لحظة تشاؤم

mainThumb

31-03-2010 12:28 PM

 كل الأمور تهون حتى لــو يحكّم فيك دونك

الا عــــذابك بالأقــامة بين من لا يفهمونك


الغربة الحقيقة ليست في أن تترك أهلك أو وطنك وتطير الى بلاد وآفاق أخرى في أقاصي الأرض؛ فمثل هذا أصبح من الأمور التي لا يؤبه لها كثيرا؛ فالعلم بمفرادته الكثيرة التي هيأها أنسان هذا العصر جعلت من عالمنا قرية صغيرة وربما ستكون هذه القرية أصغر بكثير في السنوات والعقود القادمة.
الغربة الحقيقية هي أن تكون غريبا دون أن تغترب ودون أن تبرح مكانك ولو بخطوة واحدة في أي اتجاه؛ ربما وأنت داخل بيتك تتقاذفك هموم غربة أكثر مرارة وقسوة من كل ما قد يخطر بالبال من هموم الأغتراب الحقيقي.


زمانٌ على الأحرار قد جار في الحكمِ

وعاملَ أرباب الفضائل بالظلم

يقول أناسٌ في التغرب غربة ٌ

وليس لعمري ما يقولونَ عن علمِ

وها آناذا بينَ البرية مفردٌ

غريبٌ وحولي أسرتي وبنو عمي

قد يكون الرجل غريبا في بيته؛ غريبا عن زوجته وأولاده وبناته؛ يعيش بمفرده؛ لا يحس بأحاسيسهم ولا يشعرون هم أيضا بمشاعره؛ رحل عن قلبه حب أسرته فغدا قلبه جلمدا صخرا.

وقد تكون الزوجة أيضا غريبة عن زوجها برغم السقف الواحد الذي يعيشان تحته؛ وبرغم عقد القران الذي ربط بينهما وتبعته أفراح واحتفالات بهذا الأقتران الأبدي؛ تتذكر كل شيء سوى هذا الزوج الذي لم يعد يعني لها شيئا.

قد تكون الأبنة غريبة أيضا بين أهلها وأخوانها؛ ويتعامل معها أهلها مثلما يتعامل مجلس الأمن بقضايانا العربية؛ فاذا ما طالبت هذه الأبنة ببعض حقوق ميراثها مثلا فستتكشف لها حقائق مرة ومؤلمة وأن كل كلمات الحب والمودة التي سمعتها من أبيها أو أمها وأخوانها ما هي الا تمارين للألسنة على معسول الكلام؛ وأنّ الكيل بمكيالين سياسة دخلت بعض بيوتنا نحن رغم ما نتلوه من سور وآيات بينّات من كتابنا العزيز آناء الليل وأطراف النهار؛ وأننا نجيد الكلام دون الأفعال.

الأم والأب في منعطفات الحياة وعندما تتعلم الطيور الصغيرة فنون الطيران عن أعشاشها وأوكارها؛ يصبح الأبوان أو الوالدان غرباء؛ فيتبرأ الأبن ممن حملته في بطنها وألقمته ثديها فنما وكبر بدموع عيونها وسهرها.

الأخوة والأشقاء يصبحوا أعداء أو غرباء في معترك الحياة؛ يجاورون بعضهم وتلتصق بيوتهم ببعضها البعض وتتباعد قلوبهم مسافات طويلة لا تختزلها الكلمات.

مفردات كثيرة هي الأخرى أصبحت تشكو غربتها ووحدتها : كلمة الحق والنصيحة والكلمة الصادقة ؛ ناهيك عن الفضيلة التي مات أهلها :

مررت على الفضيلة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاة

فقالت كيف لا أبكي وأهلي جميعا دون خلق الله ماتوا

وعندما تموت الفضيلة...فستلد الأرضُ للحياةِ العجائب ويصرخُ الحِقْدُ في الضمائر ناراً تتلظَّى وتشرئبُّ المصائب.

نتذكر الصدق في الأول من نيسان لارتباط هذا اليوم بكذبة نيسان؛ ونحاول تبرير بعض الكذب الأبيض في هذا اليوم الواحد من السنة؛ لكن الكذب بالألوان الأخرى الداكنة أو القاتمة لا نكاد نذكره أبدا في بقية أيام السنة.


 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد