لماذا نقرأ .. الحلقة الثالثة

mainThumb

26-06-2010 10:00 PM


فالأصل في القراءة أن تترك لنا مجالا في حرية الاختيار وإذا لم تجدها ولم تستشعرها فأنت تعيش عالم الممكن الذي يمكن تقويضه وإنشائه بل تعيشه بشكل سطحي ، تتحكم بك عبوديتك السابقة قد تكون ورثتها ورسخت بالعقل الباطن لديك راجع لتقادم الحضارة وارثها " لا مناص من القراءة لكل من يريد لنفسه الحد الأدنى من الحرية والوعي والفعالية .. لمن يريد شيئا من راحة البال بخصوص كل الأسئلة التي تؤرقنا، والتي لم نجد أجوبة شافية عنها عند من قادوا أولى خطانا " لذا سنظل نقرأ، ما دام الإنسان يبحث عن شيء ما في ذاته و حياته لا يربطه قول أو فعل ولا يحده ضابط أو رابط و أثناء ذلك تحلى بالأخلاق والقيم الإنسانية حتى لا تخرج عن إنسانيتك وآدميتك التي خلقك عليها ربك ، طالبين للحرية الإنسانية التي تشعرك بالراحة والرضا النفسي لا الانفلات وعدم اللامبالاة .



وقد يطرح البعض تسائلا هل بالقراءة يمكن تحقيق كل شيء ومعرفة كل شيء أيضا ؟ رغم فضليات القراءة الكثيرة إلا أنها تبقى منقوصة ، فالبحث عن الذات ومعنى الحياة غير مرتبطة بالقراءة وحدها لأنها لا تقدم لنا إجابات واضحة ومحددة ، صحيح أنها قد تهدي العقل وترشده في طريقه إلى طريق المعرفة ، و أنها توفر علينا جهد التنقل بين الأمكنة التي فيها مصادر المعرفة ومنابعها وطرق الأبواب التي تؤثر فينا وتثير فضولنا أو الانطلاق من حيث لم يبدأ احد بشكل مباشر حول إشكاليات تقدم التفكير إلا أننا نبقى في عالم الإنسان عالم الممكن ،لم نصل إلى اليقين في علومنا ومعارفنا لذلك تبقى منقوصة كأي معرفة أخر وحتى الرياضية منها ، فما يثبت اليوم قد ينفى غدا أو يظهر بشكل جديد غير مسبوق . فأن " كل كتاب نقرؤه بمثابة مفتاح نعمله في باب، يفتح لنا فضاء مغلقا بسبعة أبواب، وكل باب نفتحه بنص جديد يفتح فضاء بسبعين بابا، فنتقدم بالقراءة ونحن مثل من يتبع شعاع مصباح يضيء بضع خطوت أمامنا.. وكل ما حولنا، وبعيدا أمامنا، مناطق غارقة في الظلام " . ومنهم من قال كالدكتور منيب الزغول " نقرأ لنبدد جهلنا " فجهلنا متواصل حتى لو علمنا .



فيشبه فعل القراءة نور المصباح ، كلما أشعلناه أضاء ما حولنا وكلما حاولنا اللحاق بآخره أضاء أفاقات جديدة وجهلنا في أفاقات أخرى غير مكتشفه معرفيا لم يصلها النور بعد ، وما يزيد فعل القراءة عن نور المصباح انه كلما تخطيت ظلمة فتحت آفاق أكثر ظلاما وأوسع تعقيدا من سابقها ، ولا يعني انك ستصل إلى النهاية بل نهايتها مفتوحة في كل الحالات كالخط المستقيم لا نهاية له إلا بالمعرفة اليقينية التي لا يمتلكها الإنسان وان امتلكها فهي جزئية .



فلا يمكن أن تنقطع الأسئلة ولا الأجوبة ولا إثارة القضايا الجديدة ولا يمكن أن تنتهي مشاكل الحياة بل كلها تزيد لا تنقص وتدفع بناء إلى البحث لترقية وسائل تعاطي فعل القراءة وأدواتها وتنوع المعارف وحقولها وأدوات تفكيره حتى بنيتها اللغوية ومفرداته بل نسعى إلى الإحلال مكانها الناتج عن تناقضين متنافسين ، فنحن في زمان لا ينتهي أمله ولا يسبر غوره ولا تنقطع تناقضاته ولا تنفى تطلعاته . بمعنى أنها تفتح لك باب فتجهل أبواب كثيرة أي كلما زدت علما زدت جهلا لهذا نحن في بحث دائم . ولا حل أمامنا إلا القراءة وممارسة فعلها وهو الكتابة ، رغم أنها قد " تضلنا أو تقودنا إلى فضاءات مغلقه أو إلى لا شيء وكأننا نركض وراء سراب " ، هذه نتاجات صعبة معقدة قد تدفع بعضنا للتوقف عن القراءة ولكن من ذاق حلاوتها دفع إلى الأمام والى مزيد من البحث وطرح الأسئلة والشكوك ولكن الأصعب من ذلك هو أن لا نقرأ أو نتوقف عن القراءة وفعلها .



وأخيرا أقول إننا نقرأ لتحقيق فعل القراءة وفعل القراءة هو فعل متعدي لمرحلة ما بعد القراءة مرحلة إنتاج المعنى أو الكتابة بغض النظر عن نوع المعنى الناتج معرفيا سطحيا كان أو عميق وبه غموضات كثيرة وحيرة قائمة منطقية أو منافية للمنطق ، بمعنى انه يحتمل إنتاج المعنى الجديد المعلن وغير المعلن وبه إيحاءات وانزيحات جديدة تمكننا من تقويضه وإعادة إنتاجه مرة أخرى وبشكل أخرى قد يكون مختلفا كليا عما نعرف أو عن سابقه . وهذا يجعلنا متيقظين دائم إلى إن الكاتب قبل أن يكون كاتبا منتجا للمعنى الحقيقي للفعل هو قارئ ومازال ينتج المعنى ويسهم فيه حتى لو لم يكتبه .



فمن المهم غرس القراءة و تنمية عادة القراءة والإطلاع لدى المتعلم منذ الصغر من المرحلة الابتدائية لتنمية التفكير العلمي الذي يدفع لطرح التسألات والوقوف على الحيثيات التي تجبرنا راغبين في البحث عن المعارف التي تريح بالنا وترضي فضولنا ، بحيث تصبح عادة القراءة و البحث ملازمة للمتعلم مدى الحياة ، لا أن تكون آنية مؤقتة مرتبطة في مجال الدراسة والتخصص سواء في مرحلة المدرسة أو الجامعة وكأنها معلقه بالعامل الوظيفي فبمجرد الحصول على الوظيفة يتوقف الدافع لفعل القراءة الأول وفعلها الثاني .



ولا يمكن توفير ذلك وتحقيقه إلا إذا وفرنا للمتعلم رصيدا وثائقي متنوع يشبع فضوله و رغباته في كل البيئات المحيطة به في مدرسته وأساتذته وبيئته ووالديه وكل ما يمكن أن يتعامل معه عن طريق تحقيق متعة القراءة في ما يطلبه و يميل إليه ، ولا ينسنا ذلك كفاءة القيَم وضرورة تأهيله دائما على أن نكون حريصين على امتلاكه للمهارات والكفايات القرائية لأنه المرشد للمتعلم إلى اختيار الكتب والمواد الكفيلة بتحقيق مهارات تنمية التفكير المبدع والتي تشبع رغبة القراءة لديه وتذوق حلوة النص وإبداعه . يقول د .عبد الرزاق جعفر : " لا نستطيع أن نزعم أننا فزنا في ( معركة القراءة ) إلا إذا رأينا الطفل يأتي إلى الكتاب ، من تلقاء ذاته ، دون مساعدة منا ، أو حتى دون موافقتنا " . وان لا نجعل من القراءة الوسيلة المرتبطة بواقعنا الوظيفي فبمجرد حصولنا عليها نتوقف نهائياً عن فعل القراءة ، فعندها نستطيع أن نحقق ذواتنا ونصل إلى المتعة المتبوعة بالحرية الرحبة .



فلنبدأ من هنا بولدنا الصغير محاولين غرس حب العلم وثماره مستعينين بالإثارة ومتعة الروح عند وليدنا ؛ وصغارنا أطفال مرحة فلنسع إلى كسبهم للعلم وحب المعرفة ، ولنكن قائمين على أنفسنا قبل أن نكون أوصيا على أولادنا ، فلنَعلم لنُعلم لا أن نجهل لنَُجهل ، فبالعلم نحقق الممكن وغير الممكن ، لنسهم كلنا في غرس نبتته صالحه يافعة تحقق أملنا في المستقبل " ولدي جيل اليوم والغد " .



بتاريخ 9/6 /2010م



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد