غنى العقل وميراث الأدب

غنى العقل وميراث الأدب

02-09-2010 06:13 AM

  ان كان هذا القول  مثلا أو قولا مأثورا او حكمة  فإن في القول  اربعة عناصر  رئيسة أريد أن أعرج على كل عنصر منها وأحاول أن احلله مسايرة مع نص القول  وهذه العناصر الأربعة  هي (  الغنى  -  العقل -   الميراث  -  الأدب  )



اولا– ما هو الغنى ؟ وهذه الكلمة تخص المال أو الناحية المادية كما هو مألوف لدى العامة ،  وبالمعنى البسيط  فالغنى هو كل ما زاد عن حد الكفاف  والفاية أو ما زاد عن الحاجة من مال الإنسان وكلما زاد هذا المقدار فوق الحد زاد الغنى بتناسب طردي  وذلك كما يظهر أو يبدو للعيان . قال تعالى ((  يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف لا يسألون الناس الحافا  ))  وفي هذه الآية نستنتج ان هذه الفئة من الناس يبدو لمن لا يعرفهم على حقيقتهم وهو الجاهل بحالهم ظهر عيانا انهم غير ذوي الحاجة فلا يمدون  ايديهم ولا يهدرون كرامتهم عفة وتعال عن التذلل ورفعة عن الصغاروالخنا  ليظهروا للعامة  مفهوم غنى النفس  المحتسبة أمرها لله تعالى والمتعالية عن الدنية والهوان  والراضية  بنصيبها   بقناعة لا يدانيها أي شائبة  بأن  هذا هو ما قسم لها من الله تعالى  فتتقبل  ذلك  ايمانا راسخا  شعارها ( ولا تمدن عيينيك الى ما متعنا  به  ازواجا  منهم تريد زينة الحياة الدنيا )



 لذلك فغنى النفس هو الرضا بالنصيب والقناعة بالقسمة والايمان بقدر الخالق وقدرة الواهب الرازق  دون أن يساور هذه النفس أي وسواس بأن الآخر أفضل  منه لأنه أعطي  الكثير وكأنها النظرة  الى قارون من الناحية المادية – ويتحتم ان  نذكر عكس غنى النفس  والذي  هو الحسد  الذي  يحرق ما داخل النفس الانسانية من خلال نظرات  ينظرها الحاسد الى صاحب النعمة نظرات مغموسة  بالتمنى  بزوال النعمة وحلول النقمة وقد يصاحب التمنى الداخلي فعل بالجوارح سعيا وراء تدميره واقصاء النعمة عنه . ولا نقول ان الغنى فقط من الناحية المادية كالاموال  وما يلحق بها وكذلك الغنى بالاهل والولد والمكانة والجاه والسلطان واذا ما وجد  غنى النفس  يتوقف الطمع أو يضمحل الى ان يتلاشى  ويزول نهائيا  فبذلك تسود المحبة والمودة بين الناس في المجتمع  وينعدم الكسل والتكاسل  فينعم المجتمع  بالجد والاجتهاد والمثابرة حيث بذلك تتسرع خطوات تقدم ال المجتمع ورقيه وازدهاره ماديا ومعنويا  بتواجد الالفة والوحدة                                                                    



ثانيا – أما العنصر الثاني فهو العقل – وهذه كلمة مشتقة الفعل عقل وتعني  ربط  وأما اصطلاحا  فالعقل  يعنى ادراك الأمور وفهم واقعها على حقيقتها – ولا يتم ذلك  الا  بالتفحص والتمحيص  لما حولنا دون قيد أو تقييد .  واعطاء العقل هذا المجال المطلق  والحرية التامة  ليفكر ويمحص  بواطن الأمور  بعد ادراك ومعرفة ظاهرها   وهنا يدخل الفكر في عمق  الأشياء اما  حقيقة أو تخيلا دون ان  يكون امامه  حواجز أو سدود مانعة او تحول دون الوصول الى كنه الأشياء –وهنا عندما نقول غنى العقل حقيقة أن يفهم ما فوق المنظور والمرئي  ويدرك اللاوراء فيحوّل الخيال الى حقيقة ملموسة والسراب الى واقع حي . لذلك  يكون من الواجب  عدم تحديد العقل  بحد او بوضعه في اطار  يمنعه من أن يتخطاه  فيقف عند حدوده  ،  وأن تمنح  للعقل الحرية  المطلقة في الفهم والدراية  بحثا واستقصاء  مما يوصل الى حقيقة  اللب والجوهر في حقيقة الاشياء المحيطة  فتزيد المعرفة والعلوم تراكميا فيرقى  ويتطور ويزدهر مما يؤدي الى نشاط  كبير  ونتاج  زائد ذلك أن نشطة الفكر محلولة فلا من قوة تحد الفكر أو تحجمه ...



 لذلك فحرية التفكير يجب لزوما أن تكون حرية مطلقة تماما   ولا يجوز التدخل فيها من  قبل اي انسان آخر او  اي قوة خارجية مهما   تكن  ذات سلطة قوية أو منزلة عالية رفيعة . وبكل الأحوال الحرية العقلية من أخص خصوصيات المرء ، وقد تتدخل  بعض القوى او السلطات في توجيه العقل اعلاميا  نحو فكرة معينةبالتبشير أو بالاغراءات المادية المتنوعة  أو حتى المعنوية منها  أيضا  مما  قد يؤدي الى أن ينجر العقل وراءها او معها  وقد يزول الانجرار هذا بزوال المؤثر  لكنه لن يقتنع بها  الا  اذا كان  اسلوب العارض  للسلعة  مجديا وقادر على الوصول  به الى القناعة    والاعتقاد   لو الهاما ...  ولذلك يكون  مفهوم عيارة غنى العقل   أن يستزيد العقل مما حوله  فيكتسب  الخبرات الجديدة  ويدعّم    والسابقة ويثبتها    بعد ان  يطورها بالصورة التي  تكون  نشيطة دون حد يحدها ولا اطار يؤطرها  ولا بوتقة   تبوتقها ولا قالبا  يحصرها بشكل معين  ثابت  .                                                 



ثالثا -  الميراث -  وهو العنصر الثالث في مقولتنا او  المثل السالف الذكر – والميراث هو جميع  الاشياء التي  يحصل عليها الانسان  ممن سبقوه  مادية كانت أم معنوية  جيدة كانت أو سيئة .  فالوارث مكلف بالتبعات  مهم كانت فإن كانت  خيرا ونعيما فإنه يغدق منها  ويرغد فيها ويتنعم بها ، أما إن كانت شرا وجحيما   فلا بد   له من  ان يتكفل بها  ويحملها على  كاهله ... فوارث مجد الأمة ومنعتها  وسؤددها  وقوتها يعيش    مباهيا  مفتخرا   معتزا  بها  سامي المكانة  رافع الهامة حيث  كل من حوله يطأطئون له الرؤوس مهابا  يرهبون غضبه ويخافون صولته ... فيتزلفون اليه ويتقربون منه ... وأما  وارث  الخنا والذل والهوان  والضعف يبقى مكسور الجانب  خائفا من  مصير الغد يترقب  في كل لحظة ما يهز كيانه وينزع ملكه ويزلزل رسوخه ان وجد يتوقع ان يبطش به من حوله دوما يلطم لا يتكلم  فهذا هو قدره ونصيبه  متحملا أخطاء من سبقوه وخطايا من كانوا قبله ممكن عايشوا الخنوع  لذة  والمهانة نشوة  والضعف سماجة  بنفوس  صدئة  صديدة  تتخيل الذل مجدا والهزيمة انتصارا  فتتغنى بالهوان  وترقص  للنكبات  والنكسات  وتقتات فتات الخونة  والنخاسين والعملاء ... تنظر لغد وتنشد له اهازيج الرفعة والسمو وهي على يقين تام انها  للحضيض هاوية   فتغش نفسها وهى  في السحيق على انها متعالية وتخدع نفسها بكذب   على الذات هي تصدقه وهي واثقة كل الثقة انها ليست على الصواب والحقيقة  وكما يقول المثل (( تكذب الكذبة وتصدقها ))                                                  



فلا تفيق البتة  ثملة  حتى نهاية النهاية  ، سكرى حتى آخر قطرة في كأس زيف العمر  تغمض عينيها  في ظلام دامس ودياجير  معتمة  وتقول  هكذا  هو الدرب المضيء  ... تنتشي براحة نتن الماضي وفساده  فتحوله افكا وزيفا  الى نضرة يانعة  تلفيقا وتزويرا . وهي على ثقة أكيدة  من أن واقعها ممتد الى امسها  وما قبل الامس ايضا  فالجذور ممتدة والساق متصلة  اخطاء وعيوب الموروث  لتنوء  بحمله الجبال الرواسي   فمن سبقه عاش   يقول اليوم خمر وغد امر وانا اضيف وغد لم يأت  بعد ... فما زلنا بانتظار الغد  واظنه لن يأتي ...  فقد تاه الملك الضليل  حتى انه أورثناثأرا ومطلبا  وهو ثمل  سكران  فحملنا  هم  غلطته دون أدنى تفكير أو مراجعه او اي تمحيص  في ذلك هكذا جاءانا فورثنا ثمالته  فتعطل الفكر  والعقل   من يومها وما زال ..  لانها  حتى ورث  نشوة السكر..  فهكذا وجدنا  وعلينا الاذعان وان نتقبل الامور على شاكلتها دونتأفف أو  تأوه ... بدون أف  أو آه                                            



رابعا -  اما العنصر الرابعفي مقولتنا  فهو الأدب- ولو فتح احدنا قلبه وعقله لهذه الكلمة  - الأدب – فسيلوح  بافقه تأويلات  وتحليلات كثيرة لهذه  ...  فمثلا يقال تأدب بحضرة والده أو تأدب  بحضرة الوالي أو القاضي أو المسؤول أو .... وعلى الفور  لن يقول  احد  ما غير أنه  ذل  وخضع  وتقبل الأمور على شاكلتها  دون جدال او نقاش – فالأدب  في هذا المحور  يعنى القبول  دون ابداء أي  قلق أو  معارضة    كانت  وهذا القبول موروث كما اسلفنا  من قبل  خضوعا وانقيادا واستسلاما ....  وتحليل  ثان  - فالأدب كل ما انتجه العقل الإنساني من انواع المعرفة  في اللغة  والتاريخ والجغرافيا والفلسفة وغيرها – وهو كل ما وجد بيننا من  نتاجات الكتاب والأدباء والشعراء والخطباء وغيرهموهؤلاء يسمون الأدباء نسبة الى الأدب وهنا نستطيع القول أن الأدب  في جله موروث  وصل الينا  منقحا حسب ما رآه  من قبلنا   فشطب منه  كل ما يتعارض  مع هواه  وما يتنافى  مع واقعه   خوفا من ان يكتشفه اللاحقون فينفضح  أمره  على الآتين   فكان ادبا مبتذلا  مؤطرا   منمقا أو مسيسا  حسب مصلحة وحال بعض من سبقو  من ذلك  تجرأوا على كتابة التاريخ على ميولهم  فحاكوا  به قصص الإفك والتزوير والتزلف  والتنميق الذي يزركش  صورة اذا نظر فيها   الممعن أبصر ما بين  الزركشات حقيقة غفل  عنها هؤلاءرسموها موشاة  ومنمنمة اعتقادا منهم  من انهم يستطيعون ابهار  عقل الآتين  بازاغة ابصارهم  ولفت نظرهم  فكان أن بانت خدعتهم المكشوفة للعيان ،أما الوارث الثمل السكران  فهو غير قادر  على أن  يقوم فيقف بوجه ذلك التيار    فما هو الا  بقايا منهكة   من ليلة فجور  مستمرة مع العمر والزمن ..ز فقد ذوى الجسد واضمحلت  العضلات  وانطفأت القدرات من معاقرة  الكؤوس السلافية  ومعاشرة القيان  الساحرة  الفاتنة..  فانسحب الأمر  على كل  أفراد الأمة  فالكل   سنيف  هزيل  نحيل الجسم  ضعيف ...



وتحليل آخر للأدب  من أدب (بكسر الدال) أي صنع مأدبة ودعا اليها القوم   من مبدأ اطعم الفم تستحي العين    وهنا لابد  من القول أن مآدبنا  تصنع  وتعد عندما يستفحل الجوع ويستشري الإملاق   فبذلك  يسد طوى الجائع من حين لآخر  ايضا من مبدأ المثل القائل ( جوّع  كلبك يلحقك )  فالجائع متأدب مطيع  تنهره يبعد وتدعوه يقرب ... أجل هو كذلك  !  ووهناك التحليل الأكرم والأسمى لمفهوم الأدب وهو ترويض النفس على المحاسن والصفات الحميدة الطيبة بالتعليم والتهذيب  لتكوين شخصية لها أفضل صورة مبتغاه واشمل أوضاع منتقاه   شخصية حقيقية مثالية خالية من العيوب  قدر الإمكان  لا تشوبها شائبة  ولا تعيبها  مثلبة  ولا تنقصها ميزة ... تكون قدوة لمن معها ومنارة لمن يلحق بها  ومرآة ناصعة لمن نظر  اليها ... فيها الخير المرتجى  والأمل المبتغى ... ترى هل هذه النفس المتأدبة  المروضة على محاسن القيم والاخلاق موجودة ....  بالطبع  لا   غير موجودة ...



 فلو وجدت  لما كان بيننا  فاسدا ولا مفسدا... ولا  سار   في درب مسيرة الخير  سارق ولا مارق  ولا بقي في حيّنا  نذل ولا ساقط كل ينتهج جادة   توصل الى مجتمع الفضيلة السامي  الذي فيه كل واحد   يقوم بواجبه بالصورة المثلى   بحيث  لا يترك  مجالا  لعبث العابثين ولا تدنيس المغرضين  كل تأدب  بالقرآن الكريم والسنة الشريفة  مقتدياومنتهجا   لحيثه صلى الله عليه وسلم (( أنت على ثغرة من  ثغر  الاسلام  فلا يؤتين من قبلك )) كل يقوم  بعمله  ويؤدي واجبه لإرضاء الله تعالى  فلا يخاف  ولا يرهب ولا يضعف ولا يستكين ...  حر غير منقاد بلا خوف ولا رهبة   قادر على العطاء  الكامل  التام غير المنقوص  لا يحد عطاءه حد ولا يسده  سد  ذلك أن عزم النفس موجود  وقوة الإرادة باقية وعزيمة  الشهامة والإباء مسيطرة .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

البدور يجري زيارة تفقدية ليلية مفاجئة لمستشفى الحسين بالسلط

منخفض جوي بارد يؤثر على المملكة السبت .. التفاصيل

بدجت لتأجير السيارات تحصل على شهادة Great Place to Workفي الأردن

بلدية الرصيفة تبدأ مشروع إعادة إحياء المتنزه الوطني

الأمن العام يهنئ أبناء الطوائف المسيحية بالأعياد المجيدة

عطية الميت في المنام خير أم شر

الوحدات يودع دوري أبطال آسيا 2 بعد خسارته أمام الوصل الإماراتي

كأس إفريقيا .. خطأ فادح بمباراة مصر وزيمبابوي يثير السخرية

إحالة 16 شخصا أثاروا النعرات الدينية والطائفية لمحافظ العاصمة

الجيش يدمر أوكارا لتجار أسلحة ومخدرات على الواجهة الحدودية الشمالية

الجيش يُحّيد تجار أسلحة ومخدرات على الواجهة الحدودية الشمالية للمملكة

خبر وفاة عايدة رياض يهز مواقع التواصل والنقابة تعلق

واقعة الفجر تثير الجدل .. خلاف بسبب ارتفاع صوت القرآن بالمسجد

الملكة تهنئ بالميلاد المجيد

غضب في المغرب بسبب مشاركة محمد رمضان بأغنية بطولة إفريقيا