الحمار .. و طحالب الصبايا .. وقفة تأمل !

mainThumb

23-09-2010 06:00 AM

                                        
قد يظن القارئ و للوهلة الأولى أن هذا المقال يحمل عنوانا ساخرا، بعيدا عن الواقع، و قد يتساءل المرء كثيرا عن نتيجة هذا التأمل التي سيخرج فيها عن الحمار و طحالب الصبايا ؟ و لكن في حقيقة الأمر أن هذا العنوان الساخر، و هو ساخر في مضمونه ؛ جاء من قصة واقعية ساقها الدكتور بكري شيخ أمين في مقدمة كتابه ( مطالعات في الشعر المملوكي الأيوبي ) و أراد أن يبيّن للقارئ العربي الكريم, كيف أن الغرب يعظّم عبث و سخرية حضارته, و يصفها بالعبقرية و الازدهار، و الإبداع ، و رائعة العصر، و معجزة الفن, و كل الأوصاف الخلابة . في حين يتم نعت الثقافة العربية بأنها انحطاط ,أو ما اصطلح على تسميته ( عصور الإنحطاط ) رغم أنها شهدت ولادة علماء جهابذة, و مؤلفات قيمة عظيمة زاخرة بها المكتبات العربية إلى يومنا هذا.



و أعود هنا إلى قصة الحمار و طحالب الصبايا, حيث جاء في مضمونها : ( أن زعيم الرسامين السرياليين بابلو بيكاسو, قد خطرت له ذات يوم فكرة عابثة ساخرة؛ حيث جاء بقطعة قماش بيضاء, و قربها من ذنب حمار مربوط, بعد أن صبغ الذنب بألوان مختلفات، و أغرى الحمار بتحريك ذنبه يمينا و يسارا, صعودا و هبوطا ، حتى ارتسمت على القماشة خطوط لا معنى لها ؟!



 ثم جعل لها إطارا جميلا , و وقّع في احد أطرافها، و أراد أن يختار لها اسما، و أمر طبيعي أن يكون هذا الإسم كما اللوحة لا معنى له, فاختار اسم ( طحالب الصبايا ) و عندما عرض بيكاسو لوحة ( طحالب الصبايا ) في أحد المعارض ، جاء نقاد الفن يدرسون و يحللون و يستنبطون منها روائع وعظمة الفن, ووصفوها مرة ببديعة القرن العشرين، و مرة معجزة ليس لها في التاريخ مثيل, و أخرى برائعة الفن المعاصر، و بعضهم عجز عن إيجاد الكلمات المناسبة المعبرة؛ لأنها فاقت التصور...! ، كما تناقلت الصحف و المجلات حديث النقاد ، و نقلته من لغة إلى أخرى ( فملأت هذه اللوحة الدنيا و شغلت الناس ) حتى بيعت اللوحة بـ ( 350 ) ألف جنيه إنكليزي ) .



ووقفة التأمل التي أردتها هنا من القارئ العربي الكريم, ليس في نظرة الغرب إلى فنه و حضارته, فهذا أمر طبيعي أن يعظّم المرء نفسه, و يحاول أن يعلي من شأنه و لو بالزور، و إنما أردت من الإنسان العربي أينما كان, و مهما كان موقعه, أن يفخر و يعتز بحضارته و لغته و ثقافته، و أن تتغير نظرته السلبية إلى ذاته، و أن تعود الثقة مجددا بماضيه, و تكون حافزا له للنهضة من جديد, بالرغم من الواقع المؤلم الذي نعيشه ، و حالة التردي العربي السيئة ، إلا أننا نملك أن نجدد هذه الحضارة و الثقافة و الإبداع؛ فالأمة التي أنجبت ابن سينا و ابن الهيثم و الرازي و الخوارزمي و ابن رشد و ابن خلدون و غيرهم الكثير... ، قادرة على أن تنجب مرة أخرى أمثالهم, يعلون من شأن الأمة, و يضعونها في مصاف الأمم المتحضرة, كالشمس تحيك خيوطها الذهبية فوق كل ثرى البسيطة, فلا يبقى أحد إلا وينعم بدفئها ويحظى بفوائدها.



و هذه دعوة إلى كل المثقفين, و إلى كل المعلمين, و أساتذة الجامعات في بلادنا, والمفكرين أن يعيدوا شحن الهمم, و روح الإبداع, و إعادة الثقة بالنفس عند شبابنا و طلابنا، و أن يبثوا فيهم روح التنافس و الابتكار، لا التقليد و الانحدار، حتى نجدد عظمة الأمة, فهذه أمة متجددة لا تموت ، فلا بد أن تعود .... لا بد أن تعود .

rawwad2010@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد