الحسين هناك على شرفات رغدان ينظر إلينا بحنوه وعطفه الذي عرفناه أبداً عبر عيني عبد الله الثاني, الملك المعزز, فلذة كبد الحسين وخياره الخيّر لكل الاردنيين, وفجأة اصبحت اعرف لماذا لم اشعر بعد ان الحسين قد رحل وغاب, لانه مازال هناك في رغدان, وفي بيت الاردنيين, روحا تعيش بين جنبات عبد الله الثاني الذي ظل على عهد أبيه وأبينا أكثر من ملك وقائد وزعيم, بل أباً وأخاً وابناً بارا للاردن والاردنيين, فظللنا معه على العهد و الوعد الذي قطعناه لابيه, وجده, وجد جده قبل قرن من الزمان, أن يكون حصناً لنا ونكون حصناً له يمنح كلٌّ منا الآخر كل ما يملك ويستطيع لأجل ان نعبر بهذا البلد الصغير بمساحته, الكبير بآماله وأحلامه وأهله وقيادته الى شواطئ الأمان وشرفات العالم الرائد الرحب, ليبقى الاردن الأحلى والأغلى والأقوى رغم كل الغوائل والخطوب, أردن الحسين وأبي الحسين, وطننا الذي لا نرضى عنه بديلا ولا نرضى له ذلا او قهرا, وطناً ملكاً بين الاوطان تماما مثلما قائده ملكٌ بين الرجال.

حمى الله الاردن وملكه وشعبه, وليبق دوما الحاضر أبداً في القلوب والعقول مثلما قادته حاضرون دوما في كل بيت ومجلس ومضافة على امتداد مساحته الشاسعة في كل قلب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد