وفي شراء الأصوات فنون ؟

mainThumb

07-10-2010 05:00 AM

كنت في مقال سابق وتحت عنوان: (هل زالت الأسباب التي أدت إلى ظاهرة شراء الأصوات) قد أشرت فيه إلى جملة من الأسباب التي أوصلت المواطن الأردني إلى حالة من الإحباط وعدم المبالاة والاكتراث لدرجة تجعله يؤثر مبلغا زهيدا لقاء منح صوته لمن لا يستحق, وهو مدرك لذلك تماما, ويعلم بأن ما فعله هو الصواب, فهي ( بالنسبة له ) الفائدة الوحيدة التي يجنيها ليس من المرشح فحسب, بل من المجلس النيابي بأكمله, فالتجارب السابقة علمته ذلك؟! فلماذا لا يستغلها إذن؟ فهي فرصته الوحيدة لتحقيق ذلك المكسب الأول والأخير من المرشح والمجلس, ومن هنا تنطلق فكرة الناخب الذي يبيع صوته لمن يدفع أكثر بعيدا عن مصالح الوطن و حسابات الوطنية التي انقرضت, أو كادت تنقرض عند الكثيرين بسبب سياسات الحكومات المتعاقبة, والأوضاع الاقتصادية السيئة, والفساد المستشري حتى النخاع في مؤسسات الدولة, وعدم محاسبة المسؤولين عن ذلك.

وبالرغم من أن الأسباب التي دفعت المواطن الأردني لبيع صوته في الانتخابات السابقة ما زالت موجودة ولم تعمل الحكومة الحالية على معالجتها, بل زادت هذه الأسباب وكثرت الدوافع, سواء كانت سياسية, أو اقتصادية, أو اجتماعية, ولم يتغير شيئا, سوى القرارات والتصريحات التي أعلنت فيها الحكومة نيتها محاسبة كل من يثبت تورطه في عمليات شراء الأصوات من الناخبين.



ومع توالي التصريحات الحكومية بين الحين والآخر حول عمليات شراء الأصوات, إلا أن أسئلة مهمة تطرح نفسها بقوة على الحكومة وعن مدى الجدية في محاسبة المتورطين؟ وهل هي بالفعل قادرة لو تواجدت النوايا الحسنة على احتواء هذه الظاهرة الزئبقية التي تتعدد أشكالها وفنونها, أم لا, ومن هنا أقول:



هل ظاهرة شراء الأصوات بالنسبة للحكومة, تقتصر على دفع المبالغ المالية للناخبين بشكل مباشر فقط, وهو الذي تنوي محاسبة الفاعلين عليه, أم إنها راعت الفنون والوسائل الأخرى التي يلجأ إليها المرشحون جهارا نهارا, وتصب بذات الهدف (شراء الذمم, واستغلال فقر الناس وحاجاتهم) وهنا أسأل الحكومة: هل تعد الهبات العينية التي يقدمها المرشحون من مواد غذائية على شكل طرود, أو صوبات التدفئة وغيرها من المواد, هل تعد من عمليات شراء الأصوات؟ خاصة وأنها تنشط في هذه الأيام المباركة التي تسبق الانتخابات؟؟ ففجأة ومرة واحدة يصبح المرشح من المتّقين الأبرار المتصدقين جهارا وعلى مرأى ومسمع الجميع, الباحث عن من نسيتهم الدولة من هباتها لسد حاجاتهم؟؟!! وهو ذاته المرشح الذي عيّرهم في الدورة السابقة عندما رسب, أو قال لهم: قد أخذتم حقوقكم مسبقا فلا تأتوا لي مطلقا عندما نجح...؟! ثم هل الولائم العامة التي تقام من مناسف وحلويات وما لذا وطاب من الطعام, وتنشط كثيرا هذه الأيام, ويتسابق المرشحون على إقامتها, ودعوة الناس إليها؟ هل تعد من عمليات شراء الأصوات والذمم؟ أنا شخصيا أعتبر تلك الولائم من أسوأ وأبشع الصور لشراء الأصوات وذلك لأن النظرة والنية التي يدعو من خلالها المرشح الناس مستغلا فقهرهم وضعفهم, تعد امتهانا صارخا لكرامة الإنسان ومشاعره, فهو أي المرشح يرى أن قطعة اللحمة التي سيأكلها الناخب كفيلة بضمان صوته وفزعته, لأنه وبكل تأكيد سيعيّرهم بها بعد النتائج وهو ما حدث وأثبتته التجارب السابقة للكثير من المرشحين, وخاصة من رسب منهم.



ثم أيضا ألا تعد التبرعات النقدية التي يقدمها المرشح للجمعيات, أو الدواوين أو المشاريع قيد الإنشاء, ألا تعد من عمليات شراء الأصوات؟؟ ففي إحدى الزيارات التي قام بها أحد المرشحين لأحد الأصدقاء الذي دعاني من أجل الاستماع لهذا المرشح, حيث طرح أحدهم فكرة إنشاء ديوان أو مقر عام يجمع أبناء المدينة خارج مدينتهم, فما كان من هذا المرشح إلا أن تقدم سريعا وبكل سخاء ليقول ويعلن عن تبرعه بألف دينار كدفعة أولى لفكرة المشروع؟؟!!



أيتها الحكومة, ألا تعتبر هذه الوسائل والصور من عمليات شراء الأصوات؟ ألا تعد من الوسائل الأبشع والأكثر احتقارا لكرامة الإنسان؛ لأنها تستغل فقره وجوعه, وإن دفع المبالغ النقدية مباشرة مقابل الصوت (على بشاعتها) تعد الأجمل والأكثر فائدة بالنسبة للمواطن. ومن هنا فإني أتمنى أن تلقى هذه الرسالة الصدى لدى الحكومة لتعلن رسميا بأن كل هذه الفنون التي يقوم بها المرشحون تعد امتهانا لكرامة مواطنيها, كما أنها تعد فعليا من عمليات شراء الأصوات. رغم أني أشك بقدرة الحكومة في السيطرة (لو أرادت) على هذه الظاهرة, أو الحد منها لأسباب عدة يتعلق بعضها بالمواطن نفسه ومنها: قناعة المواطن الناخب وضعف الدافعية عنده اتجاه مجمل العملية الانتخابية, إضافة إلى ضعف الانتماء الذي وصل إليه المواطن الأردني وبات ملاحظا في الشارع وبين الناس. أما أنت أيها الناخب فلا أقول لك أكثر مما قاله الشاعر:




صلى وصام لأمر كان أمّله حتى حواه فما صلى ولا صام


rawwad2010@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد