يا مدارس .. يا مدارس

mainThumb

09-09-2010 08:00 PM

طفرت دمعة حّرى من عينيّ ، متزامنة مع زفرة حارة ملأت شدقيّ ، حين قمت بزيارة لإحدى مدارسنا الحكومية ،وهي حالة جميع مدارس الذكور في وطننا، فتذكرت أيام ملاعب الصبا ، وأجواء المدرسة في سبعينيات القرن الماضي ،و بناء المدرسة، وسورها ،وغرف الدروس ،وجرس الكاز، وصوبة البواري في الإدارة،ومجلات الجائط ، وحتى صلعة مدير المدرسة التي تنز عرقا ،وهو يخطب بصدق وعفوية أمام الطلبة تمهيدا لاستقبال العام الدراسي الجديد ،  حين كان الطلبة يستقبلون  أول يوم دراسي بأغنية بريئة : يا مدارس يا مدارس شو أكلتوا ملبس خالص ..!!وقد قدموا إلى المدرسة من شتى الأماكن بملابسهم النظيفة ،وحقائبهم ودفاترهم وأدواتهم التي على بساطتها إلا أنها تشعرك بحالة من الطمأنينة والرضا ، وإصرار الأهل والطلبة على التعليم ،والسعي إلى المدرسة برغبة حقيقية وفرح غامر .



         حين خطّت قدماي بوابة المدرسة أحسست بما يحس به أي طالب مستجد يدخل المدرسة مع أمه في يومه الأول ( آه على تلك الأيام بعد مرور عشرات السنوات طالبا ومعلما وأستاذا جامعيا ) شعرت أنني خائف ومرعوب وليست لدي الرغبة في الدخول لعدة أسباب أهمها أنها ليست مبهجة ،ولم يتغير فيها شيء عن العام الماضي ،وكفى به من سبب ، ومن خلال تجربتي غير المتواضعة في ميدان التعليم أرى أن المسؤولية الأولى تقع على وزارة التربية والتعليم ( مسكينة هذه الوزارة الملطمة ) التي كانت مشغولة ومؤرقة طوال الأشهر الماضية والعطلة الصيفية ، بما ستفعله مع لجان إحياء نقابة المعلمين ،مع أن مشكلتهم يمكن أن تحل في ساعة واحدة وبقرار جريء ،فهي أمامهم مثل(بالع الموس ) ساعة تصفو إلى حد الخنوع والانبطاح، وساعة تتنمر وتحتد  إلى درجة أننا نخاف عليها من جلطة قلبية حادة ، فيفقد كادرنا التعليمي وطلبتنا معيلهم وراعيهم .



 ولنا أن نسألها : ماذا عملت في العطلة الصيفية بخصوص صيانة المدارس ومدارس البنين بشكل خاص ؟ لقد تجولت في الأيام الماضية على مجموعة من المدارس فعجزت عن إحصاء زجاج النوافذ المحطم ، ولم أصادف بوابة خارجية مدهونة ، أو أن مدرسة استطاعت  أن تزيل ما علق على أسوارها الخارجية من تعليقات وشتائم بذيئة يندى لها الجبين بحق معلمي تلك المدارس لأن طالبا ناقما راسبا (فش غله) بشراء علبة رش حمراء ومارس هواياته المكبوتة بالبنط العريض .



أين إدارات المدارس وحراسها الذين لا ينامون إلا ليلا عن عيون المسئولين وجولاتهم المباغتة ؟ وتغريمهم ما ينجم في المدارس من خراب متعمد ؟ أين إجراءات الصيانة اللازمة والضرورية للأبواب والشبابيك ،ومقاعد الطلبة الخشبية ذات مسامير 10سم في معظم مدارس الطلبة ، وبوابات المدارس التي لم تدهن منذ سنوات ،وما أخبار صيانة أباريز الكهرباء، وخطوطها المكشوفة ،وأمعائها المتناثرة في قاعة الدرس هنا وهناك  وووو .



لا يكفي يا وزارة التربية والتعليم زيارة المدارس مرة واحدة في العام كبيضة الديك  وعادة ما تكون في أول يوم دراسي بإرسال مشرف تربوي لتفقد المدارس ومتابعة فعاليات طابور الصباح ، والاستماع إلى فقرات غير مشوقة للإذاعة المدرسية ليكتب بعدها تقريرا شكليا على (أن كل شيء تمام) ، فتطمئن الوزارة على أن الدوام سار على أكمل وجه منذ اليوم الأول ، في حين أننا اعتدنا على سماع شكاوى المواطنين المستمرة إلى نهاية العام حول نقص كوادر المعلمين ، والكتب المدرسية



       ما يريده الطلبة وأهاليهم منك أيتها الوزارة الهرمة العنيدة، مدرسة نظيفة وملاعب مهيأة ،وجدرانا مزركشة بالرسوم والعبارات التي تدفع على التفاؤل ، ودورات مياه جاهزة،وخزانات مياه معقمة ، وغرفة صفية جاذبة خالية من مظاهر العنف، إن على مستوى الطلبة فيما بينهم أو على مستوى المعلم



        ولنا أن نسأل : أين برامج إدارات المدارس، وخططها العلاجية لتدني مستوى الطلبة من خلال استعراض نتائجهم في العام الماضي ؟ وهل حقا المعلمون والكوادر الإدارية جاهزة لاستقبال الطلبة في عام دراسي جديد بجد ومسؤولية ؟.



        مدارسنا الحكومية يا سادة يا كرام ،وأود أن ( أنفجر غيظا وألما ) طاردة للآلاف من الطلبة ،على الرغم من استقطابها لهم ،وليس هذا تناقضا فيما أقول، فكيف  للأهالي أن يفروا بأبنائهم إلى مدارس القطاع الخاص أمام كلفته الباهظة ،إذا كانت ( سندويشة ) ابنها المدلل ، ذي الوجه الأصفر والبطال الممزق الساحل فيها خمسة دنانير ثمن( طيرين) من الدجاج ( ورحم الله أيام منقوشة الزعتر وخبز الشراك )  وبما أن مدارسنا لا توفر لهم الجو النظيف ، ولا الملعب الآمن ( سوى أرضية من الزفت أو الحصا ، فلا المختبرات ولا المراسم ولا المكتبات ولا الممرات مشجعة على التعليم، فكيف لهم أن يتشوقوا الذهاب إليها وكيف لنا أن نعزز فيهم قيم الانتماء للمدرسة والمحافظة على ممتلكاتها ؟ والذي يصيبك بالقهر أنك ترى هذه المدارس في نهاية العام تقيم معارضها السنوية بأجواء أسطورية باذخة لإرضاء المسئولين وبتبجح زائف،لأنهم قادرون على أن يضحكوا على المسئولين بطرق شتى ، وممارسات مكشوفة، كأن  يوضع حاسوب في مدخل المعرض ليكون أول ما يصادفه راعي الاحتفال، ويختارون له طالبا ( غالبا ما يكون ابن معلم أو معلمة له أو لها  نفوذ ) ليستعرض أمام الزائر الكبير عضلاته الكمبيوترية ، ولكن الزائر الكبير لو دخل دورة المياه القريبة من الكمبيوتر لأصيب بالإغماء ،ولأفسد على الحضور بهجة المعرض السنوي، وما أحضره الطلبة من مأكولات بيتية احتفاء بهذه المناسبة ؟  



         التعليم حياتنا ومستقبلنا، وعرق الكادحين، وتعبهم وصبرهم على ضنك الحياة وشقائها للحصول في المدارس على ( الملبّس الخالص) لا على الحنظل المرير بانضمام الأبناء إلى (حزب شاتمي ولاعني  ديوان الخدمة المدنية) وشعار الأهالي :(سوينا اللي علينا والباقي على ديوان الخدمة !) ، لكنه التعليم المثمر غير المبهرج ولا المتقلب بأمزجة الوزراء ،والمشغول عليه جيدا ،والمصروف عليه بسخاء ،الذي يبدو عكسه من خلال المبالغ الزهيدة التي تحصل عليها المدارس من الرسوم والتي تعجز عن إجراء الصيانة السريعة ،أو شراء القرطاسية ، أو إصلاح أقفال الأبواب ،أو شراء احتياجات المختبرات  من مواد لإجراء التجارب العلمية .



          إننا نفهم  التعليم ميدانيا،لا من وراء الحجرات، بأن تتابع المدارس الحكومية بنفس المستوى من الاهتمام والحرص،فتتساوى  مدرسة في قرى دلاغة ومجرا وجوير وبيت يافا والطيبة وسما الروسان ومرود والسلع والنمتة والخالدية بمدارس النصر وماركا والجوفة والشميساني وعبدون واليوبيل والمدارس الأمريكية



          وأخيرا أتمنى أن تتركز جهود الحكومة ووزارة التربية والتعليم لهذا العام على مدارس الذكور صيانة واهتماما وأنشطة ومتابعة وإشرافا ، وتكثيف كل الجهود المجتمعية للمساهمة في إيجاد مدرسة أردنية حيوية جاذبة ،خالية من كل مظاهر العنف والتوتر ، ولا يتأتى هذا بالمعالجات الشكلية ونظام ( الطبطبة ) والتسويف ،بل لا بد من الغوص في حقيقة معاناة هذه المدارس، والوقوف على احتياجاتها الضرورية ،والمتابعة الحثيثة لكل ما تقوم به هذه المدارس من أنشطة .


 أنقذوها قبل أن تفقدوها، فنفقد معها حياتنا ومستقبلنا، وكل الأحلام والآمال الجميلة التي نعيش من أجلها .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد